«باردو» بتونس يحتفل بالذكرى الـ122 لتأسيسه

متحف الـ4000 فسيفساء يخضع لأكبر عملية تجميل بدعم من البنك الدولي واليابان

TT

يعيش متحف باردو بالعاصمة التونسية منذ شهر مارس (آذار) من سنة 2009 مجموعة هامة من الأشغال التي ستطور المتحف وتحوله إلى أحد أهم المتاحف في القارة الأفريقية وهو الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى يوم 7 مايو (أيار) من 1888، أي أن له ما لا يقل عن 122 سنة من العمر. مجموعة التدخلات التي ستطرأ عل متحف باردو ستشمل الترميم والتهيئة وإعادة التصنيف وذلك بكلفة لا تقل عن 20 مليون دينار تونسي (قرابة 1.53 مليون دولار أميركي) ساهم فيها البنك الدولي واليابان.

وتهدف عمليات التهيئة بالخصوص إلى الرفع من طاقة استقبال الزائرين إلى مليون زائر بدل 700 ألف في الوقت الحاضر، هذا إلى جانب توفير التجهيزات الضرورية والفضاءات الجديدة على مساحة لا تقل عن ثمانية آلاف متر مربع ستخصص للاستقبال والتسوق وغيرها.

وكان متحف باردو أحد قصور «باي تونس» خلال الحكم العثماني وأدرج منذ سنة 1985 ضمن التراث العالمي لما ينفرد به من خصوصيات معمارية ومن كنوز أثرية وخاصة التماثيل واللوحات الفسيفسائية التي يتجاوز عددها أربعة آلاف فسيفساء، وهو بذلك يعتبر أول متحف في العالم بالنسبة إلى فن الفسيفساء الرومانية التي يتراوح تاريخ البعض منها بين القرن الثاني والقرن السادس الميلادي. ومن أبرز اللوحات المعروضة في متحف باردو اللوحة التي رسم من خلالها الشاعر «فرغيل» تحيط به ربات الفن والتبليط، وكذلك لوحة تمثل «أوليس» والحوريات التي يرجع تاريخها إلى القرن الثاني للميلاد.

متحف باردو ظل لسنوات متتالية فضاء لتراكم المجموعات الأثرية بمختلف أصنافها بعد أن عجزت الفضاءات المتوفرة عن استيعاب الكم الهائل من القطع الأثرية التي يتم اكتشافها في تونس من فترة إلى أخرى.

حول هذا الموضوع قال الطاهر غالية محافظ متحف باردو إن الاكتشافات الأثرية في تونس تشهد نسقا تصاعديا، الأمر الذي عجّل بضرورة «غربلة» وتصنيف القطع الأثرية حتى يتم اعتماد منظومة علمية في تنظيم كل مكونات المتحف». ويضيف: «لقد أدى ارتفاع عدد الزوار من سنة إلى أخرى إلى مشكلات على مستوى تنقل بين أروقة المتحف، فتمت المسارعة إلى تزويد المتحف بمصعد كهربائي لتيسير التنقل بين طوابق المتحف الثلاثة، وتخصيص مسلك خاص بالمعوقين ورسم مسالك واضحة مزودة بآلية لتوجيه الزائرين، كما سيتم تجهيز المتحف بمقهى تقليدي ومطعم ومجموعة من الدكاكين لبيع القطع التذكارية والكتب. وسيكون بإمكان البهو الرئيسي للمتحف استقبال قرابة ثلاثة آلاف زائر في اليوم الواحد».

وبانتهاء الأشغال خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 2010، سيكون المتحف مزودا بقاعة لعرض الأفلام وبمساحة تجارية ثانية، وهو ما يجعل المتحف فضاء لقضاء الزائرين أطول وقت ممكن بدل الزيارة العابرة.

ومتحف باردو الذي كان في الأصل قصرا من قصور البايات ويحمل اسم «المتحف العلوي»، هو في حقيقة الأمر مجموعة من القصور التي سيتم إحياء البعض منها على غرار «القصر البديع» و«القصر التونسي». والقصر البديع هو قصر ملكي سيشهد مجموعة من عمليات الترميم مرفقة بأشغال تزويق وكمّ هائل من القطع الأثرية المخزنة بداخله. أما القصر التونسي فسيحافظ على خصوصياته التونسية سواء من حيث الأثاث العتيق الموجود بداخله أو من ناحية أشكال التزويق المميزة له. ومن المنتظر أن تشمل أشغال التهيئة والترميم جميع المسالك المؤدية إلى القصرين المذكورين وإلى مجموعة الصهاريج المميزة لهما والمعروفة تحت اسم «الدريبة» بما سيمكّن من استغلالها بدورها لعرض أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية البعض منها ستراه العين لأول مرة. ومن ضمن الوثائق النادرة التي سترى النور في الوقت القريب نص اتفاقية السلطان الحفصي مع الملك الإسباني «أرغون» إلى جانب مجموعة هامة من القطع الأثرية التي ستخضع بدورها لعمليات الترميم داخل المخازن.

وتُعتبر القطع الأثرية الخاصة بالفترة الإسلامية من أهم ما هو موجود داخل متحف باردو وذاك على غرار الخشب المنحوت القيرواني والنسيج المطرز المصري، والإسطرلاب الفاطمي، والمخطوطات والخزف الراجع إلى العهد الأغلبي. كما توجد في المتحف نسخة من القرآن الأزرق القيرواني المكتوب بماء الذهب ويرجع تاريخه إلى القرن الحادي عشر للميلاد وهو من الآثار التاريخية التي تم اكتشافها في المواقع الأثرية برقادة وصبرة من ولاية (محافظة) القيروان. أما بالنسبة إلى مدينة المهدية الواقعة في الوسط الشرقي للبلاد التونسية فاكتشافاتها الأثرية معروضة في قاعة وحدها وهي تشتمل على وجه الخصوص على التنقيب والحفريات التي شملت البحر، ونجد من بين المعروضات مجموعة من القطع الأثرية الراجعة إلى العهد الإغريقي، وهي كلها من البرنز ومن الرخام الأصلي لأثينا.

وستشمل الأشغال كذلك ترميم السفينة الإغريقية التي كانت محملة بتلك القطع الأثرية التي كانت عبارة عن مجموعة من غنائم حروب أثينا التي غرقت في سواحل البحر.

متحف باردو عُرف بدوره خلال الفترة الماضية معرضا اختصر الفترات التاريخية التي مر بها ذاك المعلم التاريخي الهام والتي من بينها، الفرنسي أميل بريشوت، الذي شغل محافظ للمتحف من سنة 1927 إلى سنة 1948، وهو رسّام ونحّات فرنسي قضى معظم حياته في تونس.