مفاعل لحفظ التيار الكهربائي الزائد كغاز طبيعي في باطن الأرض

ألمانيا تختبر أول شبكة «ذكية» للكهرباء

صورة عن مشروع المراوح الألماني تحت الماء على بحر الشمال
TT

قطعت تقنية إنتاج الطاقة البديلة، من الشمس والرياح وأمواج البحر والوقود البيئي (الزيت الطبيعي)، شوطا كبيرا حتى الآن باتجاه تحول البشرية إلى مصادر الطاقة المتجددة والبيئية. إلا أن هذه الطاقة القابلة للتدوير، عدا عن ارتفاع تكلفة إنتاجها نسبيا حتى الآن، لا تزال تعاني من مشكلة أساسية تتعلق بتسرب وهدر الكثير منها أثناء الإنتاج والتوزيع.

وإذ يسعى البعض لربط الطاقة الزائدة، المنتجة في منشآت الطاقة البديلة، بشبكات الكهرباء الاعتيادية في المدن، بمثابة احتياطي للشبكات التقليدية، يسعى البعض الآخر للاستفادة استراتيجيا، وعلى المدى البعيد، من هذه الطاقة الزائدة عن طريق خزنها بأشكال أخرى. ويعتقد العلماء الألمان أن بوسعهم سد ثغرة كبيرة في مستقبل إنتاج الطاقة البديلة، توفير آلاف مواقع العمل الجديدة، والاقتصاد بمليارات الدولارات من خلال تحقيق أقصى استفادة من الطاقة الزائدة، أو لنقل المتبددة.

وهناك الكثير من المشاريع الجديدة التي ترمي إلى حفظ الطاقة الزائدة، المنتجة طبيعيا، بشكل ماء حار، يعاد تبريده لاحقا لاستعادة الطاقة وتحويلها إلى طاقة كهربائية، بشكل غازات يجري تجميدها، أو تحويلها كيمياويا إلى غاز طبيعي وحفظه في أعماق طبقات الأرض كما يتواجد الغاز الطبيعي الذي يجري استخراجه من باطن الأرض.

إذ طورت شركة «سولار فيويل»، من مدينة زالسبورغ، طريقة جديدة لتحول التيار الكهربائي الزائد إلى غاز طبيعي. واستعرضت الشركة مؤخرا النموذج الأول من مفاعل مصغر يتولى تحويل الكهرباء إلى غاز طبيعي. وهو مشروع تشترك فيه الشركة المذكورة مع معهد فراونهوفر الألماني لأبحاث الطاقة الشمسية والمائية (في شتوتغارت) والقسم التقني في جامعة ماينز. وسيكون عام 2012 عام البدء بتشغيل أول مفاعل حقيقي من هذا النوع بطاقة 10 ميغاواط.

وذكر الباحث ميشائيل شبيشت، من معهد فراونهوفر، أن تحويل التيار الكهربائي الزائد إلى غاز طبيعي يجري في عمليتين كيمياويتين تتألف كل واحدة منهما من عدة مراحل. في العملية الأولى يجري استخدام التيار الكهربائي الزائد لشطر الماء (عملية تحليل) في هيدروجين وأكسجين، ومن ثم إنتاج ثاني أوكسيد الكربون بعد حفظ الهيدروجين. ويجري في العملية الثانية، باستخدام، الفورمالديهايد والميثانول، تحويل غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى ميثان، حيث أن الميثان هو المكون الأساسي للغاز الطبيعي.

ويقول شبيشت إن أجمل ما في التقنية هو أنه من الممكن استخدام نفس محطات استخراج الغاز الطبيعي من الأرض لتنفيذها. وهذا يختصر الكثير من التكلفة على الشركات، ويفتح إمكانية ضخ الغاز عبر شبكات الغاز الطبيعي عند الحاجة، كما أنه يخلص البشر من غاز ثاني أوكسيد الكربون.

ومن الواضح أن العملية كيمياوية - إلكتروليتية بحتة يجري فيها تحول الكهرباء إلى غاز طبيعي في مفاعل صغير يمكن ربطه على منشآت استخراج الغاز. يمكن لاحقا حرق الغاز مجددا من أجل تحريك توربينات كبيرة تنتج التيار الكهربائي.

وتتميز شبكات الكهرباء التقليدية، المستخدمة في عالم اليوم، بأنها ترسل التيار الكهربائي باتجاه واحد، أي باتجاه المستهلك. وهذا يعني تبديد كمية هائلة من التيار الكهربائي الذي يذهب بنفس القوة والكمية إلى المستهلك، في كافة الأوقات، وبغض النظر عن مدى حاجة المستهلك لها في الوقت والمكان المعينين.

وأجرى معهد فراونهوفر لأبحاث الطاقة، بالاشتراك مع المعهد الألماني لدراسات الهياكل الارتكازية، دراسة حول الطاقة الكهربائية المتبددة بهذه الطريقة، تشي بأن من الممكن الاقتصار بنحو 10 تيتراواط ساعة (10 إس 12) من الكهرباء سنويا في ألمانيا في حالة استخدام شبكات «ذكية» تتحكم في إرسال التيار الكهربائي في عدة اتجاهات، أي استعادة التيار الكهربائي الزائد من المستهلك إلى مركز الشبكة. وقدرت الدراسة إمكانية محطات الطاقة الطبيعية في ألمانيا على خزن 200 تيتراواط ساعة من الكهرباء سنويا.

فالشبكة التقليدية تضخ الكهرباء بنفس القوة والحجم إلى البيوت في المساء، رغم أن معظم استهلاك الإنسان للكهرباء يتوقف تقريبا خلال المساء. كما أنه من الثابت أن استهلاك الكهرباء من قبل الإنسان يقل في الصباح عنه عند فترة الظهيرة حيث تشتغل الطباخات. ويمكن لشبكة ذكية ينظمها الكومبيوتر أن تقنن استخدام الإنسان للكهرباء حسب فترات اليوم، وأن تستعيد التيار الكهربائي الزائد من أجل حفظه أو إرساله إلى المعامل التي تحتاجه.

وكان وزير النقل الألماني فولغانغ تيفنسي أعلن قبل سنتين عن خطط للتحول الفوري من النفط والطاقة النووية إلى الطاقة البديلة المستمدة من الرياح. وتحدث الوزير عن نصب 30 «حقلا» من حقول المراوح الضخمة على بحر الشمال كفيلة بتوفير الطاقة النظيفة للاقتصاد الألماني. وقدر تيفنسي تكلفة كل محطة بنحو مليار يورو، وأشار إلى أن التحول إلى الطاقة البديلة بالكامل حتى عام 2030 مقابل 30 مليار يورو، وهي تكلفة المشروع الإجمالية، تقل عن تكاليف النفط والغاز المستوردين في ظل ارتفاع أسعار النفط المتزايدة.

وحسب تصورات المشروع، فإن من الممكن لألمانيا خلال عشرين سنة أن تنصب مراوح لإنتاج الطاقة من الريح بقدرة 25 ألف ميغاواط. وستنصب المراوح في عمق البحر لأن الرياح هناك أقوى وأكثر ديمومة منها على السواحل أو على البر. ويمكن البدء في الحال ببناء «حقول» من 2200 مروحة تكفي لإنتاج 11 ألف ميغاواط من الكهرباء، أي ما يكفي لسد حاجة 11 مليون منزل في ألمانيا.

وتقدمت الكثير من الشركات الألمانية الكبيرة بخطط بناء حقول المراوح الضخمة التي ستبنى في عرض البحر على عمق 20 - 40 مترا تحت الماء. وتعتمد تقنية عالية في اختيار مواد البناء المقاومة للأمواج وللملوحة التي تتسبب بتآكل المراوح مع مرور الزمن. وأقرت الحكومة تخصيص مساحة 880 كم مربعا من بحر الشمال لنصب 656 مروحة في المرحلة الأولى، وتخصيص 130 كم مربعا من بحر البلطيق لبناء 30 مروحة ضخمة.

قبل سنة من الآن بدأ معهد فراونهوفر، بالتعاون مع شركةEWE لإنتاج الطاقة، مشروع بحث مشترك حول أنظمة شبكات الكهرباء الذكية في 6 مناطق مختلفة من المقاطعات الألمانية. ويعمل العلماء، الذين بدأوا القسم الأول من المشروع في سبتمبر (أيلول) 2009، على ربط الشبكات الست معا بنظام رقمي لتنظيم إنتاج وإرسال التيار الكهربائي.

أحد هذه المواقع الستة يربط بين حقل إنتاج الكهرباء من المراوح في شمال ألمانيا، على بحر الشمال، وبين محطة للتوربينات الضخمة التي تعمل على إنتاج الكهرباء من الحرارة في مدينة كوكسهافن. فعندما تهب الرياح قوية على بحر الشمال، وتنتج المراوح كهرباء يزيد عن حاجة الشبكة التي تنظمها، فإنها ترسل الكهرباء إلى كوكسهافن ليجري استخدامها في تجميد المياه في مراجل كبيرة بدرجة – 25 مئوية. يجري لاحقا، عند الحاجة، وحينما تتوقف المراوح عن الحركة على بحر الشمال بفعل ضعف هبوب الرياح، وتبخير الماء مجددا لتحريك التوربينات التي تعيد إنتاج الكهرباء.

وطبيعي فإن المحطات «الداعمة» الخمس الأخرى في المشروع تربط بين محطات لإنتاج الطاقة من الشمس ومن المفاعلات البيولوجية ومن أمواج البحر وبين مفاعلات تستخدم طرقا أخرى لحفظ الطاقة الكهربائية الزائدة وإعادة إنتاجها.

وتوقع الباحث بيتر بريتشنايدر، من معهد فراونهوفر في مدينة الميناو، أن يغير المشروع حياة الناس كما غيرت شبكة الإنترنت حياتهم. وأعلنت المفوضية الأوروبية عن توظيف أكثر من 400 مليار يورو، حتى عام 2030، في مشروع بناء وربط شبكات الكهرباء الذكية. علما أن الولايات المتحدة تنوي توظيف مبلغ 3 مليارات يورو في مشروع مماثل حتى 2013.