اللبنانيات يتحركن في مواجهة «الأغنيات والإعلانات الذكورية»

بعدما اعتبرن أنها تسيء إلى المرأة وحقوقها

TT

في مجتمع تتحكم فيه التناقضات، تأتي الأغنيات لتكون دليلا إضافيا على هذا الواقع اللبناني الذي يتأرجح بين الثورة على التقاليد والمطالبة بالمساواة بين أبنائه، لا سيما بين المرأة والرجل من جهة، والقوقعة والتمسك بكل ما يمت إلى التخلف من جهة أخرى. فها هي الإعلانات والأغنيات اللبنانية تأتي لتكون المحرض والدافع، لتعلن الفتيات والنساء ثورتهن في وجه كل ما قد يسيء إليهن وإلى الحرية الاجتماعية والمساواة التي يطالبن بها. فبعد سلسلة من الأعمال التي وضعت المرأة في دائرة معتقدات التفكير الذكوري وحصرت دورها بالمجتمع في الزواج وإدارة البيت واقتناء المجوهرات، كما تقول لين هاشم الناشطة في حركة «نسوية»، تحركت الغرائز النسائية تحت شعار الحد من الإساءة إلى المرأة وذلك من خلال الدعوة إلى المشاركة في تظاهرة تطلق الفتيات فيها صرختهن. لكن قبل الفتيات أيضا، أتى الاعتراض على لسان الرجال، فقد عمد المحامي جاك عقيقي إلى تقديم أخبار إلى النيابة العامة التمييزية للمطالبة بإيقاف أغنية الفنان محمد إسكندر «قولي بحبني» التي يطلب إسكندر من حبيبته خلال كلماتها ألا تجيب على هاتفها إلا إذا كان معها، وأن تمتنع عن مصادقة الشباب، ويهدد من سيرمي عليها وردة بأنه سيشهر السلاح في وجهه.. ويعتبر عقيقي أن هذه الأغنية إضافة إلى أنها تسيء إلى المرأة فإنها تشجع الشباب والمراهقين ممن يسمعون الأغنية على حمل السلاح.

ويقول عقيقي «الأمر أحيل إلى الأمن العام اللبناني، الذي اعتبر أن الأغنية وإن كانت تتضمن كلمات نافرة إلا أنها خضعت للرقابة ولم يتم إيقافها على اعتبار أنها عمل فني». ويضيف «نحن أطلقنا الشرارة الأولى في وجه هذا النوع من الأغنيات وسنكون داعمين للنساء والفتيات في كل التحركات التي سيقمن بها».

كذلك تقول هاشم، التي تنشط على خط الدعوة للتحرك وقد أنشأت مجموعة على موقع «فيس بوك» أطلق العنان لآراء الشباب والفتيات التي تراوحت بين مؤيد ومعارض «تغزو الأسواق اللبنانية في الفترة الأخيرة موجة من الأغنيات والإعلانات التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية، فعلى سبيل المثال، وفي اليوم العالمي للمرأة، طالعنا إعلان للمجوهرات يقول «مجوهراتي حقي»، مختصرا حقوق المرأة بامتلاك المجوهرات، في وقت لا نزال في لبنان نطالب فيه بحق منح الجنسية لأولاد اللبنانية ومشاركة المرأة في الحياة السياسية. ويأتي إعلان آخر ليقول «إذا ربحت الجائزة المالية سأجد عريسا..» وكأن الزواج هو أهم ما تطمح إليه الفتاة اللبنانية. وتضيف هاشم «ها هو الفنان محمد إسكندر يأتينا بأغنية تحمل عنوان (جمهورية قلبي) لتعكس قمة الذكورية المتجذرة في المجتمع، فيطلب من المرأة أن تترأس قلبه وتمتنع عن العمل، فما كان أمامنا إلا التحرك لإيقاف هذا المستوى من الأغنيات».

وتقول أغنية إسكندر التي باتت المحرك لنقاشات الفتيات والشباب اللبنانيين «نحن ما عدنا بنات تتوظف بشهادتها.. عدنا البنت بتدلل، كل شي بييجي (يأتي) لخدمتها، حقوق المرأة على عيني وراسي، بس ياريتك (ليتك) تراعي إحساسي، شغلك قلبي وعاطفتي وحناني.. شو منعمل بجمالك، بكرة المدير بيعشق وبيتحرك إحساسه، وطبيعي اني أنزل هد الشركة ع راسو..». وتعلق هاشم «لن يدفع أهلي الأموال وأتعب كي أحصل على شهادتي، وفي نهاية المطاف أكون رئيسة جمهورية قلب رجل، بل يجب أن أطالب بحقوقي لأصل وأتولى رئاسة جمهورية لبنان».

وفي حين تعترف هاشم بأن الآراء حول هذا النوع من الأغنيات تتراوح بين المعارض والمؤيد، حتى بين الفتيات أنفسهن تقول «واجبي كفتاة أن أطالب بحقي، وألا يكون قراري ملكا للرجل. وبالتالي فإن التظاهر حق ديمقراطي لي ولمن يرفضن هذا التفكير». وفي حين يزخر حائط المجموعة بالآراء المناصرة لتحرك هاشم وزميلاتها، يأتي من يخالفها مبديا إعجابه بما تشير إليه الكلمات، فتقول آيات عواد، إحدى الفتيات المنتسبات إلى المجموعة التي حملت عنوان «Jomhouriyyit Albi & CO. NO» على موقع «فيس بوك»: «من الأفضل أن تلتقي الفتاة برجل يقول لها هذا الكلام بدل أن يسألها، كما صار شائعا هذه الأيام، عن حسابها في المصرف. ففي النهاية واجب الرجل أن يعمل ويصرف على المنزل وعلى زوجته»، وفيما يطرح دياب سؤالا «هل صارت المحافظة على الزوجة تخلفا وتعقيدا؟». تؤيد جوانا التحرك، لكنها تستطرد «برأيي أن الفنانات يسهمن في الإساءة إلى صورة المرأة اللبنانية أكثر من كلمات هذه الأغنيات». كذلك، نشطت مجموعة أخرى مناهضة تحت عنوان «مع إيقاف بث أغنية (جمهورية قلبي) التي تعود بنا إلى عصر الجاهلية»، لتقابلها مجموعة أخرى مدافعة تحمل عنوان «رئيسة جمهورية قلبي وليست موظّفة عند أحد».

من جهته، يقلل فارس إسكندر كاتب أغنية «جمهورية قلبي» و«قولي بحبني» وابن محمد اسكندر، من أهمية هذه الحملة النسوية في وجه أغنيته، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما يعترض نصف في المائة من المجتمع على أمر ما فهذا لا يعني شيئا. وفي حين يلفت إسكندر إلى أنه ليس ضد تعليم الفتاة، يؤكد أن كلماتها تنطق بلسان معظم الشباب في هذا العصر، إذ لولا المشكلات الاقتصادية التي يعيشونها لكانوا منعوا زوجاتهم عن العمل، وهذا أيضا نوع من المشاعر والحب في المجتمع الشرقي والذكوري». وفي حين يعتبر إسكندر أن العمل ليس إلا أغنية لن تغير شيئا في الواقع، تلفت هاشم إلى أن الكلمات تنظر إلى المرأة نظرة دونية تهين المرأة في وقت يجب على الأعمال الفنية فيه أن تحمل رسالة إيجابية إلى المجتمع». وتقول هاشم «إذا خاف الرجل من عمل زوجته فهذا يعني تهديدا مباشرا لرجولته، وإذا كانت المشكلة فن التحرش الجنسي الذي تتعرض له الفتيات في العمل، فكذلك يجب المواجهة والحد من هذه المشكلة بدل حرمان المرأة من حقوقها».