«كان في جعبتي 138 جنيها» فيلم وثائقي لعطاء امرأة فلسطينية

يسرد حكاية هند الحسيني ضمن تسلسل تاريخي مع صور بالأبيض والأسود لأنشطتها

TT

اختارت المخرجة الفلسطينية الشابة ساهرة درباس أن تروي في فيلمها الوثائقي «كان في جعبتي 138 جنيها» قصة عطاء امرأة فلسطينية (هند الحسيني) من دون حدود في رعاية الأطفال الأيتام.

وقالت درباس أمس السبت لـ«رويترز»: «اخترت هند الحسيني لعمل فيلم عنها لأنها نموذج لامرأة استطاعت أن تقوم بعمل تعجز مؤسسات عن القيام به. لا بد من التعريف بها وبما قامت به في خدمة أناس كانوا بأمس الحاجة للمساعدة». وتعود بداية قصة هند الحسيني المولودة في القدس عام 1916 والتي توفي والدها وعمرها سنتان إلى تركها مهنة التعليم والتحاقها بالعمل التطوعي 1945 حيث أسست جمعية التضامن الاجتماعي النسائي في القدس.

أوضحت درباس أن إنتاج هذا الفيلم الذي يمتد عشرين دقيقة احتاج منها إلى «عامين من البحث والتنقيب عن مواد أرشيفية بمساعدة باحثتين من جامعة بيرجن النرويجية وهما انغا ماريا أوكنهاوغ ونفيسة نجيب».

ويتضمن الفيلم الذي يسرد حكاية هند ضمن تسلسل تاريخي صورا بالأبيض والأسود لمجموعة من الأنشطة التي كانت تقوم بها من أجل جمع الأموال اللازمة لإتمام مشروعها الذي بدأته بعد عام 1948 لتوفير مأوى لخمسة وخمسين طفلا يتيما.

ويذكر الفيلم نقلا عما كتبته هند في مذكراتها أنها مرت بمجموعة كبيرة من الأطفال كانوا الناجين من «مذبحة دير ياسين» ولم يكن في جعبتها سوى 138 جنيها فلسطينيا ومع هذا قررت أن تعيش مع خمسة وخمسين طفلا أكبرهم كان عمره 12 عاما وأصغرهم سنة واحدة.

وتقدم درباس في فيلمها بطريقة مكثفة كيف تسلسلت الأحداث منذ ما قبل عام 1948 مرورا بالحديث عن النكبة عندما نزح 750 ألف فلسطيني أو أجبروا على الرحيل عن منازلهم في الحرب التي انتهت بالإعلان عن قيام إسرائيل. ويعرض الفيلم صورا للنازحين الذين غصت بهم مدينة القدس قبل احتلالها عام 1967 مع الإشارة إلى الأعمال التطوعية التي كانت تقوم بها هند في مساعدة الجرحى والبحث عن الأطفال وكبار السن الذين لم تبق لهم الحرب مأوى.

ونجحت هند في تحويل منزلها في بداية الأمر إلى دار لرعاية الأيتام لتؤسس لهم بعد ذلك مدرسة يتعلمون فيها ويسكنون ليصل عدد الأطفال فيها بين عامي 1958 و1975 إلى 350 طفلا وطفلة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة يحظون بالرعاية والاهتمام والتعليم. ويسرد الفيلم كيف أثرت الأحداث السياسية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية في تناقص عدد الأطفال المستفيدين من هذا المشروع الإنساني فبعد الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987 بدأ الأطفال من غزة يجدون صعوبة في العودة إلى القدس بسبب صعوبة التنقل.

ويوضح الفيلم أنه بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 لم يتمكن أهالي الأطفال من الضفة الغربية من الوصول إلى القدس لزيارة أبنائهم أو أخذهم لتمضية الإجازات لديهم مما كان يضطر المؤسسة التي حملت اسم «دار الطفل العربي الفلسطيني» إلى إيصال الأطفال إلى الحواجز الإسرائيلية من جهة القدس ليكون أقاربهم في الجهة الأخرى من الحاجز لاستلامهم. ويضيف الفيلم أن «الجدار البشع» الذي أحاطت به إسرائيل مدينة القدس فصل بين الأطفال وعائلاتهم: «لا شيء يمكن أن يفصل بين الأطفال وعائلاتهم سوى هذا الجدار القبيح. ويعرض الفيلم صورا لأطفال يبكون لأن أهلهم لم يأتوا لزيارتهم».

وتنتقل كاميرا الفيلم بين غرف الأطفال التي تبدو معظم الأسرة فيها فارغة لتوضح هداية الحسيني المسؤولة في هذه المؤسسة: «لا يوجد لدينا اليوم سوى 33 طفلا، لقد كان لدينا 350 طفلا. هذا بسبب الجدار القبيح».

ويتطرق الفيلم إلى التعايش الإسلامي - المسيحي في هذه المدرسة التي كان العدد فيها يكون مناصفة بين الجانبين وتذكر هداية «الأطفال كانوا يحتفلون معا بأعياد الميلاد وبأعياد المسلمين».

وتوفيت هند الحسيني عام 1994 تاركة خلفها مؤسسة عريقة تضم اليوم كلية ومتحفا ودارا للثقافة ومركزا طبيبا. وعرضت درباس فيلمها أمام الجمهور في رام الله مساء الخميس لتلقى الكثير من الثناء على عملها الذي رأى فيه البعض أنه للمرة الأولى هناك عمل يتحدث عن السيرة الذاتية لامرأة فلسطينية كما أنه يقدم توثيقا للتسلسل التاريخي للأحداث في فلسطين. وقالت درباس التي أخرجت سلسلة من الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن التاريخ الشفهي الفلسطيني وعن الأرض والإنسان إنها أنجزت تصوير 95 في المائة من فيلمها الجديد «عروسة القدس» الذي تجمع فيه بين الدراما والتوثيق. ويمتد الفيلم ثمانين دقيقة وستقدم فيه صورة عن الحياة الاجتماعية لسكان مدينة القدس.