حمى مهرجان «كان» وعواصفه تشغل فرنسا

أمواج عاتية وجائزة للحماقة وباربي بفستان أسود وبريجيت باردو تمص إبهامها

بريجيت باردو في إحدى صورها القديمة العائدة لعام 1950
TT

منحت جمعية مؤلفي الدراما في فرنسا بإجماع الأصوات جائزتها السنوية للحماقة، أمس، إلى ليونيل لوقا، النائب عن الحزب الحاكم، لأنه هاجم بشكل علني عملا دراميا قبل أن يشاهده، هو فيلم «خارج القانون» للمخرج الجزائري الأصل رشيد بوشارب. وجاء في قرار اللجنة أن نائب منطقة «آلب ماريتيم»، جنوب فرنسا، استحق الجائزة التي تكرم شخصية تبادر، بكل جهل، إلى اتخاذ موقف يحاول أن يحد حرية التعبير.

وأثار فيلم بوشارب عاصفة في أوساط يمينية معينة بعد الإعلان عن اختياره للعرض في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي الدولي، في موعد حدد في 21 من الشهر الجاري. ويتطرق الفيلم الذي يمثل الجزائر في المهرجان إلى مذبحة سطيف التي وقعت عام 1945، أثناء الاستعمار الفرنسي وراح ضحيتها عدة آلاف من الجزائريين. لكن النائب ليونيل لوقا، مدعوما بعدد من أنصار اليمين المتطرف وجمعيات قدامى المحاربين اتهموا الفيلم بأنه يشوه تاريخ فرنسا. ووصل الأمر إلى قبة البرلمان عندما تقدم النائب باستجواب إلى وزير الثقافة، فريدريك ميتيران، حول كيفية السماح بعرض الفيلم في المهرجان، خصوصا أنه يستفز مشاعر أبناء عدد من الفرنسيين قتلوا في الأحداث نفسها. ودافع ميتيران عن الفيلم، رافضا إصدار أي حكم عليه قبل مشاهدته، وعدم الاكتفاء بالاطلاع على السيناريو لأن المخرج لا يلتزم بكل ما هو مدون على الورق.

عاصفة بوشارب ليست هي الوحيدة التي ضربت سواحل المدينة المتوسطية الساحرة وهددت نظام الدورة 63 من مهرجانها السينمائي الأشهر في العالم. فقد هاج البحر، الأربعاء الماضي، وارتفعت أمواجه عدة أمتار واجتاحت مرافئ اليخوت الفخمة والمنشآت السياحية الأنيقة والمطاعم والمسابح التي تصطف على رمال الشاطئ اللازوردي. كما اكتسحت المنصات البحرية التي كان عدد من محطات التلفزيون المحلية، مثل «كانال بلوس»، قد هيأها لاستقبال النجوم ونقل وقائع مهرجان «كان» الذي يبدأ الأربعاء المقبل. وسرعان ما تشكلت لجنة من عدة وزارات لحصر الأضرار التي قدرت بأكثر من 3 ملايين يورو وترميم ما خربته العاصفة وتأهيل الشواطئ وطريق الكورنيش قبل الافتتاح. وانطلق 150 عاملا لتنظيف رمال المدينة ورفع الأنقاض عنها. ووعد معاون عمدة «كان» أن كل شيء سيكون جاهزا مع حلول المهرجان.

ومثل كل عام، تنشط الذاكرة الإعلامية الفرنسية لتحريك حنين عشاق السينما إلى أحداث ووجوه الزمن الماضي، وينبش المصورون أرشيفهم القديم بحثا عن صور لم يسبق نشرها لهذا النجم أو تلك النجمة. وكانت لقية العام الحالي من نصيب بريجيت باردو، الممثلة المعتزلة التي كانت قد ألهبت الشاشة الفرنسية، والعالمية، منذ أول ظهور لها في فيلم «وخلق الله المرأة» للمخرج روجيه فاديم، الذي عرض في «كان» علم 1956 بحضور بطلته الساحرة، آنذاك. وفازت المجلة الأُسبوعية الملحقة بصحيفة «الفيغارو» بصور وصفتها بأنها «لم تقع عليها عين من قبل»، التقطها المصور بيير بولا لباردو عام 1952، عندما كانت على حافة سن الرشد. وتبدو الممثلة الناشئة في إحدى اللقطات أشبه بطفلة كبيرة تلعب بدب من الفراء، أو تتمرن على «الباليه»، في لقطة ثانية، لأنها كانت تتمنى لو تصبح راقصة كلاسيكية، أو تغفو وهي تمص إبهام يدها.

وتخبرنا السجلات السينمائية أن مجلة «إيل» الباريسية النسائية الشهيرة كانت قد نشرت صورة لبريجيت باردو على غلاف أحد أعدادها عام 1950 واعتبرتها تميمة لها، وبعد سنوات قلائل تحولت بريجيت باردو إلى أيقونة فنية، بفضل المخرج مارك أليغريه الذي عمل لها اختبارا أمام الكاميرا، ثم فاديم الذي تزوجها وقدمها للشاشة. وراحت صحف العالم تتخطف صورها وأفلامها والبنات يقلدن تسريحتها وفساتينها بحيث إن الجنرال شارل ديغول اعتبرها ثروة قومية ومن مصادر الدخل الوطني.

اليوم، تقيم باردو وراء أسوار عزلتها وتجاعيدها في بلدة لا تبعد كثيرا عن «كان» لكنها لا تلقي بالا لصخب المهرجان الذي أقامت الدنيا وأقعدتها فيه يوم نزلت إلى البحر مرتدية ثوب سباحة مطرز بالأزهار وتسببت في معارك بين المصورين للاقتراب منها. لكن «عجوزا» آخر هو مايك جاغر، رئيس فريق «الرولينغ ستونز»، أعلن أنه سيحضر دورة المهرجان لهذا العام مع رفاقه العازفين كيث ريتشاردز وشارلي واتس ورون وود. والمناسبة هي العرض العالمي الأول للفيلم الوثائقي «ستونز في المنفى» الذي كان المخرج ستيفن كيجاك قد أنجزه عام 1972. وتمت برمجة الفيلم ضمن تظاهرة نصف شهر المخرجين. ضيوف الدورة الجديدة سيجدون قصر المهرجان يستقبلهم بحلة جديدة بعد سلسلة الترميمات الجارية عليه وتنتهي العام المقبل بكلفة 57 مليون يورو. فهذا المبنى الذي تم تدشينه عام 1982، ويقع على مساحة 80 ألف متر مربع، يسعى لتوسيع قاعته الكبرى بحيث تستوعب أكثر من 2200 مقعد. أما الواجهة الوردية فستتحول إلى الأبيض، مع تجديد لدرب النجوم، وهو الممر الذي يحتوي على بصمات أكف مشاهير الممثلين، أمثال شارون ستون وروبرت دو نيرو وجيرار ديبارديو، مطبوعة على الطين.

حتى باربي، الدمية الشقراء المفضلة للبنات، قررت أن تشارك في مهرجان «كان» بحلة جديدة تتألف من تنويعات على فستان أسود ضيق وقصير من النوع الذي تحرص على ارتدائه الممثلات الأنيقات في حفلات «الكوكتيل». وطرحت شركة «ماتيل» 21 دمية جديدة لهواة جمع اللعب، وجرى تصوير كل باربي منها في أجواء مستوحاة من المهرجان.