التركي حياتي توسونر.. ينقل فن الرسم على الماء إلى مصر

نشأ في التكايا ولتزيين المصحف الشريف

الفنان التركي أثناء انهماكه في لوحاته ذات النفحات الصوفية
TT

مثل دراويش المولوية التركية، يرسم الفنان التركي حياتي توسونر على الماء، في حركات أشبه بالرقص الدائري الصوفي ابتهالا لله وعظمته مذكرا نفسه بمدى هوان الإنسان أمام إبداع الخالق المصور.

حياتي توسونر أستاذ فن الإبرو، عاشق للرسم على الماء، جاء من تركيا ليقيم في مصر ويأخذ على عاتقه نشر فن الإبرو وتعليمه للمصريين، ورسالته كـ«إبروزن» أو كصانع الإبرو، تساعده فيها زوجته وفتاته الصغيرة، لنشر فن الرسم على الماء الذي يتحلى بالطابع العثماني.

يجلس حياتي توسونر أمام حوض من الماء ومعه مجموعة أدوات وبهدوء واتزان يقيم طقوسه اللازمة للمساته الفنية الرائعة، يخلط مادة صمغية يطلق عليها «كتره» ويأخذ بفرشاته لينثر بقعا دائرية أو أشكالا بيضاوية على سطح الماء في الحوض المربع، ثم يبدأ في تحريك تلك البقع ويضع عليها ورقة تمتص الصبغات ليخرجها بعد ذلك وتظهر تكوينات وأشكال رائعة وتختفي تماما من سطح الماء فيقف أمامها الناظر مشدوها بسحرها الذي يكشف عن ثراء الفن التركي العثماني بأبعاده الصوفية والروحية والفلسفية.

يقول حياتي لـ«الشرق الأوسط» كلمة الإبرو هي كلمة فارسية وتعني غيوم وسحاب وحاجب العين، وماء الوجه، وهو يستخدم لتزيين الورق وتغليف الكتب، لأن الكتاب في القديم كان قيما وثمينا جدا. والإبرو فن من الفنون التي تحتاج إلى الصبر فيجب أن يقوم «الإبروزن» بخلط المياه بمادة «كتره» أو «الكيراجين» وهي الأحدث، حتى تصبح كالمستحلب وينتظر يوما كاملا حتى تصلح للاستخدام، ويستخدم الفنان الألوان الطبيعية من حجر أو تراب، بعدها يستخدم مادة لها رائحة قبيحة ونفاذة، لكن الفنان عليه التحمل ليحصل على نتيجة جميلة.

يعاني حياتي توسونر أحيانا من تهكم بعض الجمهور الذين قد يعتبرونه ساحرا أو من شقاوة بعض الأطفال، إلا أنه يتحلى بالصبر ملتمسا لهم العذر فهم لا يعرفون قيمة ذلك الفن، أو لم يسمعوا به من قبل، ولا يبخل أبدا بإحدى لوحاته لطفل أعجبته لوحة لكن لضيق ذات يد والديه فلا يستطيع الحصول عليها، وهو أمر لا يقوى على تحمله، فيهدي له اللوحة وعليها توقيعه.

وبسؤاله حول متطلبات الفن، وهل من الضروري وجود موهبة في الرسم لممارسة فن الإبرو، نفى قائلا «لا، ليس بالضرورة، وإنما الأساس هو التعليم، لكن معدل الموهبة قليل جدا 50 في المائة تعلم، و20 في المائة موهبة، والباقي قدر!! لأني لا أستطيع التحكم في العوامل الخارجية مثل الحرارة والأتربة وسقوط الغبار على الماء. ولكن إذا سقط بشكل مناسب ومتجانس يفقد العمل. فنحن نجاري كل الظروف الصعبة سواء حرارة وطقسا أو أفكارا دينية». ويضحك قائلا: «أحيانا أرسم حيوان فيقول لي رجال الدين هذا ليس جيدا، أستاذ!!». ويضيف: «لا يوجد انتشار لهذا الفن في العالم العربي، لكنه قد يكون موجودا في الغرب أحيانا بعد انتقاله من تركيا ويسمى (بارا تركي) ولكنهم مختلف بعض الشيء».

وحول هذا الفن النادر، يتابع: «هو فن تركي إسلامي لأنه 90 في المائة يقدم في تركيا و10 في المائة في العالم لكن جاء فن الإبرو من آسيا الوسطى، وهي موطنه الأصلي ولكن بعد الهجرة إلى هضبة الأناضول جاءوا بهذا الفن، بإعانة الصوفيين، مما ساهم في اهتمام الأتراك بفن الإبرو، لقد خرج فن الإبرو من رحم التكية الأزبكية في منطقة أسكدار بإسطنبول، فكان المعلم والأستاذ الكبير يخرج من تكية، فمنشأ فن الإبرو في التكايا، وذاع صيته في تزيين المصاحف مما ساهم في انتشار هذا الفن، حتى إن الخطاطين الأتراك نالوا شهرتهم بسبب كتابة القرآن».

ويشدد حياتي قائلا: «أنا لست صوفيا فأنا لا أقبل كل الأفكار الصوفية وإنما أقبل بعضها، وأعتبر نفسي واقعيا بدرجة كبيرة، فقد كانت دراستي الجامعية في كلية تدرس أصول الدين وفي نفس الكلية درسنا فن الخط والموسيقى وهو ما أفادني».

ويرى الفنان التركي أن المشكلة في العالم الإسلامي تكمن في أن هناك مسافة بين المسلمين والفن، ويتنهد قائلا: «الفن هو الجمال، والله جميل يحب الجمال، وكل فن يؤدي إلى الله، فأنا أعمل في الفن ولكني أشعر بأنني ضئيل جدا وضعيف أمام صنع الله، وأشعر بالحزن العميق حينما أرى الناس لا يهتمون بالفن، لذا أريد أن أنشر هذا الفن لأنه فن يجعلنا نتفكر في خلق الله، ورغم أنني أمارس فن الإبرو منذ زمن طويل، لكني أعتبر نفسي طالبا في فن الإبرو والتعليم فيه لا ينتهي».

ويؤكد حياتي أن فن الإبرو يعبر عن مبادئ الحضارة والثقافة الإسلامية، وكل فنان فيه له رسالة تختلف من شخص لآخر حسب تصوره الشخصي، فهو فن ذاتي يقوم على غوص الفنان في عالمه الداخلي. ويسترسل بشكل حالم يحفه الأمل، قائلا: «جئت إلى مصر لتوطين فن الإبرو فيها، ولتعليم أسرتي فيها، وأعتقد أنني يمكن أن أنجح خصوصا مع الأطفال، فزوجتي وابنتي أيضا بارعتان في الإبرو، أقيم في القاهرة وأعمل مع القنصلية التركية وسأزور كليات الفنون لإعطاء دورات تدريبية، كما أدرس في بعض المراكز وأعطي بعض الدروس الخاصة بمقابل مادي بسيط. ويستغرق تعلمه نحو 8 أشهر. وعموما فن الإبرو ليس مكلفا فنحو 200 دولار تكفي للسنة، وهو يعتبر أرخص فن بالنسبة للمصاريف، وعلى الرغم من ذلك فلا يلقى الاهتمام الكافي».

وبسؤاله حول لماذا لم ينتشر فن الإبرو في مصر إذن رغم التقارب الحضاري والإنساني بين المصريين والأتراك ووجود مصر تحت مظلة الدولة العثمانية لفترة طويلة؟، فرد في حيرة من أمره: «لا أعرف حقيقة السر وراء ذلك، وإنما حاليا الفرصة موجودة لكي ينتشر من خلالي أنا وأسرتي».

وحول ما أعجبه من فنون في مصر أشار الفنان التركي إلى الخط العربي والزخارف الإسلامية التي تزخر بها الآثار والنحت والمعمار المصري في المساجد والكنائس، والموسيقى المصرية التي تزخر بمقامات تركية، فأنا أشعر أنني من مصر لأن التراث واحد.