«شانيل» تعيد رسم خريطة سانت تروبيز

بتشكيلة حيوية ولمسة حنين للسبعينات

من عرض أزياء «شانيل» بسانت تروبيز (إ.ب.أ)
TT

إنه الصيف، موعد تشكيلات الـ«كروز» التي تعد بعودة إلى الترف وأجواء البحر واليخوت والمنتجعات السياحية المرفهة. الموسم استهلته دار «شانيل» هذا الأسبوع في سانت تروبيز، جنوب فرنسا، بتشكيلة تلتفت إلى حقبة السبعينات في حنين واضح إليها. على نغمات أغنية شهيرة لفريق الرولينغ ستونز بعنوان «لنقضي الليلة معا» (ليتاس سباند ذي نايت توغيذر)، توالت أزياء وإكسسوارات تنبض بروح السبعينات وأجواء المدينة في أيام العز والشباب، على الأقل شباب كارل لاغرفيلد، الذي عايش هذه الحقبة وشرب من ملذاتها. فساتين طويلة، قفاطين منسابة، تنورات طويلة بفتحات أطول، مايوهات بكل الألوان والنقوشات وبنطلونات واسعة مع «تي - شيرتات» مقلمة اختلطت مع إكسسوارات مبتكرة بعضها على شكل حقائب صغيرة الحجم أو قبعات كبيرة، وبعضها على شكل قلادات يمكن أن تتحول إلى أحزمة، وإن كان اللافت هو الخلاخل التي زينت الأقدام. الفكرة من هذه الأخيرة كانت تأكيد روح الانطلاق التي تشبعت بها التشكيلة، لكنه أيضا إبراز هذا الإكسسوار ودفعه إلى الواجهة، وهو التقليد الذي يعتمده لاغرفيلد منذ فترة. ففي الموسم الماضي أطلق لنا «التاتوهات» اللاصقة، وقبله كانت الجوارب المزدوجة بين السميك والشفاف وهكذا. ولأنه مطالب باحترام روح الدار وأسلوب مؤسستها، فقد كانت هنا أيضا قطع من الجيرسيه على شكل بنطلونات واسعة، وأخرى من التويد الخفيف على شكل جاكيت ناعم أو تنورة قصيرة، إلى جانب اللونين الأبيض والأسود، اللذين شكلا تغييرا كلاسيكيا من ألوان الباستيل والمطبوعات المطرزة بالورود والتنورات الطويلة المستوحاة من ملابس الغجر.

الزمن لم يكن وحده المؤثر على هذه التشكيلة، فالمكان أيضا كان له دور مهم. فسانت تروبيز لا تبعد عن مدينة «كان» التي افتتحت مهرجانها السينمائي هذا الأسبوع، وبالتالي كانت السينما على بال كارل لاغرفيلد، الذي صمم مكان العرض وكأنه استوديو لتسجيل فيلم حي، فقد جاء على شكل شارع يتوسطه مقهى وهمي وتتراص عليه محلات حلويات وبوظة، بينما كانت الكراسي التي جلس عليها الحضور مستوحاة من تلك التي يجلس عليها مخرجو الأفلام. أما الممر الذي ابتدعه لكي تمشي عليه العارضات، فكان على خلفية الكورنيش، وبالتالي كن يظهرن عليه وكأنهن خارجات لتوهن من البحر أو متوجهات إليه وهن حافيات يحملن صنادل خفيفة في أيديهن. صورة لا شك استلهمها من حقبة السبعينات، التي شهدت فيها سانت تروبيز أوجها مع النجمة الفرنسية بريجيت باردو، إحدى عاشقات هذه المدينة، الأمر الذي انعكس أيضا على تسريحات الشعر المتماوجة أو القبعات والنظارات الشمسية. للأسف فقدت سانت تروبيز الكثير من بريقها في التسعينات لصالح «كان» وأماكن أخرى، لكنها بدأت تستعيده بالتدريج منذ بداية العقد الحالي، مما شجع لاغرفيلد أن يعطيها دفعة جديدة من باب حبه وولائه لها.

فالجدير بالذكر هنا أن اختياره لها لم يكن وليد الصدفة أو رغبة منه في منافسة مهرجان «كان» السينمائي، بل وليد علاقة وطيدة، تمتد إلى أربعة عقود. فهو يقضي شهر أغسطس (آب) من كل عام تقريبا، في فيلته الواقعة في راماتويل بالقرب منها، وبالتالي عايش المنطقة في عزها، كما في فترة التسعينات عندما انحسرت عنها الأضواء، ثم عندما استرجعتها في بداية العقد. مثل باريس أصبحت تمثل جزءا من حياته، لهذا عندما أعلن أنه كان يريد من هذه التشكيلة أن تجسد فكرة وروح سانت تروبيز، لم يكن الأمر تحديا بالنسبة إليه بقدر ما كان متعة، بدءا من الألوان التي اختارها بدرجات تعانق خيوط الشمس ولازوردية المياه، إلى التصميمات التي استوحاها من تلك التي ظهرت بها بريجيت باردو في فيلمها الشهير «وخلق الله المرأة» أو الأقمشة التي تباينت بين الشيفون والتويد الخفيف. وفي لقاء له مع مجلة «دبليو دبليو دي» وصف المصمم سانت تروبيز بأنها مدينة يكتنفها الكثير من السحر، وأضاف أنها «سهلة وطبيعية»، بمعنى أنها لا تتطلب ملابس معقدة ولا تحتاج إلى الكثير من البريق والتطريزات والاستعراض. لكن على الرغم من افتقادها إلى البريق والترصيعات، فإنها لا تفتقد إلى الأناقة التي تجعلها ملائمة للمساء والسهرة، بل بالعكس يمكن أن تأخذ المرأة من نزهة على البحر إلى مطعم أو سهرة على يخت راس على شواطئها، بكل أناقة وسهولة. أما عرضه لـ«شانيل» فسيبقى بالنسبة إلى السكان، من الأحداث المهمة والأكثر تألقا منذ عام 1972، حين عقد مايك جاغر، مغني فريق الرولينغ ستون، زواجه على بيانكا جاغر، في لقطة أصبحت أيقونية، ارتدت فيها هذه الأخيرة تايورا باللون الأبيض عوضا عن فستان، وقبعة عوضا عن طرحة، وكأنها تتمرد على المتعارف عليه. هذا التمرد التقطه كارل لاغرفيلد وترجمه إلى حالة من الانطلاق والحرية. الطريف أيضا أنه لم يغفل أن يكون اسم جاغر حاضرا في هذا العرض بعد مرور كل هذه السنوات، من خلال شخص ابنته جورجيا ماي، البالغة من العمر 18 عاما، التي استعان بها كعارضة، وجاء ماكياجها تجسيدا لصورة بريجيت باردو شابة، قبل أن تغزو وجهها طيات من التجاعيد.

المتعارف عليه أن تشكيلات الـ«كروز» ستتوالى هذا الشهر من مختلف بيوت الأزياء والمصممين، الذين سيأخذوننا كل مرة إلى مكان مختلف. فهذه التشكيلات، إلى جانب تلك التي تسبق الخريف (بري فول)، أصبحت تجسد منفذا تجاريا لا يستهان بأهميته، وبخاصة في الأسواق النامية المتعطشة إلى كل ما يطرحونه من جديد. فهي، من الناحية التجارية، سهلة التسويق بغض النظر عن تغير أحوال الطقس وتداخل الفصول، لأن الكثير من الزبائن يرحبون بتوافر أزياء الربيع في وقت مبكر من العام، كذلك المحلات التي تريد طرحها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، نتيجة دراسة لنفسيات الزبونات المواكبات للموضة. فهؤلاء يبدأن في شراء أزياء الخريف والشتاء في عز الصيف حتى يكن من الأوائل اللواتي يحصلن عليها والظهور بها. فليس هناك أسوأ على نفس المرأة من شراء قطعة تكون قد وصلت إلى غيرها قبلها. وأكبر دليل على هذا أن تشكيلة ما قبل الخريف «بري فول» التي طرحتها «شانيل» في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي وأخذتنا إلى أجواء شنغهاي، متوافرة في الأسواق حاليا وتعرف إقبالا عليها.