افتتاح جامع السلطان توران شاه بعد أعمال ترميم استمرت 15 عاما

الخديوي إسماعيل نفى ناظر الوقف بسبب سرقة منبره

مسجد توران شاه بعد الترميم («الشرق الأوسط»)
TT

رغم كونه واحدا من أكثر المساجد الأيوبية جمالا، فإن سنوات الإهمال التي عانى منها مسجد السلطان توران شاه جعلته ينزوي في ذاكرة أهل حي عابدين بالقاهرة، ولم يعد من السهل عليهم إرشادك إلى هذه التحفة المعمارية التي تميز حيهم وأصبح معروفا لدى بعضهم بـ«الجامع اللي بترممه الحكومة»، فقد بدأت عمليات إحيائه وترميمه منذ منتصف التسعينات أي قبل خمسة عشر عاما، لكنها انتهت مؤخرا ليعود المسجد إلى سابق عهده.

ويؤكد الدكتور زاهي حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، لـ«الشرق الأوسط» أن «ترميم المسجد جاء بعد أن واجه كثيرا من التحديات أبرزها الزلزال الذي ضرب مصر في أكتوبر 1992، وتأثرت به كثير من آثار القاهرة الإسلامية، إلى غيرها من التداعيات السكنية والتجارية والرسمية، التي جعلت هذه المواقع التاريخية في حالة يرثى لها».

وأشار حواس إلى أن إعادة مثل هذه المباني إلى حالتها الأصلية سواء المعمارية أو الدينية النفيسة كان أمرا صعبا للغاية، إلى أن نجح في هذا فريق الترميم الذي عمل على إعادة هذا المبنى إلى ما كان عليه، قبل مئات السنين، «وهو ما كان يستلزم إجراء عمليات ترميم دقيقة ومعمارية، وهي كثيرا ما تكون مجهدة للغاية وتتطلب الاستعانة بخبراء ومتخصصين والعودة إلى المراجع التاريخية لتكون الصيانة على نحو ما كانت عليه هذه الصروح وقت إنشائها».

وأضاف حواس أن أعمال الترميمات التي جرت بالمسجد مؤخرا تمت بأيد مصرية خالصة، ومن دون الاستعانة بشركات مقاولات من الخارج، وهو ما وفر ملايين الجنيهات».

ويلمس الزائر عبق التاريخ وعبقرية الفنان المسلم، وأهمية ما أبدعه، مما أضفى على الجامع تميزا وتألقا، يتجلى في الزخارف والنقوش، فضلا عن الحوائط والأخشاب والجدران.

ويلاحظ الزائر في مكتبة الجامع مطويات لوزارة الثقافة المصرية تؤرخ لإنشائه وعمارته. وتذكر أن المسجد قام ببنائه السلطان توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب، الذي اعتلى عرش مصر بعد موت أبيه مدة أربعة أشهر ونصف الشهر أثناء حصار «الفرنجة» للمنصورة، حتى أخفت زوجة الملك الصالح «شجرة الدر» موته خوفا على معنويات الجنود الذين بايعوا ابنه توران شاه في غيبته، وظلت شجرة الدر تدبر أمور البلاد إلى أن وصل توران شاه من حصن كيفا إلى المنصورة، حيث كان نائبا لأبيه الملك الصالح على الحصن، ونصر الله الإسلام على يديه.

والمسجد أنشئ عام 1365 على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، وقام السلطان قايتباي بتوسعته عام 1475 بإنشاء منبر خشبي له، هذا المنبر باعه ناظر الوقف في عصر الخديوي إسماعيل لأحد الأجانب الذي هربه خارج مصر.

وعندما علم الخديوي إسماعيل بهذه الجريمة، أمر بنفي هذا الناظر، وإصلاح وتجديد واجهة المسجد، وإقامة منبر جديد له على يمين المحراب من الخشب المزدان بأشكال هندسية مطعمة بالعاج.

ويتكون مبنى المسجد من صحن مكشوف كبير تحيط به أربعة إيوانات معقودة الفتحات. ويتميز محراب إيوان القبلة عن نظرائه في المساجد الأخرى بعدم وجود دعامة أو «وزرة رخامية»، ورغم أن منبره فقد الجزء العلوي منه إلا أنه يعد من المنابر الخشبية الدقيقة الصنع، وكتب بأعلى بابه تاريخ إنشائه.

وللمسجد مئذنة حجرية فوق المدخل الرئيسي، وهي ذات قاعدة مستطيلة، يعلوها طابق المئذنة الأول المربع الشكل الذي ينتهي بمقرنصات (فضاءات مخروطية الشكل) تحمل شرفة حجرية ذات زخارف نباتية، ويليه طابقان بهما شرفتان متشابهتان بحيث تنتهي المئذنة برقبة مخروطية يتوجها هلال معدني.

ويتمتع الجامع بأربع واجهات، وتعد الواجهة الجنوبية الغربية هي الرئيسية حيث يوجد بها المدخل الرئيسي، بينما تعتبر الواجهات الأخرى فرعية.

ومن جانبه، قال اللواء علي هلال، رئيس قطاع المشروعات بالمجلس لـ«الشرق الأوسط»: «إن عمليات الترميم شملت تدعيم الأساسات، وإعادة بناء الحائط الجيري للمسجد والأعمدة، وإنشاء سقف خشبي له، وتغيير بلاط أرضيات المسجد، ثم تجديد أعمال النجارة للأبواب والشبابيك، وترميم المنبر الخشبي، وتنفيذ أعمال كهرباء، وتهيئة موقع المسجد خارجه.

مشروع الصيانة للمسجد - حسب اللواء هلال - تضمن تخفيض منسوب المياه الجوفية، وتدعيم أساسات المباني باستخدام أسلوب حقن التربة، وترميم الحوائط الخارجية والداخلية للمواقع، وتصحيح وضع الأعمدة الرخامية المائلة، وإصلاح أسقف المباني.

كما تضمن المشروع طلاء وعزل وتغيير بلاط الأرضيات، وترميم العناصر الخشبية كالأبواب والشبابيك، والترميم الدقيق للزخارف الموجودة بها وإجراء تهيئة وتنسيق للموقع العام، الكائنة فيه هذه المنشآت.