الطاهر بن جلون عن رشيدة داتي: «مثلت دورا في مسرحية لم تكتب لها»

تعرف عليها بعد أن ساعدته في تعقب رجل احتال عليه.. ووجدها شخصية روائية

رشيدة داتي مع طفلتها على غلاف «باري ماتش»
TT

بطلب من مجلة «باري ماتش» الباريسية، رسم الكاتب المغربي الطاهر بن جلون صورة قلمية لرشيدة داتي، وزيرة العدل الفرنسية السابقة المولودة لأب هاجر من المغرب، مثله. والتقى الروائي الحاصل على جائزة «غونكور» الأدبية الرفيعة، داتي، بعد فترة من الغياب، ووجدها «قد نحفت ولم يترك الحمل والولادة أثرا على جسدها»، واستمع إليها، وسجل بعض الملاحظات تمهيدا لكتابة المقال المطلوب، الذي نشرته المجلة في عددها الأخير.

احتلت غلاف المجلة صورة لداتي وهي تلاعب طفلتها زهرة التي تبلغ من العمر سنة وخمسة أشهر في حديقة. وكان الموضوع الرئيسي عن الحياة الجديدة لها بعد تنحيتها عن الوزارة، وعملها الحالي كنائبة في البرلمان الأوروبي، وعمدة للدائرة السابعة من باريس. ونظرا لميل المشاهير إلى حماية أبنائهم من الأضواء وملاحقة المصورين، تعمدت داتي أن تغطي وجه زهرة بخصل من الشعر تنسدل على عينيها، في محاولة لتمويه ملامحها. ومن الواضح أن الملف الذي أفردته المجلة الواسعة الانتشار لرشيدة داتي، يأتي في سياق معركة الأخيرة للبقاء في دائرة الاهتمام. وقد عمدت رشيدة داتي في حديثها مع بن جلون إلى كيل الثناء للرئيس ساركوزي، والتأكيد على عمق الصداقة التي تجمعهما، واصفة إياه بالرجل الإنساني بعمق. لكن بن جلون كتب أنه لا يستطيع أن يفهم كيف يمكن للمرء أن يكون إنسانيا في السياسة.

ومن الواضح أن وزيرة العدل السابقة تتبع استراتيجية التهدئة، على أمل أن تنتهي فترة الجفوة الحالية بينها وبين ساركوزي. وقد سبق لداتي، التي نشأت في وسط متواضع، وبلغت - بدأب استثنائي - أعلى المناصب، أن قالت في برنامج تلفزيوني بثته القناة الفرنسية الثالثة: «يخطئ من يظن أن من السهل التخلص» من ماضيه. وينقل بن جلون عن رشيدة أن المهن التي مارستها كانت كلها مهنا ذات نفوذ. لكن ينبغي عدم الوقوع في الخطأ، والتصور أن الأنوثة تقتصر على الغواية والهشاشة؛ فهي تقول: «لست غاوية ولا هشة، بل تعلمت مبكرا، من والدتي، ألا أتراجع وأن أمضي حتى النهاية في قناعاتي وأحلامي».

يكتب الروائي المقيم ما بين طنجة وباريس أنه تعرف على رشيدة داتي في عقد التسعينات من القرن الفائت، بسبب رجل أعمال مغربي مزيف كان يستغل جاذبيته في الاحتيال على الناس، وأوقع الكثيرين في شباكه. لكن داتي سرعان ما كشفته، وساعدت بن جلون في تعقب آثاره. وهو يذكر هذه الواقعة ليقول: إنها تمتلك حس الصداقة، وإن أبرز صفاتها الذكاء.

ولما أصبحت وزيرة كلمها في الهاتف، لكنهما لم يلتقيا بسبب مشاغل كل منهما، ولأنه اعتاد أن يأخذ مسافة من الأصدقاء الذين يصبحون في السلطة. وهو يحاول أن يقارن بين داتي التي عرفها من قبل والمرأة التي عركتها التجارب والمعارك، وواجهت الهجوم من جهات كثيرة، وصدرت عنها كتب مليئة بالحقد، ويقول: «إنها باتت نموذجا ورمزا، ولم يكن من السهل تقبل تحولها إلى رمز، فحاولوا التركيز على الغلاف وأهملوا الروح. لقد مثلت دورا في مسرحية لم تكتب لها». بعد لقائها بن جلون، سافرت داتي إلى بروكسل، ثم طارت إلى نيويورك لتبقى يومين، ثم عادت لترافق 25 شابا من أبناء الضواحي إلى مدريد لحضور مباراة في كرة القدم لنادي «ريال مدريد». ويتساءل الكاتب: «كيف تصمد هذه المرأة أمام فوارق التوقيت بين المدن؟». ويختتم مقاله عنها بأنها تصلح شخصية روائية تربك كاتبها بفعل حيويتها وتعدد وجوهها، وهي على الأرجح المرأة الأكثر سرية، رغم تعرضها الدائم للأضواء.