زمن المونديال يجتاح لبنان

أعلامه تحول الشرفات إلى «سفارات مؤقتة» للدول المشاركة

أعلام الدول المشاركة في كأس العالم تغزو الشارع اللبناني
TT

يقول أبو حسن، وهو صاحب بسطة لبيع الأعلام، عند تقاطع للطرق في بيروت إن «ثمن العلم البرازيلي هو الأغلى، لأن الإقبال عليه هو الأعلى. وكله عرض وطلب». ذلك أن «زمن المونديال» طغى على أي مشهد آخر في كل لبنان. وغلبت أعلام الدول المشاركة التي ترفرف في كل مكان، على صور المرشحين للانتخابات البلدية وشعاراتهم. تبقى الأعلام الصغيرة هي الأكثر شيوعا، وتستخدم للسيارات تحديدا. ويختلف الثمن باختلاف الإقبال على التأييد، لذا تحتل البرازيل المرتبة الأولى بيعا والأغلى ثمنا، لأن المزاج اللبناني لا يزال برازيليا بامتياز، تليه إيطاليا وألمانيا، ومن ثم تتقارب نسب الإقبال بين فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والأرجنتين، ليصبح تصنيف باقي الدول المشاركة في أسفل القائمة وبدرجات متفاوتة وغير ملحوظة.

وتخصص الأعلام متوسطة الحجم والكبيرة لشرفات المنازل التي تحولت إلى «سفارات مؤقتة» للدول المشاركة، لا سيما إذا ما ارتأى متحمس «متطرف» فرد علم الفريق الذي يؤيده على طول المبنى ليخطف الأنظار، بحيث يحسب العابر بعض الأحياء في بيروت أنه في منطقة «دبلوماسية» بامتياز، لكثرة الرايات العالمية المرفرفة فوق رأسه.

وبيع الأعلام لا يقتصر على «البسطات» عند جوانب الطرق، فهذه السلعة الموسمية شكلت مصدر رزق لباعة الهدايا والمكتبات وحتى دكاكين السمانة. ويقول صاحب دكان البقالة أبو عمر: «هذا الموسم هو الأفضل، فالبيع كثير والرزق وفير. والفضل لله سبحانه وتعالى ثم للمونديال. كما أن بيع أعلام الدول المشاركة في المونديال 2010 يشتريها الجميع، في حين أن أعلام الأحزاب اللبنانية يباع كل منها لفئة بعينها».

ويوضح أنه يعرف جنسية الأجنبي عندما يتوقف لشراء علم بلاده، يقول: «الإيطاليون يشكلون الفئة الأكبر من هؤلاء، وهم متعصبون لفريقهم، ويؤكدون أنه سيحمل كأس المونديال هذا العام، ويليهم الفرنسيون ثم الألمان والإنجليز». حتى علم اليابان وجد طريقه إلى الساحة اللبنانية، حضوره مهذب، كما الشعب الياباني، فهو يتوارى خلف الألوان الصارخة لعلمي البرازيل وألمانيا. أما زبائنه فهم من اليابانيين العاملين في لبنان.

بالطبع هذه الأعلام مستوردة من الصين، وقد بدأت تصل إلى التجار تدريجيا منذ الأول من أبريل (نيسان) الماضي. وسرعان ما نشطت وتيرة بيعها على أن تصل إلى الذروة مع افتتاح المونديال في الحادي عشر من يونيو (حزيران) المقبل، لتغيب أعلام مع تقلص عدد الدول المشاركة وفق التصفيات وموازين الربح والخسارة، بحيث تبقى الغلبة لأربعة أعلام، ومن ثم لعلمين مع حلول الحادي عشر من شهر يوليو (تموز) المقبل.

وتداعيات المونديال لم تقتصر على الأعلام، لتصل إلى المدارس والجامعات، فقد لحظ عدد من المدارس الثانوية والجامعات الخاصة هذه المناسبة وسارع القيمون فيها على الإسراع في إجراء الامتحانات قبل وصول التصفيات إلى ذروتها، حتى لا يتشتت الطلاب بين الدرس ومتابعة المباريات، لا سيما أن هناك نسبة وإن لم تكن كبيرة، أعدت عدتها للسفر إلى جنوب أفريقيا وحضور هذا الحدث العالمي.

الطالب الجامعي سامر هو أحد هؤلاء، يقول إنه عمل صيفي 2008 و2009 ليحصل على مبلغ من المال يسمح له بالسفر والإقامة وحضور المباريات. لذا، أرجأ تقديم امتحانات بعض مواد دراسته إلى سبتمبر (أيلول).

ويقول الموظف في إحدى وكالات السفر إن «نسبة الإقبال على حجز بطاقات للسفر من بيروت إلى جوهانسبورغ ليست كبيرة، لكنها موجودة».

المنشورات المتعلقة بالمونديال موجودة وبشكل بارز على مكتب الموظف، مع دليل عن الفنادق ووسائل الحجز والمناطق السياحية. لكن الحالات الفردية للراغبين في هذه الرحلات لا تستوجب تنظيم رحلات جماعية من قبل الوكالات لهذه الغاية.

التشجيع على حضور المونديال كان أبرز من خلال الجوائز والعروض. فقد تلقى عدد كبير من اللبنانيين رسائل هاتفية من المصارف للإقبال على استخدام بطاقات السحب، مما يمنحهم فرصة حضور المونديال من خلال قرعة يحصل الفائز فيها مجانا على بطاقة السفر والإقامة في عاصمة جنوب أفريقيا. بيع أجهزة التلفزيون شهد بدوره انتعاشا خلال الفترة الحالية في لبنان مع رواج الأجهزة ذات التقنيات الحديثة والشاشات الكبيرة. فقد بادر البعض إلى شراء أجهزة بشاشات تتراوح بين 46 إنشا وما فوق، وغيّر ديكور صالون منزله ليتناسب مع كيفية الجلوس والمتابعة للمباريات، بحيث تحول المكان إلى قاعة كبيرة مع أثاث على الجانبين ومساحة واسعة وخالية ليرتاح النظر بمعزل عن ترتيب جلوس الحاضرين قبالة بعضهم بعضا ليتبادلوا أطراف الحديث، كما جرت العادة.

ويبقى استثنائيا اهتمام المطاعم والملاهي بهذا الحدث الذي يتكرر كل أربع سنوات. هنا يبدأ الكلام عن شاشات ضخمة أو قاعات سينما مصغرة بعد تجهيز جدار في جانب من المكان ليتم عكس مجريات المباريات عليه، مع ما يستلزم الأمر من ديكورات مميزة لهذه الغاية، بالإضافة إلى ترتيب الحجز المسبق حتى لا تعم الفوضى. والأهم حرص إدارات هذه الأمكنة على التزام «الحياد الرياضي» بغية جذب أكبر عدد من الرواد، لذا تسود أعلام الدول المشاركة كلها بإنصاف من حيث الحجم. لكن تبقى بعض «الحزبيات» لفريق ما هي السمة السائدة، فجمهور البرازيل المتعصب لفريقه الذي «يقدم دائما مفاجئات تقود إلى الكأس»، يفضل عدم وجود مشجعي فرق «معادية» حيث يكون، وذلك تجنبا للاحتكاك والتلاسن، مما يشوه متعة المتابعة. أما الجمهور الأرجنتيني، فيعتبر نفسه منافسا لذوي الهوى البرازيلي، ويتفاخر بأنه من محبي مارادونا.

والجمهور الفرنسي «المثقف» فرانكوفونيا، ويضم عددا كبيرا من الذين درسوا في جامعات فرنسا، ينأى قدر المستطاع عن الجمهور الإنجليزي ويتهمه ضمنا بالعنف في رد فعله، مستشهدا بأحداث شهدتها الملاعب الإنجليزية. الجمهور الإيطالي له خصوصيته، فغالبيته من الجنس اللطيف، والسبب وسامة اللاعبين الإيطاليين بشكل خاص. وهذا الأمر يستخدمه من يريد أن يعيّر مشجعي الفريق الإيطالي ويثير حفيظتهم.

أما الجمهور الألماني فيعتبر أن مقامه لا يسمح له بمقارنة فريقه المفضل مع أي فريق آخر، بمعزل عن النتائج، لأن المدرسة الألمانية لها أسلوبها وتقنياتها الراقية غير الشعبية في هذه اللعبة الشعبية. وتبقى نظرية المؤامرة قائمة على الطريقة اللبنانية، تبرز عند خسارة فريق ما، حينها يسارع مشجعوه إلى اتهام الحكم بأنه متورط أو متحيز.