سيدي العربي الشرقاوي يغزو لوس أنجليس بإبداعه الجديد

رقص الباليه يصور حركات الجزء الأيسر من الدماغ

سيدي العربي الشرقاوي في أحد عروضه (أ.ب)
TT

كنا نعتقد أن قصص رقص الباليه الكلاسيكي ترتبط بحكايات الحسناء النائمة وكسارة البندق التي تتحول إلى شخصية الأمير الوسيم. لكن الباليه المعاصر، حسب مصمم الباليه والراقص المبدع المغربي البلجيكي سيدي العربي الشرقاوي، يمكن أن يصور حركات الدماغ بعد السكتة الدماغية! شهدت جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس منذ أيام عرضا موسيقيا راقصا مبتكرا مع فرقة باليه معاصرة تدعى «بحيرة شجرة الأرزة» خطف الأضواء من فضائح المشاهير في مدينة السينما العالمية التي يتم بثها عن طريق ما يسمونه «وزارة الثرثرة»، حول نجم التلفزيون العجوز لاري كينغ وطلاقه من زوجته السابعة، أو كيف مات كلب نجم السينما جون ترافولتا.

الراقص الأول المنحدر من أب مغربي وأم بلجيكية غير معروف في مدينة الملائكة، لكنه نجم راسخ القدم في أوروبا، فقد ولد سيدي العربي الشرقاوي في مدينة أنتويرب عام 1976، وتابع دراسة القرآن واللغة العربية في الليل بعد انتهاء حصص دراسته الثانوية في بلجيكا، وبدأ ممارسة رقص الباليه وعمره 15 عاما، ومنذ عام 1999 أنتج 15 عملا جديدا مبتكرا حول عدة مواضيع فنية وروحانية وسياسية محا فيها الحدود بين الرقص والموسيقى والمسرح. رأيناه قبل ثلاث سنوات في باليه «أسطورة» مقتبسا الموسيقى الإيطالية والإسبانية القديمة من القرون الوسطى، ثم تابعناه مجددا في روما قبل بضعة أشهر في عرض البدو يرقصون الباليه، حيث مزج فن الغرب والشرق معا في صحراء ذات فضاء متسع، انتقل بعدها إلى نيويورك ليعاود عمله مع فرقة باليه الأرزة ويطوف بها بين الساحل الشرقي والغربي للولايات المتحدة، عارضا بجسمه المطاطي العوالم المتنافرة والأساليب المختلفة والشخصيات المتباينة.

العرض الجديد في لوس أنجليس عنوانه «العالم الجديد»، مأخوذ من إشارة للمؤرخ الإسباني بيترو مارتيريه دانغييرا عام 1493 حول شمال أميركا، لكن «العالم الجديد» للعربي الشرقاوي يحكي قصة العقل الإنساني والنظريات الحديثة حول وظائف المخ وانقسامه إلى جزءين: العقلاني وهو الجزء الأيسر، والحدسي الجنسي وهو الأيمن. والرقصات التي صممها وشارك فيها تكشف التوازن ثم عدم الاستقرار بين الجزءين، فترى ذلك الصراع أمامك ممثلا في حركات الرقص، وهي تعبر ضمنا عن صيغة التعادل بين الوحدة والمجتمع، وبين التحكم والسيطرة مقابل الانفلات والفوضى. رأينا لمدة ساعة وربع 17 راقصا يجسدون هذه الأفكار المبنية على كتاب لعالمة تشريح الأعصاب في جامعة هارفارد جيل بولت تايلور عنوانه «سكتة التبصر». بعض المتفرجين من طلاب الجامعة كانوا يتساءلون كيف تمكن العربي الشرقاوي من سبر أغوار العقل الإنساني وعبر عن نفسه بحركات جسمه ناقلا فكرته أن «الأرواح كلها من عشيرة واحدة وأصل واحد، لا يتميز أحد منها عن الآخر». كتاب الأستاذة الباحثة تايلور الذي ألهم فكرة الباليه مبني على ما جرى لها فعلا عام 1996 حين أصيبت بسكتة في الجزء الأيسر من دماغها وعمرها لا يتجاوز 37 سنة، فقامت برصد تدهور دماغها خلال أربع ساعات حتى وصلت إلى درجة عدم تمكنها من المشي أو الكلام أو الكتابة، ويروي كتابها قصة عودتها من حافة الهاوية ومشاهداتها وانطباعاتها مستخدمة الجزء الأيمن من دماغها حتى شعرت بسلام داخلي عميق، وكيف استغرق شفاؤها وتصليح عقلها ثماني سنوات كاملة.

رحلة «العالم الجديد» إلى الدماغ كانت جريئة ومميزة، والراقصات كن كالأشباح في عالم يبتكره سيدي العربي الشرقاوي وتزينه أزياء أشرف على اختيارها رئيس الفرقة الراقصة بنوا سوان بوفير القادم من فرقة الباليه الأميركية. يحس المتفرج وكأنه انتقل إلى عالم الخيال، وحين يخرج بعد العرض إلى شوارع لوس أنجليس المزدحمة بالسيارات يشعر بالصدمة الواقعية خاصة حين تطالعه الصحف التافهة الحافلة بمجموعة أخبار لا تنتهي عن فضائح النجوم والمشاهير، وآخرها عنوان مثير حول ملكة جمال أميركا اللبنانية الأصل ريما فقيه يقول إنها «ملكة جمال حزب الله»!.