وفاة الاسكوتلندي جون شيبارد ـ بارون الذي غير حياتنا

بريطانيا تودع مخترع ماكينة سحب الأموال «إيه تي إم»

أول ماكينة لسحب الأموال وضعت في منطقة «إنفيلد» بشمال لندن وهي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا
TT

ودعت بريطانيا هذا الأسبوع الاسكوتلندي جون شيبارد - بارون مخترع ماكينة سحب الأموال «إيه تي إم ماشين»، عن عمر يناهز الـ84 عاما، بعد صراع قصير مع المرض، تاركا وراءه أكثر من مليون و700 ألف ماكينة حول العالم.

قصة اختراع ماكينة سحب الأموال طريفة. بدأت بعد أن تعذر على شيبارد - بارون سحب مبلغ من المال من المصرف الذي يودع فيه أمواله، فخطرت في باله فكرة وهو في المغطس في الحمام، بأن يطور ماكينة أشبه بماكينة الحصول على ألواح الشوكولاته التي تجدها في الأماكن العامة، وبدلا من وضع المال للحصول على شوكولاته، فكر بارون بأنه من الممكن وضع بطاقة تخولك الحصول على المال، وهكذا حصل، فطور فكرته. وأبصرت أول ماكينة لسحب الأموال النور في مصرف «باركليز» في وسط منطقة «إنفيلد» التجارية الواقعة إلى جنوب العاصمة البريطانية لندن في 27 يونيو (حزيران) عام 1967.

وبعد ذلك التاريخ كرت السبحة، وانتشرت الماكينات في اليابان وكل أنحاء العالم، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من طريقة تعامل الناس مع المال، واستطاع بارون من خلال تلك الماكينة توفير الوقت والجهد على العملاء أينما كانوا في العالم.

وكان لكارولاين زوجة بارون الفضل أيضا في تطوير الاختراع، فهي من كان وراء فكرة إدخال 4 أرقام سرية، أو ما يعرف اليوم «بين نامبر»، لأنها عارضت فكرة وضع 6 أرقام، معللة رفضها بأنه من الصعب على المرء تذكر كل تلك الأرقام.

لاقى الاختراع ردود فعل متباينة من قبل البنوك حول العالم، ففي الولايات المتحدة كان رد الفعل سلبيا في بادئ الأمر، واعتبر المصرفيون أن الفكرة ليست إلا مجرد بدعة أوروبية سرعان ما يخفت بريقها، لكن على الرغم من الاستقبال البارد للاختراع، تم استقبال أول ماكينة لسحب الأموال، ولاقت الفكرة رواجا فاق جميع التوقعات، وانتشرت الماكينات في زاوية كل شارع في كل مدينة.

اختراع شيبارد - بارون غير حياتنا جميعا، وغير مفهوم المعاملات المصرفية، وأصبحت ماكينة سحب الأموال من الأولويات في حياة الناس في جميع أنحاء العالم، ويقول أحد المسؤولين في شركة «لينك» المالكة لماكينات «إيه تي إم» أن هذا الاختراع تحول من مجرد فكرة مجنونة إلى جانب مهم في حياة كل إنسان.

وفي مقابلة أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية مع شيبارد - بارون عام 2007 بمناسبة الاحتفال بأربعين عاما على اختراعه للماكينة، قال هذا الأخير إن الفكرة كانت وليدة حاجته الماسة حينها لسحب مبلغ من المال، إلا أن ساعات عمل البنوك كانت محدودة، مما حال دون وصوله إلى البنك قبل موعد الإقفال. وتابع قائلا «ما دام يمكنك الحصول على لوح من الشوكولاته أينما أردت في الشارع، فلماذا لا تكون أمامك فرصة الحصول على مالك أينما أردت وساعة ما تشاء أيضا؟».

وقد تكون ردود الفعل السلبية على اختراع شيبارد - بارون للماكينة هي وليدة فشل اختراع سابق له، عندما قرر تطوير ماكينة تطلق أصواتا شبيهة بصوت الحيتان القاتلة هدفها تخويف تلك المخلوقات العملاقة، لكن تبين أن الماكينة تجذب الحيتان بدلا من إبعادها.

وعلى الرغم من إخفاق الاختراع الأول، فإنه لم يضطر شيبارد - بارون إلى العمل كثيرا على إقناع الرئيس التنفيذي لـ«باركليز» لتبني المشروع ووضع الاختراع حيز التجربة. وعند إطلاق أول ماكينة لسحب الأموال لم تكن البطاقات البلاستيكية متوافرة، فعمل المخترع على ما هو أشبه بالشيك المصرفي المخصب بالكربون 14 (مادة مشعة)، وهذا ما أثار حفيظة البعض ظنا منهم أنه من شأن تلك المادة التأثير السلبي على صحة المستخدمين، لكن شيبارد - بارون علق حينها بالقول «يتوجب عليك أكل 136 ألف شيك لتكون عرضة للخطر».

في بادئ الأمر كان من الممكن سحب مبلغ 10 جنيهات إسترلينية فقط، فوقتها كان هذا المبلغ كافيا لتمضية عطلة نهاية أسبوع جميلة، ورافق إطلاق أول ماكينة الكثير من المشكلات من بينها التعرض لأعمال تخريبية وفي زيوريخ لم تعمل الماكينات بصيغة طبيعية، وتبين بعدها أن السبب في هذه المشكلات يقف وراءه عطل في الأسلاك الكهربائية.

ومن أشهر أقوال شيبارد - بارون «المال يكلف المال لتوصيله»، مشيرا إلى أهمية إنجازه الذي غير حياة كثيرين، وفي مرة شاهد بها شيبارد - بارون مزارعا يركن عربة الحصاد جانبا ويتوجه بلباس العمل لسحب المال من ماكينة قريبة من قريته، فقال «هذا المشهد هو خير دليل لي بأننا غيرنا العالم». وتوقع المخترع في كل مرة تحدث فيها عن شبه انعدام التعامل بالأوراق النقدية في السنوات القليلة المقبلة، وتوقع أيضا أنه سيأتي اليوم الذي يتمكن فيه الزبون من الدفع عن طريق تمرير هاتفه الجوال في ماكينة صغيرة خاصة في المحلات التجارية.

يشار إلى أن جون شيبارد - بارون ولد في عام 1925 في الهند، لوالدين اسكوتلنديين، لكنه ترعرع في اسكوتلندا، ودرس في جامعتي أدنبرا وكامبردج، وعمل بعدها في محلات «دو لا رو» للقرطاسية.

أول ماكينة لسحب الأموال في منطقة «إنفيلد» لا تزال موجودة حتى يومنا الحالي، ووضعت عليها لوحة صغيرة تشير إلى مخترعها وتاريخ بدء العمل بها، إلا أن هناك نسبة قليلة من المارة الذين يقرأون اللوحة، ويعرفون قصة الماكينة، ولو أنها أصبحت من أهم إنجازات العصر وحاجة ماسة لا بد منها في أي مكان في العالم.

تطلق على الماكينة أسماء كثيرة، من بينها (ATM) وتعني (automated teller machine)، أو (automated transaction machine) ويطلق عليها اسم (cash machine) والاسم الشعبي لها هو «الحفرة في الحائط».