«ثقافة خالصة».. أكبر مهرجان ثقافي أوروبي في «مدينة الخيم»

أسبوع من المسرح والموسيقى والرقص والرسم في الهواء الطلق

المهرجان اجتذب المطاعم التركية واليونانية والعربية، وصارت الشاورمة التركية تباع إلى جانب الفلافل العربية («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر الألمان أول من استحدث جائزة «أدب البيئة» حينما وضعوا مطلع الثمانينات جائزة سنوية لأفضل عمل أدبي يهتم بالطبيعة والإنسان. منذ ذلك الوقت شقت «ثقافة البيئة» طريقا عميقا في الأدب الألماني، فطلع علينا «مسرح الطبيعة» و«الموسيقى الطبيعية» والمهرجانات الثقافية التي تقام على الطبيعة.

وللمرة العشرين في ألمانيا نصبت عشرات الخيم البيضاء الكبيرة في ولاية هيسن استقبالا لمهرجان «الثقافة الخالصة» (كولتور بيور) الذي يقام منذ 1990. شارك المئات في بناء «مدينة الخيم» التي تتسع يوميا إلى مئات الآلاف من البشر المهتمين بالثقافة، لتشكل مدينة بيضاء بين تشكيلات الغابات الخضراء وقمم التلال البنية الغامقة وزرقة الجداول القريبة.

وهو أكبر مهرجان ثقافي من نوعه في أوروبا، من 18 - 25 مايو (أيار) الجاري، حيث تجري وقائعه على مسارح الخيام الكبيرة ويستغرق أسبوعا من المسرح والموسيقى والرقص والرسم والفعاليات الأخرى. ويجري كل مرة اختيار بقعة طبيعية جميلة بين التلال قرب وحول مدينة جيسن لبناء الخيم الكبيرة، ووقع الاختيار هذه المرة على هضبة ترتفع 600 متر عن سطح الماء قرب بلدة فيتجنشتاين.

الفنان والموسيقي المعروف بوب جيلدورف وصف المهرجان أثناء تأدية فعاليته في الخيمة الكبيرة عام 2006 على أنه «مكان للثقافة في اللا مكان»، ومنها صار المسؤولون، والصحافة بالطبع، يطلقون على مهرجان الخيام اسم «ثقافة اللا مكان» و«الثقافة على الطبيعة في اللا مكان». وعبر جيلدورف عن انطباعاته بالقول إن الطبيعة تجانست مع الموسيقى والرقص والمسرح فكان المهرجان «عرسا» للبشر والنباتات والحيوانات الصغيرة على حد سواء.

اجتذبت فعاليات المهرجان الثقافي في العام الماضي أكثر من 800 ألف إنسان جاءوا من ألمانيا وهولندا وبلجيكا القريبتين، ويأمل منظمو المهرجان هذا العام كسر حاجز الرقم مليون «لو أن الطقس تفاعل مع الثقافة». فقبل 4 سنوات، وأثناء مونديال كأس العالم لكرة القدم، شهدت ألمانيا شهرا كاملا من الشمس المشرقة، وأسهم ذلك الطقس الجميل بأكبر قسط في نجاح المونديال آنذاك، وبنجاح مهرجان «الثقافة الخالصة 2006». ولهذا، ترى منظمي الاحتفال يتحدثون في المقابلات الصحافية، كالجوقة عن التنبؤات الجوية، بانتظار أن يجلب مونديال كرة القدم في جنوب أفريقيا شيئا من شمس القارة السمراء إلى شمال الراين.

يشارك في الفعاليات الثقافية هذا العام أكثر من 5000 فنان في مجالات المسرح والموسيقى والرقص والرسم والسينما. وتوزعت الفعاليات على عدة خيام كبيرة مساحتها مجتمعة نحو 5000 متر مربع. وستتسع الخيام إلى مئات الألوف من الناس تجتذبهم أكثر من 10 أعمال يوميا ونحو 60 فعالية في يوم الاثنين 24 مايو الذي يصادف يوم عطلة هو عيد «الخمسين» أو «عيد العنصرة». وتشغل الموسيقى الكثير من فعاليات الخيام بحكم مشاركة 10 فرق بوب مشهورة فيها. وبلغ ارتفاع الخيمة الكبيرة نحو 50 مترا وكانت الأضواء الملونة المسلطة عليها مساء تظهرها، من أسفل الهضبة، كجبل سحري يرتفع إلى كبد السماء.

ومن بين الفرق الموسيقية المشاركة، فرقة «ريد هوت تشيلي بيبر»، وبلانكا لي (21 مايو)، كولتشا كوندري (22 مايو)، ذي بوس هوس (23 مايو)، إضافة إلى روديجر هوفمان، سالتا تشيرموت، بور كيرشن، غروب شنيت وميلو. وستشارك أكاديمية بوب إربا بعرض أوبرا «دون جيوفاني» بعد أن تم تحويلها إلى خليط من الموسيقى والرقص ه علما بأن الموسيقى الأصلية وضعها الموسيقار العظيم موزارت.

بدأت أعمال البناء قبل أسابيع من بدء المهرجان وشارك فيها مئات الفنيين والمهندسين ومصممي الديكور. تم نصب 200 كشاف ضوئي (بروجيكتور)، 10 كم من أسلاك أضواء الزينة وتم نقل أكثر من 60 طنا من المواد في شاحنات ضخمة إلى أعلى الهضبة. وذكر جورج كلاين، المهندس المسؤول عن البناء، أنه كان عليه مواجهة تحدي بناء مدينة كاملة من الخيام وتزويدها بالماء والكهرباء والمجاري والأثاث...إلخ. والمهم، حسب تعبير كلاين، أن يكون البناء، ومن ثم التفكيك، وكذلك فعاليات المهرجان، أقل ما تكون ضررا على الإنسان والبيئة. علما بأن الفعالية تنال كل سنة مباركة دائرة حماية البيئة بسبب سمعتها الجيدة في حماية الأرض التي تجري عليها الفعاليات.

وبعد السمعة التي كسبها «مهرجان الخيم» في ألمانيا صارت الفعالية تكتسب مئات الآلاف من الناس ممن اشتروا بطاقات الدخول لحضور الفعاليات، يضاف إليهم عدد مماثل من الناس ممن يودون «مرافقة» المهرجان وقضاء أسبوع جميل من المتعة على هامش المهرجان، على الطبيعة الجميلة في المنطقة، حيث تتوفر كل وسائل الراحة الممتدة بين الماء والكهرباء والطبيعة وأماكن الشي. وأعد منظمو المهرجان للعائلات والأطفال العديد من أماكن اللهو واللعب، مع العديد من مسابقات الرسم والجري والقفز ومسارح الدمى وخيم عرض الأفلام للأطفال. ووضعت حديقة حيوانات مدينة فرانكفورت على نهر الماين العديد من حيوانات الركوب تحت تصرف الأطفال وذويهم لإجراء الجولات الاستطلاعية في الغابات القريبة، وأطلقت على قطيع الركوب اسم «قافلة جبال الألب».

رئيس المهرجان فولفجانج سوتنر، من المجلس الثقافي لمدينة زيجن، عبر عن فخره بما حققه المهرجان سابقا، وبما سيحققه المهرجان هذا العام. وقال إن مهرجان «الثقافة الخالصة» يربط الإنسان بالطبيعة وهو سبب حب الفنانين له ورغبتهم الشديدة للمشاركة به. وأضاف «يعتقد الزوار كل مرة، وبعد عشرين سنة، أنهم لن يشاهدوا شيئا جديدا هذه المرة، لكننا نتحفهم دائما بما هو جديد ومثير». وتم هذه العام أساسا تغيير طريقة ومكان بناء الخيم بما يسمح للجميع، ببطاقات أو غير بطاقات، دخول مدينة الخيم والتجول فيها والتمتع بما تقدمه داخل أو خارج القاعات الخيمية.

بدأ المهرجان عام 1990 بخيمة كبيرة واحدة، 13 مجموعة غنائية ومسرحية وموسيقية، وشارك بائع نقانق واحد فيها. واعتبر المختصون، والصحافيون، المهرجان بدعة سرعان ما تتبدد، بالنظر إلى طقس ألمانيا الماطر، وغير الملائم للفعاليات الثقافية الصيفية على الطبيعة، إلا أن المهرجان صمد وصمد رغم الأمطار وتقلبات الجو. والمهم بالنسبة للمنظمين، هو أن لا يتواصل هطول الأمطار بحيث تحول المنطقة إلى وحول، لأن مرور الناس عليها سيضر بالبيئة كثيرا، وقد يؤدي ذلك إلى سحب إجازة المهرجان، وبعد بائع النقانق «الأول»، الذي شارك في مهرجان 1990، أصبح عدد المطاعم ومحلات الشي ومطاعم الوجبات الخفيفة يزيد على الـ 200. وليس هذا كل شيء، لأن المهرجان اجتذب المطاعم التركية واليونانية والعربية، وصارت الشاورمة التركية تباع إلى جانب الفلافل العربية، وارتفع في الوقت ذاته عدد الزوار من الإثنيات الأخرى والمهاجرين، وتحولت الخيم إلى بوتقة لاندماج الثقافات المختلفة.

وتم تخصيص خيمة كبيرة لاستضافة معرض تشكيلي لفنانين من ألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا. ويحمل المعرض اسم «على ضفاف الراين»، كما تتخلل المهرجان العديد من القراءات الشعرية والقصصية بالتعاون مع معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي يقام في أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام.

تلقى منظمو الفعالية دعومات مالية من مدينة زيجن (250 ألف يورو)، ولاية هيسن (75 ألف يورو) إضافة إلى مبالغ كبيرة أخرى من شركات وكنائس ومؤسسات ثقافية عاملة في المنطقة. الجديد أيضا هذا العام مشاركة العديد من الفرق الكوبية في الفعاليات، الأمر الذي سيحول المهرجان إلى كرنفال بهيج ترقص فيه الجموع على إيقاعات السامبا.