لعبة «الاستيميشن» الروسية تنافس «الدومينو» و«الطاولة»

ملأت فراغ الشباب في مقاهي القاهرة

مجموعة من الشباب يلعبون الاستيميشن في مقهى بالقاهرة
TT

بدت موجات انتشار لعبة «الاستيميشن» في مقاهي القاهرة أقرب إلى موجات الوباء، بحيث أصبح من النادر أن تجد أربعة شباب مصريين على مقهى إلا وتكون «الاستيميشن» خامسهم. وتمكنت هذه اللعبة الروسية الأصل من فرض نفسها على الجيل الجديد لتحتل مكان الألعاب التاريخية للمقاهي، كالطاولة والدومينو، وتخلق ثنائية جديدة لصراع الأصالة والمعاصرة، لكن هذه المرة داخل أفق مختلف تماما.

كبار السن من رواد المقاهي الخلص يرونها بدعة جديدة، وشكلا من أشكال الاستغراب، رافضين التعامل معها أو الاقتراب منها أو تعلمها، لكن الشباب يدافعون عنها بقولهم إنها تحتاج للذكاء والمرونة واتخاذ القرارات، مؤكدين أن دور الحظ فيها قليل للغاية لأنك في النهاية تتعامل مع الأمر الواقع، فأنت تقوم بتقدير الأوراق التي يتم توزيعها عليك بعد رؤيتها وعلى ضوء ما تملك تتخذ قرارك، معتبرين أن الألعاب القديمة تعتمد على الحظ وفقط.

تحتاج الاستيميشن إلى أربعة لاعبين يوزع على كل واحد منهم ثلاث عشرة ورقة، ليبدأ اللعب بأن يلقي كل لاعب بورقة ويكشفها للآخرين ليصبح لدينا أربع أوراق على طاولة اللعب، لكل ورقة قوة مفترضة، الواحد أو «القص» هي الورقة الأقوى على الإطلاق يليها الملك فالبنت وأخيرا الولد ثم من عشرة وحتى أضعف ورقة (الدو) التي تحمل الرقم اثنين، وصاحب الورقة الأقوى يحصد الأوراق وتسمى «لمة».

ويحدد كل فرد منهم عدد (اللمات) التي سيحصل عليها، وبنهاية اللعبة يفوز بعدد معين من النقاط من استطاع الحصول على الرقم الذي حدده مسبقا ويخسر من حصل على (لمات) أكثر أو أقل.

وللاستيميشن مفردات خاصة بها. فاللعبة الواحدة حيث ينتهي اللاعبون من أوراقهم ويحسبون نقاطها يطلق عليها «راوند» Round. واللعبة تتكون من 14 أو 19 (راوندات) حسب اتفاق اللاعبين. أما اللعبة بأكملها فيطلق عليها (بولة استيميشن) أو (بولة) للاختصار. الفائز يطلق عليه «كينغ» King والثاني في الترتيب «صاب كينغ» Sub King والثالث «صاب كوز»، والأخير يطلق عليه «كوز».

وانتشرت الاستيميشن بين الشباب في مصر كنوع من التسلية أساسا في المقاهي والمصايف في السنوات الأخيرة نتيجة للعديد من التطورات في المجتمع المصري. فمع بداية سياسة احتكار وتشفير بطولات كرة القدم العالمية بنهاية التسعينات، وبخاصة في بطولة القارات عام 1999 بالمكسيك والتي شارك فيها منتخب مصر، بدأت ظاهرة نزول شباب الجامعات وطلاب المدارس والشباب العاملين إلى المقاهي لمشاهدة المباريات التي لا يستطيعون مشاهدتها في منازلهم.

ومع توسع تشفير المباريات والبطولات العالمية أصبح جلوس الشباب على المقاهي أمرا معتادا بعد أن كان المعتاد هو اقتصار جلسة المقاهي على العاطلين وأصحاب المعاشات. ومن هنا بدأ البحث عن ألعاب تناسب تلك النوعية من الشباب التي تعد أكثر تعليما، وتبحث عن نوع من التسلية يناسب إمكاناتها، لتنتشر الاستيميشن وتصبح موجودة كشكل أساسي في كل المقاهي التي يرتادها أولئك الشباب، وتتغلب على ألعاب أخرى كانت تعد هي الأولى في مصر مثل الشطرنج كما تغلبت الاستيميشن أيضا على بريق لعبتي الطاولة والدومينو الشعبيتين المفضلتين على المقاهي، لتتراجعا بشكل ملحوظ، بخاصة بالنسبة إلى الشباب.

وعن تفضيل الشباب للاستيميشن يقول إسلام القاضي، ممثل ناشئ (23 عاما)، إنها وسيلة مثالية لقتل الوقت، حيث إن ثلاث (بولات) يمكنها استهلاك قرابة ست ساعات. كما أنها لعبة تنافسية فردية لها شكل جماعي حيث يحاول كل فرد أن يفوز وحده وأن يعمل على خسارة الثلاثة الآخرين.

وأضاف: «أنا شخصيا أفضلها لأنها تنشيط للذاكرة وإجراء حسابات بالأرقام والأوراق المتاحة، كما أنها تقوي الملاحظة للأوراق التي ترمى من الآخرين»، وتابع: «أفضل من ألعاب الذكاء الأخرى مثل الشطرنج التي يعيبها الملل والهدوء الزائد».

أما عمرو سميح الطالب بكلية التجارة بجامعة عين شمس فهو يلعب الاستيميشن بشكل منتظم في قهوتي «أرجيلة» و«جدو» بمدينة نصر، ويرى أن انتشار اللعبة جاء كنوع من مقاومة الملل ومحاولة البعد عن الألعاب الإلكترونية والبلاي ستيشن. وانتشار الاستيميشن في رأيه يعكس ارتفاع نسبة البطالة وحالة الركود بين الشباب الذي يفتقد الأنشطة الجيدة.

ولكنه يؤكد في المقابل أن اللعبة لها العديد من المميزات، فهي تعتمد على التفكير وتجعل كل فرد يعتمد على ذاته، مما يزيد من ثقته بنفسه، وتعلمه كيف يتخذ قرارا صحيحا بشكل سريع في عدد اللمات التي يطلبها، والمغامرة عند الضرورة لتحقيق مكاسب أكبر، خاصة أنه يستطيع تصحيح قراره لو كان خاطئا، من خلال تعديل أسلوب لعبه ليحصل على ما حدده سلفا.

أو محاولته جر باقي اللاعبين للخسارة معه، حتى تصبح لعبة «صعايدة» بلا نقاط، أو على الأقل يجعل شخصا آخر يخسر معه حتى لا يصبح الخاسر الوحيد.

وأشار سميح إلى أن الاستيميشن تكون دائما سببا في معرفتك بأصدقاء جدد، عندما تلعب مع فردين أو ثلاثة لا تعرفهم، موضحا أنها لعبة جماعية أكثر من الطاولة قائلا وهو يضحك «الطاولة لعبة عواجيز، أو بمعنى أصح لعبة ما بعد المعاش».

وفي رأيه أنها أفضل من ألعاب الكوتشينة الأخرى مثل الكومي التي تعتمد كلية على الحظ، والطرنيب - التي تعد مشابهة للاستيميشن، ولكن كل فردين يشكلان فريقا، ويحاول كل فريق تجميع أكبر عدد من اللمات على عكس الاستيميشن، التي تتطلب تجميع عدد اللمات المطلوبة فقط - لأن الاستيميشن بها منافسة أكبر وكل شخص يريد إثبات جدارته والفوز وحده.

انتشار الاستيميشن لا يقتصر على القاهرة فقط، ولكنها انتشرت في محافظات أخرى أيضا، أحمد عصام طالب بكلية الهندسة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بالإسكندرية، أكد أن اللعبة منتشرة في الإسكندرية بشكل يفوق الوصف. «إنها منتشرة في كل مكان.. نحن نلعب في المقاهي والكليات أيضا، لدرجة أن أصحاب المقاهي أصبحوا يطبعون أوراقا عليها جداول حسابات نتائج الاستيميشن، لتوزيعها علينا قبل اللعب بدلا من أن نستغرق وقتا في تخطيطها».

ويفسر عصام انتشار اللعبة باعتباره موضة، وأنها ستنتهي بعد فترة من الوقت، موضحا أن لعبة «كاونتر سترايك» Counter Strike كانت أشهر لعبة بين الشباب منذ بضع سنوات. وكان الجميع يتقابل في مقاهي الإنترنت ليلعبها مع أصدقائه، ثم أصبح البلاي ستيشن هو وسيلة التسلية الرئيسية، ثم ظهرت الاستيميشن لتصبح اللعبة الأولى في الوقت الحالي.

الاستيميشن لا تخلو من العديد من المساوئ والعيوب أيضا، حيث حذر القاضي من أن اللعبة تأخذ طويلا بشكل يجعل الفرد يضر نفسه، إذا كان يتحمل بعض المسؤوليات سواء في العمل أو المذاكرة أو غيرهما. كما أشار سميح إلى أن لعب الاستيميشن دائما يكون على المقهى، مما قد يؤدي إلى إدمان التدخين بحسب رأيه، وانتشار الشيشة بينهم بشكل ملحوظ كما هو حادث في الوقت الحالي.

سميح أكد أنه يتمنى أن يقلع عن الاستيميشن «لو مارست الجري أو قرأت القرآن أو زرت أقاربي الذين لا أراهم فلن يستغرق مني ذلك نصف الوقت الذي أقضيه في اللعب، وسيكون أفضل لي كثيرا».

بينما أحمد أبو بكر الطالب بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، والذي يصف نفسه بأنه لا يلعب الاستيميشن كثيرا لأنه يمارسها مرة واحدة أسبوعيا فقط بقهوة الباشا بالعجوزة، يؤكد أنه شهد بنفسه العديد من المشادات بين الذين يلعبون بسبب المنافسة وبخاصة عندما يتسبب أحد المشاركين في خسارة الآخر.

وكتعبير عن انتشار اللعبة مع الألفية الجديدة، جاءت الاستيميشن في السينما المصرية لأول مرة في فيلم «سهر الليالي» عام 2003 عندما ظهر أبطال الفيلم شريف منير، أحمد حلمي، خالد أبو النجا، وفتحي عبد الوهاب وهم يلعبونها بعد سفرهم للإسكندرية.

كما أنها وصلت للإنترنت في موقع «العب» الذي يحتوي على ألعاب المقهى المصرية مثل الشطرنج، الطاولة والدومينو، إلا أن الاستيميشن هي أكثر ما يجذب الشباب للدخول إلى الموقع، من أجل أن يلعبوا مع أصدقائهم، أو مع آخرين، أو ضد الكمبيوتر. ويتم رسم تصور للاعبين على الموقع أثناء اللعب على هيئة شباب جالسين على مقهى في الشارع يدخنون الشيشة ويشربون فنجانا من القهوة أو الشاي.

ويعرّف الموقع اللعبة بأنها «لعبة كروت روسية الأصل، اشتهرت بين الشباب العربي كونها تعتمد على دقة الملاحظة وسرعة البديهة، إضافة إلى بعض الحظ مثل أغلب ألعاب الورق. ربما تحتاج إلى وقت كي تصبح خبيرا بالاستيميشن، لكن لا تلبث أن تعشقها وتصبح أسيرا لهذه اللعبة المثيرة والممتعة للجميع».