ويندي غرين.. من التعليم إلى الفوز بكأس «طيران الإمارات ملبورن» لسباقات الخيل

لقبها «ويندي في بلاد العجائب».. وحبها للخيل جعلها تقطع 24 ألف كيلومتر للوصول إلى فليمينغتون

ويندي غرين تتحدث لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: حاتم عويضة)
TT

في كل عام تتجه أنظار عشاق سباق الخيل وشخصيات المجتمع على مستوى العالم إلى مدينة ملبورن الأسترالية، حيث تقام بطولة كأس «طيران الإمارات ملبورن» التي تعتبر أهم أحداث مهرجان كأس ملبورن لسباقات الخيل، لدرجة أن أستراليا تحتفل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام على مستوى عال، وتعلن أول يوم من السباق عطلة رسمية. وتعتبر هذه المناسبة من أهم المناسبات الاجتماعية على الإطلاق، وتفوق سباقات الخيل التي تجرى على ميدان «اسكوت» في بريطانيا. وهذه المناسبة يطلق عليها الأستراليون عبارة «السباق الذي يوقف دولة»، إشارة إلى أهميته بالنسبة للشعب الأسترالي الذي يفتخر بكأس ملبورن لسباقات الخيل التي تحول اسمها إلى كأس «طيران الإمارات»، حيث تشارك دولة الإمارات بهذا الحدث من خلال خيمة خاصة تجمع تحت سقفها وجوه المجتمع ومشاهير العالم والمولعين بعالم الخيل.

للتعرف أكثر على هذه المناسبة التقت «الشرق الأوسط» الأسترالية ويندي غرين صاحبة الجواد روغن جوش الفائز بكأس ملبورن لعام 1999، والتقتها في لندن أثناء مشاركتها في الحفل الذي أقيم في فندق «تشرشل» للاحتفال بـ150 عاما على قيام فكرة كأس ملبورن لسباقات الخيل.

اللافت في قصة ويندي غرين التي حضرت الحفل بصفتها ضيفة خاصة، أنها لم تعرف الكثير عن الأحصنة، وما كانت تجهله عن عالم السباقات كان يتفوق بدرجات معرفتها بهذا العالم الذي يمت بصلة مباشرة للأثرياء وأصحاب الملايين، فغرين لم تكن ثرية، وهي امرأة عادية تعمل مدرسة للغة الإنجليزية، وتعيش مع زوجها روبرت وأسرتها في منطقة واقعة في أقصى شمال دارون، وكان والدها يملك مزرعة ويربي فيها بعض الأحصنة، وكان يملك حصانا أطلق عليه اسم روغن جوش، وبعد فترة قامت غرين بشراء حصة أخيها في المزرعة بما فيها جوش، من دون أي علم أو معرفة بما يحمله مستقبل هذا الحصان الأسترالي الجميل الذي تميز بلونه البني الغامق.

وتقول غرين إن أهم ما في قصتها أن أحداثها لم تكن وليدة أجندة أو تخطيط، فهي تصف نفسها بالسذاجة والطيبة، فقد قررت في يوم من الأيام أن تخضع جوش للتدريب بعد أن شعرت بأنه يملك المقومات التي من الممكن أن تجعل منه حصانا محترفا بإمكانه خوض السباقات، فاستعانت ويندي بأحد المدربين المحليين، إلا أن رأي المدربين بالحصان لم يكن مشجعا، بعد أن خسر الحصان عدة سباقات محلية، ولم يفز بأي سباق على مدى 18 شهرا، فخضع جوش للتدريب منذ أن اشترته من أخيها على مدى 6 سنوات متتالية لكن من دون أي نتيجة تذكر، غير أن ويندي أصرت على أن جوش يملك حظا وافرا في الفوز في السباقات إذا ما أعطيت له الفرصة الحقيقية. وبعدها قررت ويندي أخذ جوش إلى مدينة بيرث غرب أستراليا لخوض سباق بيرث للخيول في عام 1999، وحينها حل جوش في المرتبة الثانية، وفي ذلك الوقت كان موجودا في السباق ملك المدربين في أستراليا بارت كامينغس الذي يطلق عليه اسم الساحر، الذي كان له الفضل في تدريب 10 أحصنة فازت في سباق كأس ملبورن للخيل.

وتقول ويندي والبسمة لا تفارق ثغرها، إن لقاءها الأول مع كامينغس كان أشبه بلقاء المخرج ستيفن سبيلبيرغ وطلب دور منه في أحد أفلامه. وتضيف ويندي أنها في تلك اللحظة وصفها أصدقاؤها بالجنون وأطلقوا عليها لقب «ويندي في بلاد العجائب»، وتفسر بالقول «لم يصدق أحد أنني بهذه الجرأة، فلا أحد يجرؤ على لقاء كامينغس، فهذا الشخص يوصف بالساحر، ولا يمكن الوصول إليه بسهولة». وتتابع ويندي أنها عندما عرضت على كامينغس أن يتبنى الحصان ويدربه قبل، وحينئذ، أدركت أن ثقتها وإيمانها بالحصان الجميل في مكانهما، وأنه سيكون بانتظاره مستقبل جيد.

والمشكلة الأساسية التي كادت تحول دون تحقيق ويندي حلمها كانت العنصر المادي والمسافة الشاسعة التي تفصل مكان إقامتها عن ميدان فليمينغتون، إلا أنها تحدت كل الصعوبات وقامت برفقة زوجها بقطع مسافة 24 ألف كيلومتر بواسطة سيارتها القديمة للوصول إلى فليمينغتون، وكانت الرحلة مضنية جدا، لأنه تعين على ويندي قطع هذه المسافة 3 مرات خلال موسم السباق، إلا أن مجهودها توج بالنجاح خلال الرحلة الثالثة والأخيرة، حيث فاز روغن جوش بكأس ملبورن لسباق الخيل على ميدان «سنترال بارك» الذي يملكه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وبفوز جوش حصد بارت كامينغس فوزه بكأس ملبورن للمرة الـ11.

وتقول ويندي إنها لم تصدق ما حدث، وكان وقع المفاجأة كبيرا عليها، وكانت تغمرها سعادة عارمة خاصة أن والدها الذي قام بتربية الحصان سُمح له بمشاهدة السباق من مكان مخصص للشخصيات المهمة، وشعرت بأنها حققت حلم أبيها بعد فوز الحصان بواحدة من أهم الجوائز المتعارف عليها في أستراليا، إلا أن الفوز والنجاح وقف في طريق علاقتها بأخيها، فبدت ويندي حزينة وهي تروي لنا كيف أنها لا تجمعها أي علاقة بأخيها على الإطلاق، ولم تتكلم إليه حتى أثناء جنازة والدها الذي توفي لاحقا.

وبعد الفوز تسلمت ويندي الكأس المصنوعة من الذهب من عيار 24 قيراطا، ووضعتها في مؤخرة سيارتها المتواضعة، وعلى الرغم من فوزها بمبلغ تعدى المليون دولار أميركي فإن ويندي لم تكن تفكر بالماديات، وعلى عكس توقعات البعض بأن ويندي ستعود إلى دارون بسيارة «رولز رويس» برفقة الكأس الذهبية، قررت ويندي العودة بالسيارة التي أقلتها في جميع رحلاتها، وأرادت أن يشاركها الأستراليون فرحتها، فقطعت مسافات ومسافات وتوقفت خلالها في مقاه ومطاعم وحانات، وفي كل مرة كانت تترجل من السيارة مع زوجها كانت تحمل الكأس معها، وتعطي الفرصة للمتفرجين الذين سمعوا عن ويندي غرين وجاءوا خصيصا للقائها. وهنا تتوقف ويندي لحظة وتتابع «هل يمكنك تخيل أهمية هذه الكأس بالنسبة للأستراليين؟ إنها تراث وتقليد كامل لشعب يفتخر بما يملك»، وروت ويندي كيف كانت تستمع إلى قصص بعضهم عن الكأس، فالقصص تكاد لا تنتهي، ووصفت ويندي كيف كانت الكأس تلمع تحت أشعة الشمس، وتروي كيف طلبت إحدى العائلات الأسترالية منها أن تقوم بالمشاركة في عماد طفلها في الكأس، ولم تصدق ويندي ما سمعته، إلا أن العائلة كانت جادة في طلبها وهكذا حصل، تم استدعاء قسيس وتمت العمادة في الكأس بدلا من جرن العماد.

وتضحك ويندي، بأن الفوز غير حياتها، وساعدها ماديا، ولو أن هدفها لم يكن التحول إلى مليونيرة جديدة في شمال أستراليا، لكنها استطاعت أن تحقق حلما آخر من خلال شراء فندق صغير «موتيل» في المنطقة التي تعيش فيها، وبدلا من البقاء في ملبورن للتفرغ لمهنة امتلاك الأحصنة والغوص في عالم سباقات الخيل، عادت ويندي من حيث جاءت، ورجعت إلى عالمها الحقيقي وبالتحديد إلى مهنة التعليم بحيث تصف علاقتها بتلاميذها الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 سنة بالعلاقة المميزة، وهي لا تزال لغاية اليوم متفرغة للتعليم، وتقول «أنهيت للتو تصحيح الامتحانات».

عندما تتكلم ويندي عن الأحصنة تتكلم بشغف، وحماس، فهي تصف هذا العالم بالعالم الرائع والساحر، كما وصفت كرنفال كأس «الإمارات ملبورن» لسباق الخيل بأنه أشبه بألف ليلة وليلة، إلا أنها وعلى الرغم من أناقة وثراء هذه المناسبة تفضل التدريس، وتعشق أن تروي قصتها للتلاميذ لتحثهم على الاجتهاد وتحقيق أحلامهم.

وبعد أن بلغ روغن جوش سن السابعة عانى من أوجاع في ساقيه وتمزق الأوتار، فحولته إلى التقاعد على الرغم من تطمينات المختصين، وعللت ذلك بالقول «لن أسامح نفسي أبدا في حال أصاب روغن أي مكروه، لذا فضلت بأن أحيله إلى التقاعد لأنه لم يعد يحتمل المجهود الجسدي المطلوب في المباريات».

وعندما كان والدها على فراش الموت، طلبت ويندي منه أن يبعث إليها برسالة ما بعد موته، ليشعرها بوجوده بجانبها، وكان من المعروف عن أبيها انزعاجه من قطع رأس البط الذي يقدم على مائدة عشاء ليلة عيد الميلاد، وكان يطلب في كل مرة من أخيها أن ينحر البط بدلا منه. وتتابع ويندي والغصة في صوتها، أنه بعدما توفي والدها وجدت حصانا وعلى جبينه رسم على شكل بطة رأته حفيدتها ونادته «كادل داك» وهذا يعني «غنج البط»، وعندما انتبهت ويندي إلى هذه الصدفة التي قد تكون على حد قولها رسالة من أبيها، تبنت ويندي «كادل داك» ويقوم المدرب بارت كامينغس حاليا بتدريبه وسيشارك في سباقات كثيرة عندما يصبح جاهزا لذلك.

وكتبت ويندي غرين كتابا بعنوان «ويندي إن ووندرلاند» عن قصتها مع روغن جوش والفوز بالكأس، وسيتم إطلاق الكتاب في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، تزامنا مع انطلاق «كأس الإمارات ملبورن» لسباق الخيول والاحتفال بعامه الـ150. (للمزيد من المعلومات عن السباق يمكنكم زيارة الموقع «www.melbournecup.com»)