أفغانستان الجديدة: ملاكمات يطمحن إلى العالمية

المرأة الأفغانية تكسر قيود طالبان بـ«القتال من أجل السلام»

فتاة أفغانية خلال التدريبات في الملاكمة النسائية (أ.ف. ب)
TT

تشبه التدريبات والأصوات العالية لصوت أقدام تتحرك على أرضية مفروشة تلك الصادرة عن أي فريق يقوم بالتمرينات في أي مكان في العالم استعدادا للمباريات. بيد أن هذه الجلسة من التدريب فريدة من نوعها، حيث إن الأفراد الذين يقومون بالتمرينات قبل ارتداء قفازات الملاكمة الخاصة بهم هم من السيدات، وهذه هي أفغانستان.

وفي شارع شهرانو على أطراف وزير أكبر خان، حي السفارات الذي كان في عهد طالبان مقر قادة الحركة الأصولية، يوجد اليوم عدد من الصالات الرياضية تدرب الفتيات على الملاكمة وألعاب الدفاع عن النفس. وقال الصحافي الأفغاني محمود عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» هناك اليوم عدد من الفرق النسوية الرياضية الأفغانية في مجالات كرة القدم والكرة الطائرة وكرة الريشة. ويشير إلى أن هذه الفرق تذهب أيضا للعب في الدول المجاورة مثل باكستان. وكشف عن وجود عدد من الصالات الرياضية غرب العاصمة كابل. إلا أنه قال إن أبرز الملاكمات الأفغانيات على طريق الاحتراف تدربن من قبل أثناء سنوات الهجرة في إيران، إبان وجود حركة طالبان في السلطة بين 1996 و2001. وقال إنهن يتدربن بصفة دورية في استاد العاصمة كابل، مؤكدا أن المرأة هي نصف المجتمع.

وحين كانت حركة طالبان في السلطة في أفغانستان حازت على سمعة دولية سيئة لمعاملتها للنساء. وكان هدفها المعلن «خلق بيئة آمنة للحفاظ على كرامة وطهارة النساء». تم إرغام النساء على ارتداء البرقع (أو النقاب) ولم يكن مسموحا لهن بالعمل ولم يكن مسموحا لهن بالتعلم بعد سن الثامنة ولم يكن مسموحا لهن بتعلم غير قراءة القرآن.

والنساء اللائي كن يسعين لتلقي التعليم توجب عليهن الدراسة في مدارس غير علنية خفية عن أعين طالبان. ولم يكن مسموحا للنساء أن تتم معالجتهن من قبل أطباء ذكور، ما لم يكن لديهن محرم ذكر، مما تسبب في عدم تلقي الكثيرات للعلاج. كما واجهن الجلد بالسياط علنا في استاد كابل بعد صلاة الجمعة بزعم تنفيذ الحدود، حالة مخالفة قوانين الحركة الأصولية. وكان يمنع على النساء ارتداء أحذية ذات كعب عال، كما كان يمنع سماع الرجال خطواتهن «خشية الفتنة». كما منع على النساء التحدث بصوت عال في العلن، حيث لا ينبغي أن يسمع رجل غريب صوتهن، وكل نوافذ الطوابق الأرضية والطوابق الأولى في المنازل لا بد أن يتم طلاؤها أو سترها منعا لرؤية أي امرأة من خلالها، كما تم منع ظهور النساء من شرفات منازلهن منعا تاما. وتصوير النساء فوتوغرافيا أو سينمائيا كان ممنوعا، كما منع عرض صور للنساء في الصحف أو المجلات أو الكتب أو المنازل، ومنع ظهور أو حضور المرأة في الإذاعة أو أي تجمع آخر، ومنع التلفزيون أيضا. واليوم في العاصمة كابل والمدن الداخلية جيل جديد من الفتيات يتحدى الصورة النمطية المعتادة للمرأة الأفغانية باعتبارها شخصيات مظلمة مغطاة من الرأس إلى القدم وراء البرقع ذي اللون الأزرق الفاتح. والتدريبات التي يقمن بها تدريبات شاقة.

وأحيانا يقوم المدربون، الذين يدربون كذلك الفريق القومي للملاكمين الذكور، برش المياه على الأرضية وذلك لإخماد الغبار الذي يتطاير في الهواء في الوقت الذي تقوم فيه السيدات بالتمرينات، قبل أن تقف كل اثنتين منهن أمام بعضهن البعض في المباريات التدريبية.

وتوجد صالة التدريب داخل استاد لكرة القدم، كان يعرف إبان حكم حركة طالبان بأنه مكان عام لتنفيذ أحكام الإعدام، التي كانت تشمل أحكاما ضد المرأة.

لكن بالموافقة على الحضور للعب رياضة الملاكمة، فإن هؤلاء الشابات يفعلن أكثر من طرد الأرواح الشريرة وأشباح فترة ظلامية من تاريخ أفغانستان.

وتشارك في رعاية هذه التدريبات إحدى المنظمات المؤيدة للسلام، التي تسعى إلى إعطاء المرأة مزيدا من احترام الذات، واستعادة الملاكمة باعتبارها رياضة من الرياضات في دولة لا تزال تعاني من آثار الصراع، مما يجعل من فنون الدفاع عن النفس فنونا بناءة وليست هدامة.. إنهم يدعون هذه الرياضة «القتال من أجل السلام».

وهؤلاء الملاكمات في سن الشباب، ويتحدين المفاهيم المسبقة بشأن الملاكمة والمرأة، خاصة المرأة الأفغانية. وشأنها شأن الأخريات، تقول مليحة إنها هنا من أجل الاستجمام، لكنها تفهم السبب وراء هذا المشروع. فهي تقول إن هؤلاء الشابات «يقاتلن من أجل إنهاء الحرب».

وهناك عدد قليل ممن يريدن المضي قدما في هذه الرياضة، فرياضة الملاكمة للسيدات لم تصبح بعد إحدى الرياضات في دورة الألعاب الأوليمبية، لكنها إذا أصبحت كذلك، تأمل المتدربة شالا أن تكون ضمن الفريق.

تشير شالا إلى أن الملاكمات يأتين من جميع أنحاء أفغانستان، ولا تفرق بينهن الولاءات القبلية التي كانت تحدث الشقاق في أفغانستان في الماضي.. «إذا شاركت في إحدى الرياضات، فإنك إذن بعيد عن الحرب. في الماضي، كانت هناك حرب بين القبائل المختلفة في أفغانستان، لكن رياضة مثل الملاكمة تحدث التقارب بين الأفراد. إنها ليست ضربا من القتال، بل نوعا من المنافسة».

وبين جلسات التدريب، تجلس الملاكمات ويناقشن وجهات نظر بعيدة عن العنف من أجل التوصل إلى حل للصراع. وقالت إحدى المتدربات: «مرت أفغانستان بمرحلة من الصراع العنيف للغاية، ولم تكن الرياضة بعيدة عن ذلك. إن ما نحاول فعله هو تعزيز السلام. نعم نمارس الملاكمة لكن ليس من أجل العنف».