انتشار أقسام خاصة بالعائلات في مطاعم لندن العربية

بعيدا عن الشباب العزاب ودخان الشيشة

ربما تكون هذه التجربة قد نجحت لأنها تمت في لندن حيث يعيش الكثير من المسلمين (تصوير: حاتم عويضة)
TT

«هل لديك غرفة منفصلة لتناول الطعام بعيدا عن الشباب العزاب ودخان الشيشة؟» هكذا سأل رجل في العقد الخامس من عمره من الصومال، بعدما دخل أحد المطاعم اللبنانية المزدحمة في إيدجوير رود.

وعلى الرغم من أن هذا الرجل كان يرتدي ملابس غربية حديثة، إلا أن زوجته كانت مغطاة بالكامل في ما عدا عينيها، وكانت بنتاه الصغيرتان، اللتان كانتا ترتديان الحجاب، تقفان على بعد خطوتين منه.

ففي قلب العاصمة البريطانية لندن، التي تعج بالمطاعم الجديدة من جميع أنحاء العالم، يبدو أن هناك اتجاها إسلاميا جديدا لتناول الطعام في طريقه إلى الانتشار.

فمن المستحيل تجاهل لافتة كبيرة مكتوب عليها: «قسم مخصص للعائلات» عند مدخل اثنين من المطاعم هناك.

وفيما تبدو هذه الفكرة مدرة للأرباح من الناحية التجارية، لكن بالنسبة إلى بعض البريطانيين، فإنها تمثل مصدر تهديد للحرية والاندماج.

وعلى الرغم من أن النساء المحجبات يشكلن منذ فترة طويلة جزءا من المشهد الاجتماعي في لندن، وتنتشر المطاعم التي تقدم الأطعمة «الحلال» في جميع الشوارع هناك، فإن هذا الاتجاه يعد جديدا على المجتمع الإنجليزي، الذي يعد فيه الفصل بين الجنسين أمرا غير مألوف.

وهذا النمط من أجواء تناول الطعام يرضي الكثير من المسلمين في لندن، الذين يفضلون إبعاد أنفسهم عن الشعوب الغربية بصفة عامة، وممارسة حياتهم المحافظة.

وكان محمد عيسى، مدير مطعم الأرز، يدير المطعم الخاص به لمدة خمسة أعوام، لكنه خصص قسما للعائلات قبل عامين فقط، وذلك بناء على طلبات الزبائن من المسلمين بإنشاء قسم خاص بالعائلات، على الرغم من التكلفة العالية لإقامة ذلك.

وقال: «يود البعض الاستمتاع بتناول الطعام بالخارج مع أسرهم، لكنهم قد يشعرون بالضيق عندما يشاهدون الشباب العزاب يحدقون في نسائهم».

وفي بعض الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية، يعد تقليد تخصيص أقسام منفصلة للرجال والنساء واقعا يوميا. لكن في هذه المطعم، إنه أمر اختياري لمن يبحثون عن الخصوصية.

ولم يكن مدير المطعم على علم بهذا التقليد حتى سمع أن الكثير من السياح المسلمين من الكويت والمملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، يطلبون أماكن خاصة لتناول الطعام مع أسرهم.

وأضاف: «أعلم أنها فكرة غير عادية، لكن مع ذلك الطلب عليها كبير للغاية. إننا نستقبل نحو أربع أسر بصورة يومية، وما يقرب من 20 أسرة أثناء الصيف».

وفي الطابق السفلي حيث يوجد القسم الخاص بالعائلات، كان أسامة غلاب يشاهد مباراة لكرة القدم على شاشة تلفزيونية ضخمة مع زوجته رانا، التي قالت إنها وزوجها يشعران بالارتياح في المنطقة المخصصة للعائلات.

وقالت إن المطاعم في بلدها الأردن لا يوجد بها مناطق مخصصة للعائلات، لكنها تعتقد أن «المطاعم والمقاهي في جميع أنحاء العالم ينبغي أن تدرس هذه الفكرة، خاصة في المناطق التي يقطنها مسلمون».

وفي مطعم آخر على طراز المطاعم في منطقة الشرق الأوسط في شارع برومبتون، هناك أيضا قسم مخصص للعائلات. كان هناك زوجان سعوديان يتناولان وجبة العشاء في مكان في الهواء الطلق. وقال سلطان السوميري (34 عاما): «لا أرى أي ضرر في تخصيص قسم للعائلات، على الرغم من أنني شخصيا لا أصطحب زوجتي هناك».

ويقبل معظم السعوديين هذه التجربة؛ لأنها جزء من خلفيتهم الثقافية. ويواجه علي العتيبي، طالب يدرس ليحصل على درجة الدكتوراه في القانون التجاري، مضايقات عندما يصطحب زوجته إلى المطاعم الشرقية في لندن؛ نظرا لأن هناك دوما شبابا من المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج العربي.

وقال: «لقد أتينا جميعا من الخلفية الثقافية نفسها، ولنا الخصوصية الاجتماعية نفسها، التي لا يُسمح للرجال فيها برؤية زوجات الآخرين. يسبب ذلك نوعا من المضايقة».

لقد أصبح زبونا منتظما للقسم المخصص للعائلات. وقال: «إنه وضع مختلف للغاية، هنا أستطيع رؤية عائلات مثلنا».

وربما تكون هذه التجربة قد نجحت لأنها تمت في لندن، حيث يعيش مليونا مسلم.

ورفض خبير العلاقات الدولية والخبير الاقتصادي أحمد الإبراهيم النظر إلى الأقسام المخصصة للعائلات على أنها ظاهرة جديدة في الغرب، نظرا لأنه «في عالم البيزنس، تأتي احتياجات العملاء في المقام الأول».

وقال إن هناك أماكن مشابهة، ليس فقط في المطاعم، تشتمل على قسم مخصص لفئة اجتماعية معينة مثل المرأة أو العائلات أو المدخنين.

فعلى سبيل المثال، في إيطاليا يوجد شاطئ سباحة مخصص للسيدات فقط، ويوجد ذلك في جميع الدول، ولا يُسمح للأسر التي يوجد بها أطفال بالدخول. وأضاف أنه في الولايات المتحدة تحتوي معظم المقاهي على مساحات مخصصة للمدخنين. وأيضا في بعض بيوت الجمال في لندن، توجد أقسام مخصصة للمحجبات.

ومع ذلك صحيح أن مدينة عالمية مثل لندن، التي يعيش بها أكثر من 129 جنسية، قادرة على تقبل واستيعاب ثقافات الشعوب المختلفة. إلا أنه على الجانب الآخر، يحظى الإنجليز بالحق في الاعتراض على ذلك، عندما يشعرون بأنها ستهدد مبدأ الحرية والاندماج.

وقالت فيونا فلاكس، موظفة استقبال في صالون تجميل إنجليزي، «لست ممن يؤيدون الفصل بين الناس داخل المطاعم».

وقالت: «بغض النظر عن السبب وراء ذلك، في وجهة نظري، لن يقود ذلك إلى شيء سوى التمييز».

بيد أن أليكس كوثبيرت (29 عاما)، وكيل عقارات يعمل بالقرب من المطعم، قال: «لا أهتم بالفصل داخل المطاعم، طالما أنني أستمتع بتناول وجبة لذيذة في سلام وهدوء».