رحيل أديب الدراما التلفزيونية أسامة أنور عكاشة صاحب «ليالي الحلمية»

أثرى حياتنا بكثير من الأعمال المتميزة وحقق «نجومية الكاتب»

أسامة أنور عكاشة («الشرق الأوسط»)
TT

رحل عن عالمنا أمس أديب الدراما التلفزيونية أسامة أنور عكاشة، عن عمر يناهز 69 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، تاركا رصيدا كبيرا من الأعمال المميزة، التي تؤرخ لسنوات التحول الاجتماعي والسياسي في مصر.

وكان الرئيس المصري حسني مبارك قد أمر بتوفير كل ما يلزم لعلاج فقيد مصر والعالم العربي على نفقة الدولة، بعد تدهور حالته الصحية قبل أيام، دخل على أثره غرفة العناية الفائقة بأحد مستشفيات القاهرة.

وشيع حشد غفير من الكتاب والفنانين والمثقفين ورجال الدولة وعامة الناس جثمان الفقيد عصر أمس بعد الصلاة عليه في جامع مصطفى محمود بمنطقة المهندسين بالجيزة.

نجح عكاشة في اختراق الذاكرة الجمعية للمصريين عبر سلسلة من الأعمال التي شهدت نجاحا غير مسبوق، كان كفيلا بأن ينتقل بها إلى الشارع المصري لتصبح أسماء لمحال تجارية ومقاه ومن أشهرها: «ليالي الحلمية» و«زيزينيا» و«الراية البيضا» «أرابيسك».

وفي زمن تراجعت فيه عادة القراءة، شكل أسامة أنور عكاشة وجدان أجيال عبر شخصيات حية، وتحليل عميق لما جرى في مصر الحديثة منذ زمن الملكية وحتى اللحظة الراهنة.

وقبل أقل من ثلاثة أشهر قال عكاشة في حوار صحافي لإحدى المجلات المحلية: «لا يوجد شيء كامل في هذه الحياة.. لقد حققت أحلاما كثيرة، لكن هناك حلم واحد لم يتحقق طوال هذه الرحلة الإبداعية وهو الاحتفاظ بصحة جيدة».

ولد أسامة أنور عكاشة في مدينة طنطا عام 1941 لكنه انتقل إلى محافظة كفر الشيخ (وسط الدلتا)، حيث عمل والده تاجر قماش بها، وهناك تلقى عكاشة تعليمه الابتدائي والثانوي قبل أن يلتحق بكلية الآداب قسم الدراسات الاجتماعية والنفسية بجامعة عين شمس (القاهرة)، والتي تخرج فيها عام 1962.

وفور تخرجه في الجامعة عمل عكاشة اختصاصيا اجتماعيا في مؤسسة لرعاية الأحداث، ثم عمل مدرسا في إحدى مدارس محافظة أسيوط (380 كلم جنوب العاصمة)، ثم انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بكفر الشيخ، وبعدها في رعاية الشباب بجامعة الأزهر، إلى أن جاء عام 1982 ليتغير مجرى حياته تماما، حيث قدم استقالته من العمل بالحكومة ليتفرغ للكتابة والتأليف.

قدم عكاشة للتلفزيون أكثر من أربعين مسلسلا تلفزيونيا منها، «وقال البحر»، «الشهد والدموع»، «عصفور النار»، «الراية البيضا»، «رحلة أبو العلا البشري»، «ضمير أبلة حكمت»، «ليالي الحلمية»، «أنا وأنت وبابا في المشمش»، «أرابيسك»، «زيزينيا»، وكان آخر أعماله التلفزيونية «ملحمة المصراوية» التي تم عرض جزئها الأول عام 2007. بالإضافة إلى عدد من الأفلام السينمائية والمسرحيات.

كما ترك عكاشة مجموعة من الأعمال الأدبية أهمها مجموعة قصصية بعنوان «خارج الدنيا» عام 1967، ورواية «أحلام في برج بابل» عام 1973، ومجموعة قصصية بعنوان «مقاطع من أغنية قديمة» عام 1985، ورواية «منخفض الهند الموسمي» عام 2000، ورواية «وهج الصيف» عام 2001، كما قام بتأليف عدد من الكتب منها «أوراق مسافر»، و«همس البحر»، «تباريح خريفية» عام 1995.

وفي يوم رحيله، نعاه رفيق دربه الشاعر سيد حجاب قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «يرحل أسامة أنور عكاشة عن عالمنا وعن وطننا ونحن في أشد الحاجة لفكره وإبداعه، في منعطف تاريخي في حياة أمتنا فإما أن نكون وأن ننهض أو أننا سنلحق بمصير الهندي الأحمر».

وتابع حجاب: «كان عكاشة مناضلا من أجل ثقافتنا وإنسانيتنا.. يؤسس لفكر نهضوي يأخذ بالإنسان المصري والعربي نحو آفاق أكثر رحابة وانفتاحا.. فقدناه لكن إبداعه سيظل بيننا يساهم بدوره الهام في نضالنا من أجل مستقبل أفضل.. رحم الله أسامة كان مناضلا شريفا تمتد جذوره في التربة المصرية وتطال قامته سماوات الإبداع».

وبتأثر كبير قالت الفنانة محسنة توفيق إن الراحل كان بحد ذاته حركة مقاومة مصرية، وتابعت: «كنت أقدره حتى قبل أن أشارك في أعماله.. أسامة حقق لأول مرة نجومية للكاتب، اعتدنا قبله على نجومية الفنان أو حتى المخرج لكن أسامة تمكن لأول مرة أن يصنع نجومية كاتب الدراما».

أضافت توفيق: «احتل أسامة هذه المكانة لأنه كان مرآة لنا جميعا.. مرآة أكدت لنا أن الجماهير العريضة تستطيع بل تفضل مشاهدة أعمال رصينة وأنها ترغب في فن حقيقي.. فن هو في حقيقته فعل سياسي بقدر ما أثر في وجدان الناس وكشف عن أوجه لم نكن نراها».

من جهته قال الدكتور أشرف زكي نقيب الفنانين المصريين: «بلا شك سيترك غيابه فراغا كبيرا في ساحة الإبداع المصري والعربي.. أسامة أنور عكاشة قيمة كبيرة ورحلة عطاء للفكر والأدب والدراما التلفزيونية.. خسرنا برحيله الكثير.. ولم نعد نملك ما نقدمه له إلا الدعاء».