كبار السن في المجتمع الهندي يتحدون التقاليد ومفاهيم العيب

يعيدون اكتشاف الحياة والحب بعد سن الستين.. وأحيانا بمساعدة أبنائهم

قبل فترة كان الزواج للمرة الثانية أو الحب في سنوات العمر المتأخرة مثارا للازدراء في المجتمع الهندي المحافظ (أ.ف.ب)
TT

ربما يكون زواج كبار السن في الهند للمرة الثانية والدخول في علاقات غرامية والمواعدة في سنوات متأخرة من العمر، عبر مواقع الإنترنت والشبكات الاجتماعية أو حتى بمساعدة من أبنائهم، دليلا على التطور الكبير الذي شهده المجتمع الهندي خلال العقود الأخيرة.

فقبل فترة ليست بالبعيدة كان الزواج للمرة الثانية أو الحب في سنوات العمر المتأخرة مثارا للازدراء وربما النبذ من المحيطين في هذا المجتمع الهندي المحافظ. ربما لا تزال تلك النظرة قائمةن بيد أن تغييرا بطيئا أخذ في الظهور في المجتمع الهندي، فالبعض يعيدون اكتشاف الحياة - والحب - بعد سن الستين. لكن الزواج مرة أخرى ليس سهلا في الهند حسبما يعتقد البعض إذ يواجه برفض الأولاد - الكبار - لتلك الروح الشبابية لآبائهم المسنين. وخشية ذلك الرفض يقوم هؤلاء الآباء بالهرب والزواج.

كان ذلك ما فعله مادو ديف وغانشيام تريفيدي، اللذان تخطيا عتبة الستين من عمرهما، عندما فعلا ما يقدم عليه بعض الشباب من الفرار والزواج. كان الحب الذي جمع بينهما في أول لقاء لهما هو ما دفعهما إلى اتخاذ القرار بأن يمضيا ما تبقى من حياتهما معا. كان زوج وزوجة ديف وتريفيدي قد توفيا قبل سنوات قلائل نتيجة للمرض، وعاشا في وحدة. كان كلاهما متأكدا من أن القرار سيحظى بمعارضة شديدة من عائلاته التي تضم ثلاثة أولاد في منتصف العمر، وزوجات أبناء وأحفاد. وهو بالضبط ما حدث. لذا تزوجت مادو (62 عاما) من غانشيام (66 عاما) في حفل زواج سري، وتم تسجيل زواجهما.

ابن مادو كان حزينا للغاية عندما أبلغ بأن والدته اتخذت هذه الخطوة في هذا العمر. لكن أسلوب غانشيام المتعقل أدى إلى ضمان حياة عائلية سعيدة مرة أخرى.

يسعى الكثيرون من أمثال هذين الزوجين (غالبيتهم ممن تجاوزوا الستين من العمر ويعانون الوحدة في خريف أعمارهم) إلى البحث عن شريك جديد. وتأتي الخشية من غضب الأولاد عائقا في سبيل محاولتهم وقف دبيب الحياة في قلوبهم مرة أخرى، ومن ثم يلجأون إلى السفر بصورة سرية وتسجيل الزواج. لا تنشر أخبار الزيجة إلا بعد تمام مراسم الزواج.

تزوجت إندوماتي (60 عاما) أرملة من كارناتاكا، من مهندس متقاعد هو إس إم شارما (68 عاما) أرمل أيضا. وقد تعرف الاثنان بعضهما على بعض من خلال إحدى وكالات الزواج، وكان الحب من النظرة الأولى هو ما دفع الزوجين إلى الارتباط (على الرغم من ذلك كان شارما ضد إخبار ابنه الوحيد بشأن زواجه من إندوماتي).

يقول ناتوبهال باتي، من منظمة «فينا مولاي أمولاي سيوا» غير الحكومية التي تقدم مثل هذه الخدمات المجانية لكبار السن، إن نصف الزيجات فقط من بين الست والعشرين التي أتمتها الوكالة لقيت مباركة من الأبناء. رغم ذلك شهدت أعداد الإعلانات الزوجية التي سجلها كبار السن على بوابات الزواج ارتفاعا ملحوظا.

وقال غوراف راكشيت، رئيس الأعمال التجارية في «Shaadi.Com» التي تستثمر 10 في المائة من أعمالها في سوق الزواج الثاني «هناك انفتاح متزايد من كبار السن من المواطنين الذين يختارون الزواج الثاني»، بالإضافة إلى تسجيلات شهرية تقدر بـ10.000 تسجيل. وقال «هناك حالة لرجل يبلغ من العمر 73 عاما يرغب في الاقتران بامرأة من العمر تبلغ 63 عاما».

لعل ذلك يدفع إلى التساؤل حول السبب الرئيسي الذي يدفع كبار السن إلى البحث عن شريك حياة في خريف أعمارهم؟

يرى علماء الاجتماع أن هناك تحولا ديموغرافيا مميزا في سكان الهند نظرا لعدد من الأسباب. إن عدد السكان في الهند ممن تخطوا الستين من أعمارهم يبلغ 90 مليون فرد، وهو ما يشكل 8 في المائة من إجمالي عدد السكان الذي تخطى المليار نسمة.

الثاني أن كبار السن لم يعودا كما كانوا في السابق، إذ يتمتعون بحيوية أكبر إضافة إلى أن كبار السن في الهند قبل عقد من الزمن لم يكن يتوقع منهم سوى الاتجاه إلى العبادة والمكوث في المنزل، وكان الكثير منهم يتخلون عن حياة الرفاهية اعتقادا منهم بأنهم أشرفوا على الموت.

لكن الوقت الحاضر بدأ يشهد تغييرا كبيرا في ذلك المعتقد، فيقول رجل ستيني لم يرغب في ذكر اسمه «حسنا، ربما يكون شعري رماديا وجلدي متغضنا قليلا، وماذا في ذلك؟». يقول ستيني آخر «لم أنتفع يوما بامتيازات كبار السن في تذاكر القطارات، ولم أجلس على مقاعد كبار السن في الحافلات، وذلك لأنني لست متقدما في السن».

تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن نسبة كبار السن في الهند الذين تعدوا الستين ستشكل في عام 2050 نسبة 20 في المائة، حيث ارتفع معدل العمر المتوقع عند الولادة بنسبة 60 في المائة خلال العقود الستة الماضية من 42 عاما إلى 69 عاما في 2009.

كان لقاء الزواج الذي نظم في الآونة الأخيرة في دلهي من قبل مؤسسة اجتماعية قد شهد حضور أكثر من 400 أعزب ومطلق وأرمل من مختلف أرجاء البلاد. بيد أن ذلك الاجتماع لم يكن اجتماعا تقليديا، فجميع الحضور كانوا من كبار السن الذين يعيشون الستينات والسبعينات من أعمارهم مع عدد قليل ممن تخطوا الثمانين من العمر، وقد ارتدوا أفخم الثياب، وكان القليلون منهم يسيرون متكئين على عصيهم، يصحبهم أصدقاؤهم وأبناؤهم بل وأحيانا أحفادهم.

تقول ريخا (38 عاما) التي تعمل معلمة، وجاءت برفقة والدها البالغ من العمر 68 عاما «توفيت والدتي قبل ثلاثة أشهر وكان الأمر صدمة للجميع. أصيب والدي بحالة من الاكتئاب لذا أقنعته بالقدوم إلى هذا المعرض، ونأمل أن يحظى بشريكة العمر في هذا الاحتفال».

قواعد المشاركة في اللقاء بسيطة، حيث يقوم الحاضر بدفع رسوم تسجيل تسمح له باللقاء لمدة ساعة مع رفيقة، ثم تأتي بعد ذلك وجبة غداء توثق العلاقات بين الطرفين. ويوجد كاهن هندوسي ومسيحي وشيخ مسلم لإتمام إجراءات الزفاف إذا توافق الطرفان. وتقول شيفاني، المتطوعة مع المنظمة الاجتماعية والتي ساعدت مئات من كبار السن في الهند على إيجاد رفيق العمر المناسب خلال السنوات الخمس الأخيرة «بدلا من التوجه إلى دور المسنين نحن نشجع المواطنين على الزواج وقضاء أعوامهم الأخيرة من حياتهم في سعادة مع رفيق».

ويشير باتيل إلى أن نصيحة المنظمة للمسنين تأتي من منطلق براغماتي «فنحن نطلب منهم عدم التسرع في اتخاذ القرار وقضاء وقت بعضهم مع بعض عبر الخروج لمشاهدة الأفلام السينمائية أو الذهاب إلى المطاعم. ودائما ما ننصحهم بالتمهل والروية في اتخاذ القرار». ولتشجيع المزيد من النساء على حضور تجمعات الزواج قامت المنظمة بإضافة بعض الحوافز - يقدم «ساري» جميل لكل مشاركة إلى جانب تسديد ثمن تذكرة القطار والانتقالات المحلية. وتقول براكريتي بجاج (61 عاما) «لكوني مطلقة أعرف صعوبة النظرة إلى المرأة في المجتمع الهندي، والتي تعد السبب الرئيسي وراء إحجام الكثيرين عن المشاركة في مثل هذه المبادرات، بيد أنني أجد هذه اللقاءات أكثر موثوقية مقارنة بإعلانات الزواج، حيث تزداد احتمالات الاحتيال فيها». بالنسبة للآخرين فإن الزواج يعني البحث عن أم حانية لأبنائهم، فيقول كيشوبهاي شاه، رجل الأعمال «لا أرغب في شخص يؤنس وحدتي بقدر ما أرغب قي شخص يعتني بابنتي التي تبلغ السابعة عشرة وتحتاج إلى توجيهات الأم».

هذا التحول الديموغرافي الكبير، كما يرى الأطباء، نتيجة تراكمية للنهضة الصحية، والحياة الرغدة وارتفاع متوسط العمر.

منظمة «هلب إيدج» غير الحكومية التي تعمل في مجال رعاية كبار السن قامت بمسح لمواقع الزواج لدارسة الأفراد المسجلين في إعلانات الزواج، فوجدت أن 12 في المائة من بين المسجلين في 14 موقعا للزواج تخطوا الخمسين، وأن أكثر من نصف هؤلاء تخطوا حاجز الستين.

يقول أحد مسؤولي منظمة «هلب إيدج إنديا»: «يعكس هذا التوجه عدم نزوع البعض إلى الاعتقاد بأن الحياة تتوقف بعد الستين».

الكثير من المشاهير في الهند ساروا على الدرب نفسه، فعدد من مشاهير بوليوود تزوجوا للمرة الثانية والثالثة. فلقيت الزيجة الرابعة للممثل التاميلي الشهير جيميني غانيسان (79 عاما) ترحيبا كبيرا من عشاقه، وكذلك كانت ملكة التجميل بالأعشاب شاهناز حسين قد تخطت عتبة الستين عندما تزوجت للمرة الثانية بعد وفاة زوجها.

ويقول ساليش مشرا، الرئيس المؤسس لمؤسسة «سيلفر إننغز» التي تعنى بوضع تقارير خاصة بكبار السن في الحالات التي تكون فيها معارضة الأولاد لزواج آبائهم نابعة من أمور خاصة بالإرث «جمعنا في الآونة الأخيرة بين زوجين، راميش دوديا سمسار عقارات مقيم في مومباي يبلغ من العمر 60 عاما، وراما (50 عاما) مقاولة إنشاءات هجرها زوجها قبل 20 عاما. قرر راميش عدم إخبار أبنائه الثلاثة الذين يعيش معهم حاليا، واشترى منزلا جديدا في مومباي وسيفصح عن زواجه عندما يكتمل المنزل الجديد حتى يتمكن من الانتقال إليه في حال معارضة الأبناء. وقد وقع الزوجان شهادة خطية في المحكمة توثق علاقتهما.

ووفق البحث الذي أعده «بهارات ماتريموني» أحد أبرز مواقع إعلانات الزواج، فإن 1500 إعلان زواج من بين 3750 وضعت على الموقع خلال العام الأخير للأشخاص الذين تخطوا الخمسين من العمر وضعها أبناؤهم. وهو ما يؤكد على أن الحياة تبدأ بعد الستين من العمر.