الجزيرة العربية بين القديم والحديث في عالم الفنان جورج لويس

عبر معرض «الجزيرة العربية.. ما خلف المرئي»

جورج لويس (تصوير: حاتم عويضة)
TT

عالم المصور والفنان جورج لويس يبدو واضح المعالم والحدود، هو عالم ثنائي الألوان.. الأبيض والأسود يلتقيان في صوره ولوحاته ويخلقان تصورا للجزيرة العربية بعيون فنان بريطاني.

يركز لويس في لوحاته التي يقدمها عبر معرض «الجزيرة العربية.. ما خلف المرئي» في متحف غاليري بوسط لندن غدا الأربعاء على التضاد بين الألوان وبين العوالم القديمة والحديثة والتضاد بين المدنية والحضارة وما بين التراث والبداوة.

قضى لويس ثلاثة أعوام في الرحلات عبر دول الخليج العربي والشرق الأوسط وخرج من رحلاته بصورة حية وغنية بالتناقضات والمتغيرات. فالأصل في لوحات لويس هم الأشخاص الذين يبدون مظللين في الغالب وينشغلون بركوب الخيل أو ترويض الجمال أو ممارسة رياضة المشي أو حتى نجدهم يقفون متأملين من بعد الأضواء المنبعثة من آبار البترول في الأفق البعيد. بالنسبة للويس التضاد الذي يوحيه اللونان الأبيض والأسود يساعده على التأكيد على رسالته كما أنه يمنح اللوحة تأثيرا بصريا ممتعا.

ويقول لويس في تقديمه لدليل المعرض «أنا مفتون بالعلاقة بين القديم والحديث في هذا الجزء من العالم وأيضا بين الطبيعة والعمران».

الافتتان بين القديم والحديث يجسده لويس أيضا عبر استخدام أبيات من الشعر العربي القديم داخل لوحاته ما يمنح نظرته للمشهد العربي بعدا جديدا. وكان من الطبيعي سؤال لويس عما إذا كان يجيد اللغة العربية فكانت إجابته «أنا أتعلم اللغة العربية الآن على يد د.أكرم حمدان أستاذ اللغة العربية وآدابها». ويشير لويس إلى أن فهمه للتراث الإسلامي يعود إلى د.حمدان الذي يقول بدوره إن لويس «هو أحد الفنانين المتميزين الذين نجحوا في تسجيل لمحات من الروح الشرقية».

ويجيب لويس على سؤال عن بداية عشقه للعالم العربي قائلا «أعتقد أن ذلك بدأ بداية غير متوقعة أو محسوبة. فأنا أحب السفر وعندما زرت الأردن بتكليف من الأمير الحسن للإشراف على ديكورات قصره في بترا كانت لدي فرصة للعمل بالخامات المحلية فكنت أمزج رمال بترا مع الألوان الزيتية لرسم لوحاتي. ثم تلت ذلك زيارة لعمان حيث عرضت بعض لوحاتي وكانت تلك بداية علاقتي مع الجزيرة العربية منذ ثلاثة أعوام ولم أنظر بعدها للخلف».

لوحات لويس تحمل عناوين مثل «فروسية» و«الخلود» و«فلك» و«عالمية الحضارة»، كلها عناوين تشير إلى نظرة عميقة في تفاعلات الحضارة الحديثة مع مجتمع الجزيرة العربية الذي تسبب ظهور النفط في تغييرات جذرية في حياته، وأصبحت المقارنة هنا بين الجديد الذي قدم مع النفط وبين القديم الذي عاشت فيه شعوب المنطقة ولا تريد التنازل عنه.

يقول لويس خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»: «رؤيتي للعالم الإسلامي حديثة وخارجية، وهذا يساعد في بعض الأحيان، فعيني لم تتعود على الحياة في هذا العالم، وبالتالي فالصورة لدي لا تشوبها أي خلفيات وتمكنني من النظر إلى المشهد العام من دون تحيز».

يرى لويس أن لوحاته قد تمكنه من إقامة بعض الجسور مع الجمهور الغربي، ويضيف «كلما قمت بعرض لوحاتي على الناس استطعت كسر بعض المفاهيم المتحيزة.. أعتقد أنني أقوم برحلة وأريد أن أدعو الناس لمشاركتي رحلتي».

من اللوحات التي يقدمها لويس في معرضه لوحة «الخلود» التي تؤكد أن بعض الأشياء في حياتنا تتحدى الزمن.. فعبر كثبان الرمال الشاسعة في اللوحة نرى على البعد قباب ومنارات مسجد الشيخ زايد تظهر بشموخ. ويعلق لويس على اللوحة بقوله «رمال الزمن قد تدفن كل شيء إلا تلك الأشياء القريبة إلى نفوسنا».

ومن مسجد الشيخ زايد بقبابه البيضاء ننتقل إلى لوحة نرى فيها الفارس والحصان الذي يثير الرمال في الصحراء ويعدو في طريقه تاركا خلفه غلالة من الرمال نلمح من خلالها المباني الحديثة في أفق مدينة دبي.

ونلمح من لوحات لويس عشقا خاصا للجواد العربي وهو ما يؤكده الفنان قائلا «أنا مهتم جدا بالجواد العربي فهو يتمتع بجلال خاص ومجرد رسمه يعتبر حلما جماليا لكل فنان».

في لوحة «الإيمان» نرى عائلة صغيرة أبا وأما وطفلا، لا نرى ملامحهم ولكن نرى أشباحهم تنعكس على خلفية من الأضواء القوية تتصاعد من الأفق البعيد، يقول لويس «قد يقول البعض إن النيران المنبعثة هي من آبار البترول وبالتالي ستفهم اللوحة على أنها نقد للحضارة العربية الحديثة القائمة على البترول، ولكني أريد أن أقول في هذه اللوحة إن المشهد يعبر عن الإيمان بمستقبل أفضل».

- معرض جورج لويس «الجزيرة العربية.. ما خلف المرئي» يقام في متحف غاليري بلندن من 2 - 18 يونيو (حزيران) الحالي