بيوت الإبداع ظاهرة تستهوي رجال الأعمال

ظهرت على ساحل البحر الأحمر وتتجه إلى شواطئ المتوسط

TT

اشترى رجل أعمال أربعة أفدنة على ساحل البحر في منطقة باجوش على البحر المتوسط شمال غربي القاهرة. وقرر استقطاع ألف متر منها لتخصيصها كمركز أدبي وإبداعي ينفق عليه من ماله الخاص، «خدمة للمبدعين من شعراء وكتاب»، كما قال. وبدأت ظاهرة اهتمام رجال الأعمال تنتشر بمنطقة الشرق الأوسط بالشعر والأدب والابتكار أيضا. وبعد عقود من رعاية الحكومات لمثل هذه الأنشطة الإنسانية، وما يكتنفها عادة من بيروقراطية ومحاباة، بدأت تظهر بين حين وآخر مشروعات من هذا القبيل تشرف عليها شركات من القطاع الخاص، يقدم بعضها جوائز سنوية، وبعضها الآخر يتكفل بإقامة المبدع، أيا كان مجال إبداعه، لإنجاز مشروع محدد في وقت يتراوح بين شهر وثلاثة أشهر.

والمحافل القائمة بالفعل في هذا المجال، ومن بينها مكتبة الجونة، أو «بيت كتاب الجونة»، على ساحل البحر الأحمر، تضع شروطا صارمة لاستقبال أي من الأدباء والمبدعين، خصوصا أنها تقدم إقامة مجانية كاملة لضيوفها. والظاهرة في مصر ما زالت تقتصر على أصحاب مشروعات ذات طابع سياحي رغم وجود بعض المسابقات الأدبية التي تنظمها مؤسسات تابعة لرجال أعمال أيضا في القاهرة والإسكندرية، وبعض المحافظات الأخرى. ولفتت بعض المراكز التابعة لمؤسسات خاصة الأنظار إليها باستضافتها عددا من مؤلفي الكتب التي يعتبرونها «جديرة بالاعتبار»، ويقول رجال الأعمال إن هذا النشاط يأتي في إطار المسؤولية الاجتماعية، لكنّ منتقدين سياسيين لهم يرون في اهتمام رجال الأعمال محاولة لتجميل صورهم أمام الرأي العام، مثل التجربة التي قام بها عدد منهم في مجال الإعلام سواء بتأسيس قنوات فضائية أو صحف خاصة.

وبعد تجربة ساقية الصاوي في قلب القاهرة، التي تعنى بالفنون والآداب بشكل عام، أصبحت مكتبة الجونة أول مركز يقام خارج العاصمة المصرية يعنى بالمبدعين، ليس في مصر والمنطقة العربية فحسب، بل في كل دول العالم، وفقا لشروط معينة، سواء في ما يتعلق بمناقشة بعض الكتب أو من خلال توفير الإقامة للمبدعين بعد أن يتقدموا بطبيعة الموضوعات التي يريدون إنجازها. ويسعى عدد من ملاك قرى الساحل الشمالي الغربي في مصر لتخصيص أماكن للأدباء، كما كانت تفعل عدة مقاهٍ في القاهرة إبان ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي. ويقول محمد الزهري صاحب المشروع السياحي في باجوش، الذي يسعى لتأسيس مكتبة مثل مكتبة الجونة باسم «المعري»، إن إلحاق مكان للفنانين يعطي للموقع ثقلا ووزنا.

وفكرة تبني مؤسسات ثقافية تابعة للقطاع الخاص بعض المبدعين موجودة في الكثير من البلدان الأوروبية والآسيوية، وكانت موجودة في دول عربية لكن تحت إشراف الحكومات وأجهزة الثقافة فيها، مثل منح التفرغ للكتابة وغيرها، كما أسست بعض الشخصيات الثقافية والاعتبارية العامة جوائز باسمها في مصر وبلدان عربية أخرى. ومع تزايد فرص القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية والسياسية، خصوصا في مصر خلال السنوات العشرين الماضية، بدأ البعض من رجال الأعمال في تأسيس جمعيات خيرية وثقافية، إلى أن ظهرت مشروعات متخصصة في العناية بالأدباء والفنانين.

وأطلقت تجربة «بيت كتاب الجونة» مطلع هذا العام، وأعلنت عن دورتها الثالثة خلال هذا الشهر، وقدمت هذه التجربة ثلاث دورات، في فبراير (شباط) ومايو (أيار) ويونيو (حزيران) الجاري، وتجري في كل دورة الاستضافة المجانية لمدة شهر لعدد من الكتاب للعمل على إنجاز مشاريعهم الأدبية. ويعتبر طارق دانيش، أحد المسؤولين في شركة القطاع الخاص المطلقة للمشروع، أن برنامج «بيت كتاب الجونة» لهذا العام هو الأول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الذي يقدم مثل هذا المنبر الثقافي والبيئة الملهمة للكتّاب الموهوبين، ليختبروا فرصا فريدة وثقافات متنوعة. وتخطط الشركة لتمديد البرنامج إلى عام 2011 وربما إلى أعوام أخرى.

ومن الكتب التي جرى تنظيم حفل لتوقيعها من جانب مؤلفيها، كان كتاب «رحلة سرية» للدكتور زاهي حواس، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر. ورغم بعد المسافة بين الجونة والقاهرة فإن عددا من الشخصيات الأدبية والسياسية والاقتصادية ممن يقيمون في الجونة تجمعوا في حفل التوقيع الشهر الماضي، حيث امتلأ فضاء الجونة بأحاديث عن أهمية الكتاب وعن تاريخ الحضارة المصرية التي يتحدث عنها كتاب الدكتور حواس، وخبرته مع علم المصريات التي جاءت في أربعمائة صفحة مزودة بصور للمصور العالمي ساندرو فانيني.

ويتسابق عدد من الأدباء على الفوز بالإقامة في «بيت كتاب الجونة» في دورته الحالية أو في الدورات اللاحقة عن طريق ملء استمارة يمكن الحصول عليها من موقع الجونة (www.elgouna.com)، ويتم الاختيار عن طريق مجلس أمناء يتكون من أدباء ونقاد، وفق معايير، من بينها سابقة الأعمال والجدية وإتقان اللغة الإنجليزية أو الفرنسية. ويقول عمر الحلبي، أحد المسؤولين عن الجونة، إن المكتبة هنا أقيمت لتكون مركزا ثقافيا لمجتمع الجونة، وكذا كنافذة للأعمال الأدبية سواء على الصعيد المحلي أو العربي أو الدولي. وكانت الكاتبة البريطانية خديجة إبراهيم من بين من أقاموا في «بيت كتاب الجونة» في دورته الأخيرة، ووصفت فترة إقامتها هناك بأنها كانت تجربة ناجحة ومفيدة.. «هذه البيئة المسالمة كانت مصدر إلهام لي، وقد ساعدتني على إنتاج نوعية جيدة من الأعمال».

وبعيدا عن البحر الأحمر، تسعى بعض المشروعات السياحية والعقارية والإعلامية المملوكة للقطاع الخاص لإقامة مراكز ثقافية أخرى في الساحل الشمالي والإسكندرية ومرسى مطروح على البحر المتوسط، مثل المشروع الذي يسعى رجل أعمال لإقامته على شاطئ باجوش.