سعوديون يتحاورون على طريقة اتحاد جامعة أكسفورد لتجاوز «صراع الديكة»

يناقش أعضاؤه قضايا «العملة الخليجية» و«التسلح النووي» برؤية شابة

أعضاء من نادي المناظرات السعودي مع تيم سيباستيان مدير ومقدم مناظرات الدوحة («الشرق الأوسط»)
TT

بعيدا عن «صراع الديكة» واقترابا من القضايا المعاصرة، يسير جامعيون سعوديون على خطى المناظرات التي ينظمها اتحاد أكسفورد البريطاني، الذي تجاوز عمره 187 عاما، استطاع فيها استقطاب أهم شخصيات العالم للمشاركة في مناظراته، مثل تشرشل، الأم تريزا، جيمي كارتر، نيكسون، برويز مشرف، ريغان، هنري كيسنجر، وغيرهم. وهو ما يشعل حماسة الشباب السعودي للتحاور على طريقة أبرز شخصيات التاريخ المعاصر، وذلك من خلال أول تكتل طلابي سعودي من نوعه يحمل عنوان «نادي المناظرات»، وتحتضنه جامعة اليمامة في الرياض.

هذه التجربة الوليدة تنسجم مع توقيع اتفاقية تجمع بين جامعة اليمامة وجامعة أكسفورد، لتقديم الدعم اللوجستي لنادي المناظرات السعودي، كي يصبح بمثابة «التوأمة» من تجربة نادي المناظرات البريطاني، الذي كانت قد ترأسته في وقت سابق السياسية الباكستانية الراحلة بي نظير بوتو.

وهنا، يقول أسعد الأسعد، رئيس نادي المناظرات السعودي: «هو بالأساس يستوحي شكله وأسلوبه من المناظرات التي ينظمها اتحاد أكسفورد، وهو نادي المناظرات العريق في جامعة أكسفورد الذي يبلغ من العمر ما يقارب القرنين من السنين».

النادي السعودي الذي لم يتجاوز عمره العامين، يضم حتى اليوم نحو 80 طالبا جامعيا، يتأهبون شهريا لمناقشة الموضوعات الساخنة برؤى شابة، ومقارعة الحجة بالحجة، كجدوى التسلح النووي وقضية الاختلاط وموضوع العملة الخليجية الموحدة وغيرها، وقد شاركوا مؤخرا في محاورة نظرائهم بالخارج، وتمثيل السعودية في أكثر من دولة.

ويحكي الأسعد، وهو مهندس هذه الفكرة، قصة البداية لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «لاحظت لدى الطلاب ميلا واضحا ورغبة بالمشاركة في مثل هذه النشاطات، إلا أن المشكلة برزت في محاكاة الطلاب للنماذج المتاحة لهم على الفضائيات التي لا تقدم في مجملها سوى عرض لـ(صراع الديكة)، حيث يتعالى الصراخ ويرد على السؤال بسؤال ويضيع المشاهد بين طرفين لا يملك أي منهما في أغلب الأحيان سوى الإثارة». ويضيف: «بحثت عن نموذج يمكن للطلاب أن يتبعوه وأن يتعلموا منه أصول الحوار وعرض الأفكار بطرق منطقية واضحة ومدعمة بالحجج والأمثلة الصحيحة التي تسعى لإقناع المشاهد. وقد وجدت ضالتي في مناظرات الدوحة التي تنظمها وترعاها - بالشراكة مع تلفزيون «بي بي سي» - مؤسسة قطر التعليمية»، ويؤكد أن الطلاب انتقلوا عندها لمرحلة جديدة.

ماذا حدث لاحقا؟، هنا يقول الأسعد: «من أهم التطورات التي حصلت نتيجة نجاح هذه الفكرة هي موافقة الجامعة على تدريس المناظرات كأحد المقررات الأكاديمية غير التخصصية، فأنا الآن أقوم بتدريس المناظرات لطلاب يختارون مادة المناظرات كمادة أكاديمية غير تخصصية ضمن برامج دراستهم الأكاديمية، مما يدعوني للاعتزاز بهذه التجربة الناجحة، كوننا على ما أعتقد أول جامعة تدرس المناظرات في مقرر أكاديمي».

وعن أبرز القضايا التي ناقشها هواة المناظرات، يقول: «قضايانا هي القضايا التي تهم جيل الشباب الأكاديمي عموما وعلى مختلف الأصعدة. فقد طرحنا مواضيع تتعلق بالاقتصاد مثلا كموضوع العملة الخليجية الموحدة وأخرى ذات طابع سياسي ثقافي كما جاء في مناظرة الطلاب حول موضوع صورة العرب والمسلمين في الغرب ومن هو المسؤول عن تلك الصورة المشوهة».

وتحت سؤال: من هو المسؤول عن التحديات التي يواجهها الشباب السعودي حاليا؟ ناقش أعضاء النادي عدة تساؤلات ترتبط بهذه التحديات، كما يوضح الأسعد، منها: «هل الشباب هم الذين يقفون عاجزين عن مواجهة تلك التحديات، أم أنها مسؤولية المجتمع الذي قصر بحقهم فلم يقدم لهم ما يحتاجونه من أدوات وفرص وعاملهم على أنهم فئة في المجتمع ينبغي محاصرتها كونهم (عزاب) ويشكلون خطرا على العائلات». ويتابع الأسعد قائلا: «هناك كثير من المواضيع والقضايا كموضوع جدوى التسلح النووي (على خلفية الأزمة الإيرانية) وموضوع الاختلاط ومواضيع أخرى».

وكان أعضاء نادي المناظرات قد شاركوا مؤخرا في مناظرة مع طلاب جامعة كارنيغي ميلون في الدوحة بدعوة من مناظرات قطر، كما شاركوا في مسابقة الخطابة التي تنظمها مجموعة عمل البيئة الإماراتية في دبي التي تدور حول نشر التوعية بالقضايا البيئية الإقليمية والعالمية، وقد حقق فريق طالبات اليمامة في مشاركته في العام الماضي الترتيب الأول على كافة الفرق المشاركة من عدد من جامعات دول مجلس التعاون الخليجي.

وعن انعكاس المشاركات الخارجية والاحتكاك بالطلاب والجامعات الأجنبية على صورة الشباب السعودي، يقول الأسعد: «وجود ناد للمناظرات كانت بحد ذاتها ذات أثر ايجابي كبير ومحط تقدير واحترام للتطور التعليمي الكبير الذي تشهده المملكة حاليا بلغ إلى حد دفع صحيفة (كريسشان ساينس مونيتور)، وهي من أهم وأعرق الصحف الأميركية، للاهتمام بالنادي والكتابة عنه. كما حاز الطلاب والطالبات الإعجاب والتقدير من الجامعة التي شاركوا فيها بتلك النشاطات الخارجية وذلك لمهاراتهم ودأبهم على التمكن من فن المناظرة والحوار وأعطوا أفضل الصور عن جيل سعودي جديد».

وعلى الرغم من الإنجازات التي حققها النادي في فترة قصيرة، فقد بقيت أمنية داخل رئيس النادي، يفصح عنها بقوله: «أتمنى أن نرى قريبا نوادي مشابهة في الجامعات والكليات السعودية بحيث يمكن لنا أن ننظم مناظرات فيما بيننا وأن يكون هناك دوري للمناظرات على غرار بطولة العالم للمناظرات لطلاب الجامعات، وأتمنى أن يكون لدينا فريق سعودي وطني يشارك في تلك البطولة ليقدم الصورة الحقيقية، البعيدة عن النمطية التي يعاملنا بها العالم».

يذكر أن أهداف نادي المناظرات تتضمن: تأهيل الطلاب ليكونوا قادرين على عرض أفكارهم وآرائهم بطريقة علمية منهجية بعيدة عن الشحن العاطفي، بالإضافة إلى التدرب على حسن الاستماع والإصغاء ليكون هناك مجال للتواصل الفكري الحقيقي بين الأطراف المتحاورة. وهنا يعود رئيس النادي للقول: «التحدي الأكبر في هذا العصر هو تحدي إثبات الذات بقوة الفكر والحجة وليس بالصراخ أو التباكي واستجداء العواطف الفارغة».