قرن من الصحافة اللبنانية «يوثق في وسط بيروت»

مختارات من صفحات الصحف الأولى تختصر أحداث مائة عام

معرض «قرن من الصحافة في لبنان: 1858-1958» في وسط بيروت
TT

«أسوأ ما في الصحافة أنها تكتب على الورق، وعلى الورق تطبع.. فهي إذن فانية المادة، ولو تسامت الأقوال والأفكار. حتى إن واحدنا يستغرب باستمرار كيف تبقى الأفكار وتستمر الصور في الذاكرة حتى لا يبقى من الجريدة أو المجلة غير وريقات بالية ممزقة مصفرة كلما أكثر واحدنا ملامستها، أزال من عمرها..». هي كلمات للصحافي والكاتب اللبناني غسان تويني في جريدة «المعرض» في عددها الأول في أغسطس (آب) 1921 حين كتب مثمنا الخطوة التي قام بها ابن صاحب الصحيفة ميشال زكور بلملمة أعدادها السابقة وتأليف مجموعة كاملة لسبع عشرة سنة وأودعها في مكتبة معهد العالم العربي في باريس في غياب مكتبة وطنية في لبنان كان يجب أن تكون هي المرجع. واليوم، وفي عام 2010، ها هو التاريخ يعيد نفسه. الكلمات عينها تحولت إلى وريقات بالية مصفرة علقت على أعمدة معرض «قرن من الصحافة في لبنان: 1858-1958» في وسط بيروت لتكون شاهدة إلى جانب أخبار أخرى اقتطفت من ذاك الزمن لترسم صورة شاملة عن الواقع الصحافي اللبناني وما تعكسه سطور المقالات من واقع سياسي واجتماعي عربي ودولي.

ولأن صحافة هذا القرن جمعت بين عهود مختلفة، فكان لكل حقبة لون محدد من خلال الأعمدة التي شكلت جدرانا للصحافة اللبنانية، فكان الداكن للعهد العثماني والأصفر للمتصرفية والأزرق للانتداب والأبيض للاستقلال.

هنا تنتصب أولى صفحات جريدة «بستان الزجل» الصادرة في 4 ديسمبر (كانون الأول) 1954 لتكون همزة وصل بين لبنان المقيم ولبنان المهجر، عاكسة عصر الزجل الذهبي. وهناك يعلو «مانشيت» صحيفة «الجريدة» في عام 1953 خبر «إنذار من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة». وعلى صعيد العلاقات اللبنانية - السورية، فثمة خبر يقول إن «الحكومة أوفدت كتابا إلى وزارة الخارجية السورية يطلب فتح المفاوضات الاقتصادية بين البلدين».

أما الوضع الاجتماعي لذاك العصر فتجهر به «صوت الشعب» في عددها الصادر في 14 مايو (أيار) 1939 عبر كلمة الصحافي فرج الله الحلو الذي يكتب مقالا يحمل عنوان «لا تحاولوا حل قضية السواقين بالخضوع للشركات». وفي الجريدة نفسها يلفتك عنوان «بعد استقالة ليتفينوف، الاتحاد السوفياتي لا يزال سائرا على سياسة السلامة المشتركة التي حددها ستالين».

وعلى عمود آخر، وبعد التمعن بكلمات جبران تويني في العدد الأول من جريدة «النهار» في عام 1933 التي كتبها تحت عنوان «ماذا تنتظر البلاد من العميد الجديد؟»، يكتشف القارئ هذا التاريخ الذي لا يزال يتكرر بعد عشرات السنين. فها هو يقول، بعد استقالة رئيس الجمهورية شارل دباس: «إن سورية ولبنان ينتظران من العميد الجديد (سياسة إنقاذ) سريعة، فالبلاد على حافة الهاوية. الإفلاس يهددها في اقتصادياتها والغموض يهددها في كيانها وإذا لم يكن العلاج سريعا ناجعا تعوذنا بالله من سوء المصير».

هي أخبار متنوعة اجتمعت لتعكس قرنا من الصحافة المكتوبة اللبنانية بما تضمنه من فن الإعلانات الذي كان يخطو أولى خطواته وواكب الصحافة المكتوبة منذ عام 1913 حين صدر أول إعلان في جريدة «لسان الحال»، إضافة إلى الصحافة الكاريكاتورية التي تركت بصمة لافتة آنذاك حين كان السباق على أشده بين عدد لا بأس به من الصحف. وتأتي صورة كاريكاتورية على صفحة جريدة «الدبور» الساخرة لتمثل نموذجا عما كان عليه هذا الفن، إذ يأتي تصريح رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي بـ«أن الحكم في لبنان عبارة عن كبسة زر» ليكون تحت مساءلة رئيس الحكومة آنذاك عبد الله اليافي الذي يرد عليه مستفسرا: «أمر عجيب.. منذ أن أتيت إلى السرايا الحكومية وأنا أكبس على هذا الزر لكن لا أحد يرد».

هي نماذج بسيطة من أخبار وحكايات سياسية واجتماعية خلال قرن من الزمن جمعت من محفوظات المكتبة الوطنية اللبنانية بعدما تم تصوير الصفحات الأولى للصحف المتوافرة في مخازنها وفي مخازن المؤسسة اللبنانية للمحفوظات، تصويرا فنيا متقنا، لتعرض اليوم في معرض واحد موثقة «سيرة ذاتية» عن الصحافة اللبنانية وكتابات أربابها الذين لمعت أسماؤهم وكانوا من الأوائل الذين أسسوا صحفا عربية. فها هو أحد الملصقات يقول «إن اللبنانيين كانوا سباقين إلى إصدار الصحف في العالم العربي». وكانت ولادة الصحافة على يد خليل الخوري عام 1858 حين أصدر (جورنال) «الأخبار» (أول صحيفة عربية يصدرها عربي في بلد عربي)، لتأتي ملصقات أخرى تلقي الضوء على هذا التاريخ الصحافي على امتداد قرن من الزمن شهد لبنان خلاله الحكم العثماني والانتداب الفرنسي إلى أن وصل إلى مرحلة الاستقلال.