حيوانات الصحراء تقفز وتتمطى وتكشر عن أنيابها في لوحات مارك أدلينغتون

في معرض «الحياة البرية في الجزيرة العربية» في لندن

مارك أدلينغتون في الاستوديو (تصوير حاتم عويضة)
TT

صحراء الجزيرة العربية حادة وشاقة وتحمل المتناقضات، شمسها قاسية وجمالها حاد والحياة فيها تمنح أسرارها لمن يعشقها ويتأقلم معها وتمنعها عمن يتعالى عليها ولا يستسلم لشروطها. للعيش فيها تضطر الحيوانات إلى أن تلبس جو الصحراء بحيث تحمل كل صفاتها من القسوة والشراسة والجمال الحاد. وفي هذا الإطار تصبح مهمة أي فنان يحاول تعقب الحيوانات في بيئتها الطبيعية لنقلها على الورق صعبة جدا، وتتطلب قدرا كبيرا من الصبر والجلد وهو ما تطلبه الصحراء دائما من قاطنيها.

مارك أدلينغتون فنان بريطاني تخصص في رسم الحيوانات ويقيم في 24 يونيو (حزيران) الحالي معرضه حول الحياة البرية في الجزيرة العربية في غاليري جون مارتن بلندن، وقام بإعداد كتاب متكامل ضمنه كل الرسومات التي ستعرض.

يقول أدلينغتون أن فن رسم الحيوانات هو فن تأثر كثيرا بالتصوير الفوتوغرافي «في حالة الفنان المتخصص في رسم الحيوانات أصبحت الصورة الفوتوغرافية إغراء قاتلا، فتحولت تجربة الإنسان مع الحيوانات إلى صفحات مسطحة تقليدية تقدم معلومات مكررة». وربما يعتبر البعض هذا الرأي حاد في نقده لوسائل التكنولوجيا الحديثة ولكن من يشاهد اللوحات والرسومات التي نفذها أدلينغتون لدى زيارته للشارقة وعمان يستطيع أن يلمح الحماس المتوقد وتأثير البيئة الحية على مخيلة الفنان فالحيوانات في لوحاته تتقافز وتكشر عن أنيابها وتسترخي بشكل عفوي وتلقائي قلما نراه في اللقطات الفوتوغرافية.

وكان لا بد من سؤال أدلينغتون هنا عما إذا كان موقفه هذا منعه من الاستعانة بالصور الفوتوغرافية لرسم الحيوانات، يقول «لم أحتج للصور ولكني اعتدت على التقاط بعض الأفلام القصيرة للحيوانات إذ احتجت للتدقيق في بعض الحركات، والكاميرا التي أحملها من النوع البسيط، ليست بها كل الخواص المتقدمة».

وإن كانت الصحراء هي البطل الأول أو الخلفية التي تستمد لوحات أدلينغتون منها قوتها فهي أيضا قد أثرت على طريقة عمله بطريقة وجدها غير معتادة فيقول إن تأثير أشعة الشمس على الألوان المائية كان مدهشا، فوجد أن الألوان تجف بسرعة بتأثير الشمس الحارقة وتخلق عبر ذلك تمويجات خاصة وتأثيرا مختلفا لا يحدث عند استخدام تلك الألوان في الجو البارد.

ويشير أدلينغتون إلى أن عمله في الصحراء وقيامه بالرسم مباشرة من الطبيعة قد وفر له عامل العفوية، خاصة أن تلك الحيوانات ليست معتادة على الوجود البشري، وبالتالي فإن أي رسم لها يحمل معه انطباعات حية ومباشرة.

أدلينغتون الذي قضى في الصحراء 11 شهرا على مدار 5 سنوات بدعم وتشجيع مركز الشارقة لتكاثر الحياة البرية المهددة بالانقراض ملأ نحو 20 كراسا للرسم واستمد الكثير من معلوماته من الأطباء والعلماء والبيطريين وخبرتهم في المجال.

الحديث مع أدلينغتون يطول ويتشعب من أنواع الحيوانات التي صادفها أو الظروف التي عمل بها، يتحدث بحماسة وسرعة، ويستعين برسوم ولوحات وصور رسمها خلال إقامته في الصحراء ويتحرك بخفة بين أرجاء الاستوديو الخاص به يبحث بين لوحاته عن لوحة ما أو صورة معينة توقف عندها الحديث.

يقول إن فكرة إعداد كتاب حول الحياة البرية في الجزيرة العربية بدأ بطلب من جون مارتن صاحب غاليري جون مارتن ومتعهد أعمال أدلينغتون بأن يرسم بضع لوحات تصور الجمل العربي ولكن الفكرة تحولت وتطورت بعد ذلك عبر اتصال مع معهد الشارقة وعندما اطلع مسؤولو المركز على أعمال أدلينغتون السابقة طلبوا منه أن يقوم بزيارة المركز، ومن هنا بدأت فكرة إعداد كتاب متكامل عن الحيوانات البرية في المنطقة.

يقول أدلينغتون إن الحيوانات في الصحراء تختلف عما يمكن أن تشاهده في الأفلام التي تدور حول الحياة البرية «فهي تعيش في محيط شاسع، إنها حيوانات نادرة ومن الصعب رؤية مثيلاتها في أماكن أخرى».

كيف يمكن للفنان أن يتعامل مع تلك الحيوانات؟ سؤال كان لا بد من طرحه تعليقا على ما قاله أدلينغتون بأن الحيوانات البرية لا تبدي سعادتها بوجود غرباء حولها. يقول «بالتأكيد الحيوانات هنا لا تحب رؤية المتطفلين على حريتها، وحتى في مركز الشارقة للتكاثر فالحيوانات معتادة على قدر من العزلة فالمركز ليس مفتوحا للجمهور. ولهذا فإنك يجب أن تنتظر لبعض الوقت لكسب ثقة تلك الحيوانات». الأمر يتطلب الكثير من الصبر، كما يقول أدلينغتون ولكن الصبر له مردوده المدهش في هذه الحالة، فالحيوانات البرية تعطي الفنان سعادة خاصة فتعبيراتها حية على عكس الحيوانات المستأنسة التي لا تحمل تعبيراتها نفس العفوية.

قضى أدلينغتون 3 سنوات يعمل في مشروعه الضخم الذي طبعه على هيئة كتاب، ولكنه يأمل في الحصول على دعم ليستطيع طباعته وتوزيعه بشكل واسع. «العمل في مثل هذا المشروع يتطلب وقتا طويلا للبحث المستفيض وهو ما لا يعرفه الكثير من الناس» يمضي أدلينغتون في حديثه «البحث وقضاء الوقت الكافي للتعرف على الحيوان هو ما ساعدني عليه العاملون في المركز». المعرض رغم أهمية وجوده في لندن يكتسب طابعا آخر إذا قدر له أن يزور الشارقة «حيث يعرف الناس هذه الحيوانات ولديهم اهتمام خاص بها».

لرسم الحيوانات في محيطها الطبيعي كان لا بد لأدلينغتون أيضا من أن يقوم برحلات في الصحراء لرؤيتها على الطبيعة فهو زار سلطنة عمان والصحراء في الشارقة، ولكنه يتمنى أن يستطيع زيارة السعودية لمتابعة جهود حماية الحياة البرية هناك. ولكن الرحلات في الصحراء قد لا تكون سهلة على شخص بمفرده خاصة إذا كان غريبا عن البلد وهو ما راعاه الفنان «أعرف أنه من الصعب علي القيام بذلك بمفردي، ولهذا فقد حرصت على الانضمام إلى رحلات مع فرق بحث حيث كنا نبحث عن آثار النمر العربي قرب الحدود اليمنية».

اسكتشات أدلينغتون تتناثر في الاستوديو الخاص به في لندن، ومن غرفة إلى غرفة يشير الفنان إلى أعماله ويتحدث بحب عن حيوان الوعل أو الضبع أو الغزال، اللوحات أو الرسومات فيها الكثير من العفوية الساحرة، وكأننا ننظر إلى تلك الحيوانات في بيئتها الأصلية وهي تتنفس وتقفز وتعدو في الصحراء، وكل ما يفصل بيننا هو ستار رقيق. على أرضية إحدى حجرات الاستوديو تنتثر الاسكتشات التي تمثل صغير حيوان النمر، وعبر تلك الرسومات نرى لقطات للنمر الصغير وهو ينام في سلام أو ينظر بدعة وسكون بينما تتدلى إحدى قوائمه. يقول أدلينغتون تعليقا على هذه الصورة «هذا النمر الصغير له حكاية طريفة، فهو قد نقل من الصحراء إلى مركز التكاثر للعناية به، وكان يعيش في منزل أحد البيطريين واستطعت لهذا أن اتتبع حركاته عن قرب ورسمه بشكل مستفيض، وهذه اللوحة بالذات رسمتها عندما تعب الصغير من اللعب في الشمس الحارقة ولاذ بالبيت المكيف الهواء واستلقى على إحدى الأرائك لينام». ويتابع أدلينغتون «و لسوء حظه فقد قرر المختصون أن يعيدوه إلى الأماكن المخصصة للحيوانات في المركز وهي بالطبع غير مكيفة».

ولا يرى أدلينغتون أن التوعية بأهمية الحياة البرية جزء من رسالته، وإن كان يعترف بأن أعماله قد تخلق هذا الوعي بشكل من الأشكال.

- معرض «الحياة البرية في الجزيرة العربية» يقام في غاليري جون مارتن في لندن في الفترة ما بين 24 يونيو إلى 24 يوليو (تموز)