الكرة تدفع ملايين المشجعين العرب إلى الشوارع والمقاهي

اهتمام زائد في غزة.. وقرصنة إلكترونية في السودان.. والجزائر تتوحد سياسيا حول منتخبها.. ومصر تمول إذاعة المباريات

غزة تنظم كأسها لمباريات العالم وتستضيف فرقا من البلاد المتضامنة معها (أ.ف.ب)
TT

أن تجتاح حمى المونديال المجتمعات الغربية وأميركا اللاتينية فإنه ليس بالشيء الغريب، فمعظم المنتخبات الوطنية لهذه الدول تتأهل باستمرار لهذه المنافسات، كما أن أنديتها أصبحت صناعة قائمة بحد ذاتها وتدر عليها مليارات الدولارات.

إلا أن افتقاد العالم العربي لهذه العوامل لم يقلل من حماها في المجتمعات الغربية. حتى قطاع غزة الذي شغل العالم سياسيا خلال الأيام الماضية، قرر الاستمتاع بالمباريات رغم المعاناة اليومية.

وفي الجزائر البلد العربي الوحيد الذي تأهل لهذه المباريات قال الزعيم الإسلامي الجزائري (حركة مجتمع السلم) أبو جرة سلطاني، إن هناك شيئا لا يختلف عليه الجزائريون هو تشجيع منتخبهم المتأهل إلى مونديال جنوب أفريقيا.

ويكاد لا يخلو أي شارع في العاصمة وفي المدن الكبرى، وحتى في القرى والأماكن المعزولة من الأعلام الوطنية التي وضعت فوق المباني الحكومية وفي شرفات المنازل وفوق السيارات. واكتست غالبية عربات النقل العمومي بألوان العلم الجزائري: الأخضر والأحمر والأبيض بدل ألوانها العادية. وغزت ألبسة منتخب كرة القدم أزقة أحياء باب الوادي وبلكور والحراش وكل الأحياء الشعبية من دون استثناء، وأصبح لباس فريق كرة القدم المشارك في المونديال صناعة حقيقية، وتجارة جديدة تدر على أصحابها مالا وفيرا مستفيدين بذلك من ولع الجزائريين بلعبة كرة القدم.

وأكثر ما يلفت الانتباه في «حمى المنتخب الجزائري»، ميلاد مغنيين لم يكن يعرفهم أحد وإنتاج العشرات من الأغاني التي تشجع المنتخب القومي. وشارك ألمع نجوم الأغنية الشبابية أمس في حفل صاخب بالعاصمة، وغنوا جميعهم لـ«الخضراء» أبرزهم الشاب توفيق والشاب طارق وأمين تي تي والشاب عقيل. وحضر التظاهرة الفنية التي تابعها نحو 4 آلاف شخص نجوم الفكاهة. وصدرت أول الأغاني مع فرقة «تورينو ميلانو» التي تعرف شعبية كبيرة، ومن أكثر أغانيها نجاحا «لالجيري بلادي ساكنة في قلبي».

وفي مصر ورغم أن البعض لا يزال في نفسه لوعة وحزن على عدم صعود منتخبهم الكروي، لكن ذلك لن يمنع غالبية المصريين من الالتفاف حول مائدة المونديال، وتحويلها إلى لمة للعائلة والأصدقاء لمشاهدة الحدث الرياضي الأول، سواء في منازلهم أو في المقاهي المنتشرة في أنحاء البلاد.

حب المصريين لكرة القدم دفع وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي لاتخاذ قرار قد يحسن من صورته أمام المصريين باعتباره من وجهة نظرهم السبب في معظم مشكلاتهم سواء مع الضرائب أو حتى تدهور أوضاعهم المالية. ووافق بطرس غالي على طلب أنس الفقي وزير الإعلام بتعزيز موازنة اتحاد الإذاعة والتلفزيون، لتمويل شراء 22 مباراة من مباريات كأس العالم لكرة القدم، لإتاحة فرصة مشاهدتها على قنوات التلفزيون المصري بدون مقابل لجميع المواطنين.

ويبدو أن أزمة مصر والجزائر بفصليها في القاهرة والخرطوم مستمرة، لكن مع الرفض الشعبي لتشجيع الجزائريين، تتصاعد دعوات من كتاب وصحافيين وفنانيين لتشجيع الجزائريين في جنوب أفريقيا، لكن بعيدا عن أزمة مصر والجزائر وتداعياتها على العلاقات بين البلدين، سيحرص السياسيون والوزراء في مصر على متابعة مباريات كأس العالم، ومنهم وزير التنمية الإدارية الدكتور أحمد درويش، الذي يؤكد أنه سيشاهد المباريات.

أما الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية فأكد أنه برغم وجوده في جينيف لحضور اجتماعات مجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للأمم المتحدة الذي سيناقش ملف مصر الحقوقي، فإنه سيشاهد بعض المباريات.

وفي غزة وبعكس كل التوقعات، فإن الحصار الخانق المفروض على القطاع والتطورات السياسية التي أعقبت ما حدث لأسطول الحرية لم تؤثر كثيرا على حماس أهل غزة لمتابعة أحداث مونديال، وهذا ما أدركته حركة حماس التي بادرت إلى تخصيص المراكز المغلقة في خان يونس ليتسنى للجمهور متابعة مباريات المونديال. عبد الغني الشيخ رئيس اللجنة الرياضية في حركة حماس قال إن حركته قامت بهذه المبادرة من خلال حرصها على «توجيه الشباب إلى ما ينفعهم في أوقات الترفيه عن النفس». وأوضح الشيخ أن الهدف من تخصيص مراكز العرض المغلقة هو توفير أجواء مناسبة لطلبة التوجيهي الذين سيبدأون يوم السبت تقديم الامتحانات النهائية، حيث إن إقبال الناس على صالات العرض سيقلص حالة الضوضاء وسيوفر أجواء هادئة للطلاب في البيوت.

وقد استعدت الكثير من المقاهي والاستراحات لتقديم خدماتها للزبائن خلال المونديال عبر نصب شاشات عرض كبيرة. فعلى امتداد شاطئ البحر، حيث تصطف العشرات من الاستراحات، أكمل أصحاب هذه الاستراحات نصب الشاشات التي تجذب المصطافين. خليل دوير صاحب إحدى هذه الاستراحات قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يلاحظ أن هناك إقبالا ملحوظا على الاستراحات هذا الموسم بشكل غير مسبوق. وقد أثرت أجواء المونديال على الجدل بين أهل غزة. في مطعم «الشعب» الذي يقدم وجبات الحمص والفول والفلافل، احتدم الجدل بين أربعة من الزبائن حول التوقعات بشأن الفريق الذي سيفوز بكأس المونديال، مما دفع عددا آخر من الزبائن للانخراط في هذا الجدل.

ويظهر ذلك شغف الفلسطينيين بمتابعة كرة القدم، وهو شغف قديم لكنه اخذ بالتزايد مع انتشار الفضائيات التي راحت تنقل كل لعبة وتدريب وخبر في عالم المستديرة.

وازدانت رام الله بأعلام دول الفرق المشاركة، وعلقت المقاهي والمطاعم شاشات عرض كبيرة. واشترى أولئك الذين لا يفضلون متابعة المباريات في المقاهي بطاقة اشتراك للقنوات الرياضية التي ستنقل حصريا المباريات، والبعض فضل التحايل على المسألة عبر اشتراكات غير قانونية عبر الإنترنت.

وتحظى فرق البرازيل وإيطاليا وإسبانيا والأرجنتين بالتشجيع الأكبر، وقال الصحافي الرياضي يحيى نافع لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الفرق لها مشجعون كثر» ويرى نافع أن الفريق الأكثر تشجيعا في الأراضي الفلسطينية هو البرازيل تليه إيطاليا ومن ثم إسبانيا والأرجنتين.

وأوضح: «البرازيل فريق فقير قريب لحالة الفلسطينيين كما أن جالية كبيرة من الفلسطينيين تعيش هناك، أما إيطاليا فلها مواقف مشرفة مع الفلسطينيين الذين لا ينسون أنها أهدتهم كأس العالم في 82، ولدينا هنا ناشطون إيطاليون كثر، وبالنسبة لإسبانيا، فقد ملكت قلوب الكثيرين نتيجة تعلق الفلسطينيين بفريقي برشلونة وريال مدريد، أما الأرجنتين، فهي تحظى بالإعجاب منذ زمن مارادونا والآن بسبب ميسي». طبعا هناك أسباب أخرى أحيانا، وقالت أميرة: «أحب الطليان لأنهم الأكثر وسامة بصراحة».

ويقول نافع إن جزءا كبيرا من الفلسطينيين سيناصر الفريق الجزائري، وتابع «لهم مواقف مشرفة أيضا مع الفلسطينيين، الكرة هنا أيضا مرتبطة بالسياسة».

ويتبادل الأصدقاء على «فيس بوك» كاريكاتورات وصور للاعبين مشهورين مثل ميسي ورونالدو، ويتراهن هؤلاء على هوية المنتخب الذي سيفوز بالبطولة.

وعقب نافع: «هناك هوس، كرة القدم في فلسطين مناسبة للترويح في ظل الظروف الصعبة والروتينية التي يعيشها الفلسطينيون، ومناسبة أيضا للانتقام». وأردف: «البعض ينتظر هزيمة بريطانيا بسبب وعد بلفور ومواقفها من القضية والبعض ينتظر هزيمة أميركا مثلا». وتخطط بعض البلديات لنصب شاشات عرض كبيرة في ساحات مفتوحة في المدن، وقال أمين عساكرة «لا يمكن أن تصبح كرة القدم للأغنياء فقط، الجزيرة تحولها هكذا».

وفي تونس فقد سارع أصحاب المقاهي والفضاءات التجارية إلى التزود بأحدث أنواع استقبال الإرسال التلفزيوني كما جهزوا فضاءاتهم بأحدث وأفضل أنواع التلفاز واطلعوا على معظم القنوات التي ستبث المباريات الرياضية وثبتوا أجهزتهم عليها. وأصبح الطلب على فنيي إصلاح الأجهزة المختلفة، وأصبح من العادي أن ترى مجموعة من التونسيين فوق أسطح المنازل يتربصون بالأقمار الاصطناعية يحاولون التقاطها بكل السبل. البعض منهم يبحث عن تعليق بالعربية وآخر يبحث ويفضل التعليق باللغة الفرنسية، والقليل فقط لا يهمه لغة التعليق بقدر ما يود الاستمتاع بالمقابلات الرياضية الكبرى.

وقال محمد علي الحزامي، صاحب مقهى بأحد الأحياء القريبة من العاصمة إن الاستعدادات لهذا الحفل الأفريقي قد انطلقت منذ فترة طويلة وأضاف أنه قد عود حرفييه منذ أن أصبحت المقابلات الرياضية تبث بصفة حصرية على بث تلك المقابلات سواء أكانت على القنوات المشفرة وعن طريق اقتناء البطاقات الاشتراك الضرورية للبث وفك مسائل التشفير، وقد خلق ذلك لحمة بين المقهى والحرفيين.

وفي السودان ليس هناك قضية هذه الأيام أهم من انتظار العرس الكروي الكبير، وتأهب السودانيون للاستمتاع بمشاهدة الحلم الجميل، المونديال، وكأس العالم التي تحتضن منافساتها القارة السمراء للمرة الأولى في التاريخ، ومع حلم المشاهدة، تتصاعد أحلام (البيزنيس) الصغيرة لدى آلاف من أصحاب الكافيتريات التي تحولت لأندية للمشاهدة، زودت بشاشات كبيرة، ووصل الأمر لإعادة افتتاح دار عتيقة للسينما بغرض متابعة مباريات كأس العالم.

ويقول صالح عمار، «هي مناسبة جميلة جديرة بالمتابعة» ويؤكد زميله يعقوب ذات الرأي، ويتفق الاثنان على أن «فريق البرازيل هو الأكثر شعبية وسط الرياضيين السودانيين»، ويضيف عمار: «فرقة السامبا هي المحببة لدى الكلاسيكيين من المشجعين، لكن هناك بعض الشباب الجدد، يخرجون عن هذا التقليد، فتجد من يشجع فرنسا، أو إيطاليا»، فيما يؤكد الشاب بطرس بالخرطوم، أن مصارعي الثيران الإسبانيين أيضا ولجوا في قلوب المشجعين السودانيين.

ويتفق السودانيون كذلك على تشجيع الفرق الأفريقية والعربية مثل نيجريا وغانا، والكاميرون وكوت ديفوار، والجزائر. وما بين تشجيع البرازيل وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وفهود وأسود ونمور أفريقيا، يتداول السودانيون أسماء نجوم كبار، وهو ما سيدفع كثير من المشجعين للانحياز إلى فرق هؤلاء النجوم، مثل ميسي الأرجنتيني، وكرستيانو رونالدو البرتغالي، وروني الإنجليزي، ودروغبا الايفواري، وايسيان الغاني.

أما أكبر مفاجأة فقد تمثلت في افتتاح دار سينما قديمة بمدينة بحري من جديد، لكن ليس لمشاهدة أفلام سينمائية، وإنما لمتابعة لحظات المونديال، فقد حولت اللوحات الخارجية لإعلان أيام وتوقيت المباريات العالمية بدلا عن عرض الأفلام، وسيشاهد زوار السينما المباريات بعد دفع ثمن التذاكر لكل مباراة عبر شاشة السينما الكبيرة.