أكشاك الصحف أصبحت مراكز تسوق مصغرة

كانت مكانا يترك فيه الجيران رسائلهم ويتناقشون حول الصحف اليومية

تبدو الأكشاك متشابهة في كل مكان وتزدحم بالأشياء نفسها تقريبا ليس في روما فقط وإنما تجدها منتشرة أيضا في مدريد وباريس ونيويورك وغيرها («نيويورك تايمز»)
TT

أصبحت الأكشاك هنا، وفي مختلف أنحاء أوروبا، بصورة متزايدة، مثل مراكز تسوق مصغرة، على نحو قد يدهش حتى سكان نيويورك الذين اعتادوا شراء الصودا والحلوى من أكشاك بيع الصحف المقامة في زوايا الطرقات. ويمكن للزبائن الذين يبحثون عن آخر إصدار من «كورييري ديلو سبورت» العثور مع ذلك على أطباق وموسوعات وسط أعداد من «دير شبيغل» و«إيكونوميست» و«تشينيز فوغ». وتتنافس أوعية الطعام البلاستيكية وألعاب على شكل دراجة بخارية وأسطوانات مدمجة بها موسيقى الحجرة (نوع من الموسيقى الكلاسيكية) غامضة أو أغاني بوب إيطالية، من أجل الحصول على مساحة إلى جانب البطاقات البريدية وكتيبات سياحية وأسطوانات «دي في دي» عن كيفية تقليل الوزن مثل «إس أو إس سيلوليت».

وتبدو الأكشاك متشابهة بدرجة تزيد في بعض الأحيان أو تقل في أحيان أخرى، ولكن أثبت الفنانون منذ قديم الأزل أن التشابه يضم تشكيلة لا نهائية. وكذا الحال مع وكلاء الأخبار الإيطاليين. والنتيجة هي أشياء تشبه الفن المعماري الشهير داخل المدينة.

ويدير فيليبو دي أنغليز الكشك الذي يقع إلى جوار ساحة ديلا مينيرفا. ويفضل دي أنغليز عرضا كلاسيكيا نسبيا للدوريات. ويتناسب أسلوبه المنظم مع الخلفية التي تأتي فيها واجهة الكاتدرائية بالقرب من الميدان، ومع ذلك، فإنه لم يضع ذلك في الاعتبار عندما كان يضع صفوفا متنوعة من المجلات وصناديق الألعاب البلاستيكية قبل الساعة السادسة صباحا. يذكر أن دي أنغليز كان يعمل في السابق خبازا، واشترى الكشك قبل عامين. ويقول دي أنغليز: «اعتدت أن أكون وحدي مع القمح».

وفي صبيحة أحد الأيام القريبة، وتحت الشمس الحارة، ترددت في الميدان أصوات أعداد كبيرة من السائحين يتبعون مرشدين سياحيين يتكلمون. وأعرب دي أنغليز عن عدم موافقته على الإشارة إلى الكشك بأنه أنيق، ولكنه وافق على الوصف بالنسبة للطريقة التي علقت بها أسطوانات «دي في دي» بصورة خاصة، فقد كانت تبدو مثل الحلوى.

وداخل «كامبو دو فيوري»، في الجوار، كان فابريزيو زانتشي، وهو رجل اجتماعي، يشرف على كشك واسع يعمل فيه ويوجد على أرضية من الرخام. وارتفعت الأرفف الضيقة إلى السقف الأخضر مثل ملائكة تصعد إلى السماء في رسم تصويري من أعمال الفنان بيترو دا كورتونا. وكانت الأرفف متخمة بأكوام من ألغاز السودكو، ودمى «باربي» مقلدة، وكرات من الصوف، وكتب علتها الأتربة.

وقال إن زانتشي مسؤول سابق في أحد الفنادق من ساو باولو، وانتقل إلى هنا قبل سبعة أعوام وجاء للعمل في الكشك بعد ذلك. ولأنه برازيلي، فهو يحب الأشياء الجذابة. كما أنه يقدر مجلات الموضة من فرنسا وإسبانيا والصين التي تنتشر إلى جوار أكشاك الورد والفاكهة في الجوار. وتنتشر أرفف حمل المجلات حول الكشك. وتوجد مرايا جانبية معلقة بحوامل المجلات مباشرة أمام الكشك، وتساعد زانتشي على أن يرى حول الكشك، وتعطي لمسة غامضة تذكر بفن الروكوكو.

«هذا صحيح»، قالها متفاخرا ردا على إشارة إلى أن الكشك يبدو محتويا على لمسات فنية. وقام زانتشي بمسح الكشك المزدحم بعدد كبير من الجرائد ومجلات حول ديكور المنازل وحلى غريبة تنتشر أمامه. وقال: «أشعر أن الثقافة تحيط بي».

لقد ولى العصر الذي كان يضفي فيه وجود «تايم» و«نيوزويك» و«لو موند» على الأكشاك داخل أوروبا سحرا حضاريا، مع اتساع الرحلات الجوية التجارية ووجود المصورين الذين يلتقطون الصور داخل شارع فيا فينيتو. ويبدو الكشك في فيلم «الرجل الثالث» كأثر يظهر من غموض العالم القديم.

يشار إلى أنه في السابق، كانت الأكشاك في مدريد تعرض أشياء إباحية وتبيع السيجارة الواحدة مقابل بيزيتا. وبعد ذلك قامت شركة فرنسية بشراء الأكشاك الإسبانية، واستبدلت بها أشياء تحاكي «بيلي إبيوك» في باريس، ولكن كان يلصق عليها دببة (رمز مدريد) بدلا من برج إيفل. ولم يكن سكان مدريد يحصلون على المتعة. وفي الوقت الحالي يعرض عدد قليل من الأكشاك داخل باريس، التي تنشر جميعها ملصقات لعارضات شبه عاريات تروج مقالات داخل المجلات عن الجنس، مجلدات لسارتر وهابرماس لجذب السياح الأميركيين.

وفي كل مكان، تزدحم الأكشاك بالأشياء نفسها تقريبا (3000 بند في المجمل)، حسب تقدير دي أنغليز و20.000 وفقا لتقدير زانتشي. وفي كل ليلة يجب وضع هذا الأشياء داخل مكان واحد؛ إذ يجب وضع المجلات والصحف وغيرها من المواد داخل الأكشاك المغلقة.

ويدير ماسيمو فيوريتي الكشك الذي يقبع بين بانثيون وسانت إوستاشيو. ويشبه عملية التعبئة بمناورة عسكرية افتراضية، وإذا نسى مفاتيح منزله في الداخل، فإنه يتركها بدلا من أن يقوم بإفراغ الكشك مجددا. وبعد 15 عاما في هذه الوظيفة، يفتقد الأيام التي كان الكشك فيها مكانا يترك فيه الجيران رسائل، بعضهم لبعض، ويتناقشون حول الصحف اليومية. ويقول فيروتي: «في النهاية، سنبيع الأجهزة فقط».

ولكن من الناحية الصورية، لا يزال الكشك نموذجا لنمط فني؛ إذ فيه عدد كبير من الخرائط والأدلة وعدسات القراءة والساعات والمذكرات والميداليات التذكارية وكروت اللعب وغيرها من الأدوات السياحية وسط أرقام أثرية كثيرة ودوريات أسبوعية أجنبية ومجلات للرجال ويوميات إيطالية. ويمكن أن تصف الكشك بأنه رمز راق للمعمار الباروكي.

ويفخر فيروتي بثراء الكشك، ولكنه في الوقت الذي يؤكد فيه على أن الكشك متخم بمجلدات متزايدة، فإنه يقول إنه لم يقرأ أيا منها. فمتابعتها أمر مجهد بالقدر الكافي.

وكدليل، وبعد أن طلب من صحافي أن يكرر اسم الصحيفة التي يعمل لديها، أومأ فيروتي برأسه. ونعم، لديه «صنداي» و«نيويورك تايمز»، نسخة واحدة في الأسبوع مقابل 15 دولارا. يتساءل متعجبا من حجم العدد: «ماذا يوجد هناك؟ لا تشهد رواجا».

*خدمة «نيويورك تايمز»