«الروبابيكيا» و«الخضار» و«الغاز».. مثلث الحياة المصري يقاوم التغيير

أهازيجها توقظ الأهالي في الصباح الباكر منذ القدم

أهازيج البائعين في شوارع القاهرة الشعبية تنافس شمس الصباح في ايقاظ الناس (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

في القاهرة، ليست فقط شمس الصباح هي من توقظ الأهالي هناك، وإنما ما زالت أحياؤها القديمة محافظة على أهازيج ثلاثة محاور سموها بـ«مثلث برمودا المصري» لتسهم بشكل غير مباشر في إيقاظ النائمين، والمتمثلة في عربات «الروبابيكيا» و«الخضار»، إلى جانب «أنابيب الغاز».

ويدل مصطلح «روبابيكيا» المشتق من كلمة «روبافيكيا» الإيطالية على الأشياء القديمة، ابتداء من الأثاث وحتى الكتب القديمة، وهو ما يستخدمه أهالي مصر في أسواق الخردة، التي من أشهرها «وكالة البلح».

محمد رزق، أحد العاملين على عربة «الروبابيكيا»، يؤكد أن هذا المصطلح المستخدم في عملية شراء القطع القديمة والأثاث المستعمل من المنازل، يعد ذا قيمة كبيرة في الدول الغربية.

ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «نبدأ منذ الثامنة صباحا، ونعمل على شراء أي أثاث قديم أو قطع متفرقة كالشبابيك والأسرّة والنجف وغيرها من أساس المنازل، ليتم بيعها لصاحب المخزن الذي بدوره يحدد الأسعار»، لافتا إلى أنه قد يستمر في جولته حتى ساعات النهار الأخيرة.

ويضيف: «في السابق، كانت تشهد تلك المهنة عملية تبادل بيننا وبين أصحاب الأثاث القديم الذين يعطوننا قطعا قديمة ليستبدلوها بأخرى مختلفة لدينا، وهو ما يسمى بـ«الساكسونيا»)، مبينا أنها ما زالت موجودة حتى الآن. بينما أوضح صديقه محمد عبد الرحمن أن ما يشترونه من أثاث عبر مهنة «الروبابيكيا» يتم تخزينه في مخازن موجودة بسوق «التلات» الشعبي في القاهرة، فضلا عن المخزن الأساسي لصاحب العمل، ومن ثم يتم توزيعها على الأسواق القديمة الأخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من الممكن تنظيف الأثاث المستعمل وبيعه مجددا على الناس أو للمصانع بهدف إعادة تصنيعه»، مؤكدا وجود إقبال كبير من قبل الأهالي رغم انتشار محلات الأثاث الحديثة.

وأشار إلى أن صاحب المخزن أو ما يسمى بـ«المعلّم» يساعدهم في إعطائهم عربة، إلى جانب مبلغ 210 جنيهات، التي لا بد من إرجاعها نهاية اليوم كإيجار لتلك العربة، بينما يحصلون هم على الربح المتبقي.

وأضاف: «نركز في عملنا على القطع الحديدية والمعادن، لكونها تعطي قيمة مالية أكبر سواء في البيع أو تصديرها للمصانع التي تعمل على إذابتها وإعادة تصنيعها مرة أخرى»، موضحا أنهم يجوبون الأحياء القريبة من منطقتهم، لا سيما أن الوصول إلى مناطق بعيدة يعد صعبا في ظل زحام السير بالشوارع. ولفت إلى وجود مصاعب كثيرة تواجههم خلال عملهم، من أبرزها تعرضهم لاتهامات باطلة بالسرقة، فضلا عن التعدي عليهم بالضرب ونهب ما يحصلون عليه من أرباح مادية، الأمر الذي يجعلهم يتجنبون التجول في بعض الأحياء تفاديا لمثل تلك المواقف.

واستطرد في القول: «قد تصادر البلدية عرباتنا وتسلم الدابة إلى حديقة الحيوان، إلى جانب عدم قدرتنا على تسلم العربة إلا بعد دفع غرامة مادية، غير أن تلك المهنة تعد مصدر الرزق الوحيد لنا»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن هذه الصنعة من شأنها أن تكسبهم علاقات اجتماعية كثيرة ومعارف متعددة. ولا تختلف عربات الخضار كثيرا عن الروبابيكيا، غير أنها شهدت تطورا يتمثل في استبدال العربة بسيارة «وانيت» لتكون بمثابة «بسطة» متنقلة، إلى جانب أن طبيعة العمل بها يسودها نوع من الاستقرار المؤقت باعتبارها قد تقف قليلا في الأحياء لجلب الزبائن.

وعلى الرغم من وجود محلات الخضار المتفرقة في الشوارع، غير أن عددا من أصحاب المنازل ما زالوا يحافظون على «سلة الخضار» التي يتم إنزالها من النوافذ ليملأها صاحب العربة بما يريدونه عوضا عن إرسال أحد أفراد العائلة للشراء.

السيدة فوزية السيد، إحدى الساكنات في شارع العريش بالقاهرة، ذكرت أن فكرة هذه السلة كانت منذ القدم، إذ لم يكن من السهل خروج المرأة لشراء ما تحتاجه، الأمر الذي جعلها تستحدث طريقة لقضاء حاجاتها من منزلها.

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «لا نستخدم السلة في شراء الخضراوات فقط، وإنما تستعمل حتى في وضع ما نرغب فيه من المحلات القريبة كالمعلبات والعصائر وغيرها».

وأشارت إلى أن هذه الطريقة ما زالت موجودة في الأحياء القديمة حتى الآن، مرجعة سبب المحافظة عليها إلى نمط الحياة السريع، فضلا عن احتياج المرأة لها إذا لم يكن لديها من يقوم بجلب حاجاتها المنزلية.

ولحل مشكلة اختلاط الأصوات والضجيج في الشوارع، عمد بعض العاملين على عربات الخضار وغيرها إلى تركيب مكبرات للصوت ينادون من خلالها على ما يحملونه، مثل ما فعله العم حمزة كريم أحد بائعي الخضار.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما أجوب المنطقة القريبة مني لأنادي بمكبر الصوت، غير أن معظم ربات البيوت أصبحن يعرفن أوقات مجيئي، مما يجعلهن ينتظرنني على النوافذ». وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الغاز في مصر، فإن عربات أنابيب الغاز ما زالت تلقى رواجا في الأحياء أيضا، وسط مطالبات بضرورة إيصال تمديدات للغاز المركزي من أجل توفير ما يتم دفعه، وذلك بحسب ما أوضحته لـ«الشرق الأوسط» السيدة ليلى محمد الساكنة في أحد أحياء القاهرة. وأضافت: «وصلت أسعار أنابيب الغاز إلى ما يقارب 70 جنيها للأنبوبة الواحدة، الأمر الذي يجعلنا نسعى إلى إدخال غاز مركزي يوفر علينا المبالغ التي ندفعها عند تعبئة الأنابيب».

وأفادت بأن أكثر الأصوات شيوعا بين العربات هي عربة أنابيب الغاز، لا سيما أن العاملين عليها يستخدمون قطعة حديدية للطرق على الأنبوبة، فضلا عن مناداتهم بصوت مرتفع.