المنفى واللغة وكسر الحدود الثقافية

كتاب عرب في الدورة الجديدة من المهرجان الأدبي العالمي في العاصمة البريطانية

الطاهر بن جلون و ألياس خوري
TT

في الستينات، أطلق الجزائري مالك حداد، الذي لم يستطع أن يكتب حرفا واحدا بالعربية، صرخته الشهيرة «اللغة هي منفاي». واللغة المقصودة هنا هي الفرنسية التي كتب بها كل أعماله. وما زالت الفرنسية، لعشرات الكتاب المغاربة، هي منفى بمعنى من المعاني.

وفي فترة النازية، صمت أو انتحر عدة كتاب ألمان، ومنهم ستيفان ستيفيج، لأنهم وجدوا أنفسهم في المنفى يكتبون بلغة لا يقرؤها أحد، ولم يكونوا في الوقت نفسه قادرين على الكتابة بلغات منافيهم الجديدة، في الوقت الذي كانت فيه كتبهم ممنوعة في بلدهم الأصلي. لقد أصبحوا فجأة بلا قراء. ومن الاستثناءات القليلة البولندي جوزيف كونراد، الذي بدأ الكتابة بالإنجليزية وهو في التاسعة والعشرين ليحل الإشكالية الكبرى بين المنفى واللغة. ولعله لم يحلها كما يجب، كما يرى إداورد سعيد.

مفارقة المنفى هذه، وهي من أكبر الظواهر الأدبية في القرن العشرين، هي المحور الأساسي للمهرجان الأدبي العالمي الثاني في العاصمة البريطانية، الذي تستضيفه «لندن ريفيو بوكشوب» والذي يستمر ثلاثة أيام، ابتداء من 18 يونيو (حزيران) وحتى 20 يونيو. ويشارك في هذه الدورة كتاب من مختلف أنحاء العالم، بينهم أربعة روائيين عرب، هم: المغربي الطاهر بن جلون، واللبناني ألياس خوري، الليبي هشام مطر، والمصرية أهداف سويف.

المحور الرئيسي للمهرجان هو «اللغة والمنفى»، وتقدم فيه مداخلات لكتاب اضطروا، أو اختاروا، أن يكتبوا بلغات غير لغاتهم الأصلية، كما عند الطاهر بن جلون، الذي يكتب بالفرنسية، وأهداف سويف وهشام مطر، اللذين يكتبان بالإنجليزية، «ومع ذلك استطاعوا أن يسمعوا أصواتهم، ويساهموا، عبر أدب ولغة بلد آخر، في ثقافة بلد مختلف»، كما جاء في التقرير الذي نشرته إدارة المهرجان.

يتضمن اليوم الأول من المهرجان فعاليتين. يشارك في الفعالية الأولى، التي تقام ظهيرة يوم الجمعة 18 يونيو، الروائي الاوزبكستاني حميد إسماعيلوف، الذي اشتهر بروايته «سكة القطار»، المترجمة للإنجليزية. وسيتحدث عن حياته في بلده، وخصوصا عن جده الذي اغتيل عام 1937، واضطراره للهجرة، وعن التأثيرات الأدبية على كتابته، وتجربته في ترجمة الأدب الروسي والاوزبكي إلى اللغة الإنجليزية. وتقام هذه الفعالية في كلية «بيركبيك»، جامعة لندن. أما الفعالية الثانية فيشارك فيها الروائي اللبناني إلياس خوري، الذي وصفه إدوارد سعيد مرة بأنه «منح صوتا للمنفيين واللاجئين المقتلعي الجذور، وأذاب الحدود بين الهويات المتغيرة».

وإلياس خوري معروف في الوسط البريطاني الثقافي من خلال ترجمة روايته «باب الشمس». ويحضر إلياس المهرجان بمناسبة ترجمة روايته الأخرى «يالو» إلى الإنجليزية، التي ترجمها بيتر ثورو. ويتحدث في الأمسية نفسها جيرمي هاردينغ، المحرر المساهم في «لندن بوك ريفيو»، الذي نشر عدة مقالات عن خوري وأعماله.

تقام الفعالية في اليوم نفسه، الساعة السابعة مساء، في «لندن ريفيو بوكشوب». وتنظم في اليوم الثاني من المهرجان، السبت 19 يونيو أربع فعاليات صباحية ومسائية. الفعالية الأولى، التي يشارك فيها ساره أرديزون، وفرانك واين، ووألين مابانكو، ودانيال هان، ستتناول موضوع اللغة والترجمة: كيف يمكن قول الشيء نفسه في لغة أخرى؟ وكيف يمكن خلق التوازن بين روح النص والدقة؟ ثم، ماذا يفعل المترجم مع المفردات الشعبية والمحلية، وغيرها من المفردات التي لا يمكن ترجمتها، وغير ذلك من المشكلات التي تواجه المترجمين.

الكاتب الليبي هشام مطر، الذي رشحت روايته «في بلاد الرجال» ضمن القائمة القصيرة لرواية بوكرمان البريطانية للرواية عام 2006، والروائية المصرية أهداف سويف التي رشحت أيضا للجائزة ضمن القائمة القصيرة عام 1999 عن روايتها «خريطة الحب»، هما ضيفا الفعالية الثانية، التي ستقام الساعة الثانية ظهرا في قاعة المتحف البريطاني. وسيتحدث الكاتبان، كعربيين، عن تجربة الكتابة بلغة أخرى، هي الإنجليزية بالنسبة إليهما، وكيف يمكن أن يساهم ذلك في خلق مساحة للتلاقي بين لغتين وثقافتين. والاثنان عرفا المنفى، سواء كان اختياريا أو إجباريا، في وقت مبكر. فقد اضطرت عائلة هشام مطر إلى ترك ليبيا، وهو ما يزال في التاسعة من عمره. أما أهداف سويف، فتركت مصر منذ فترة طويلة إلى بريطانيا حيث أكملت دراستها، وبدأت تكتب بالإنجليزية.

وفي الساعة الرابعة ظهرا من اليوم نفسه، يشارك الكاتب المغربي الطاهر بن جلون، وأيت رحيمي، من أفغانستان، وعلي أمير، اليهودي العراقي الأصل، في فعالية حول المنفى واللغة، في قاعة المتحف البريطاني. وجلون معروف على نطاق واسع في بريطانيا من خلال ترجمة أعماله «مغادرة طنجة» و«الليلة المقدسة»، التي ترجمت إلى العربية بعنوان «ليلة القدر»، ومجموعته الشعرية «نهوض الرماد»، وهي عن حرب العراق.

وسيشارك في الفعالية الأخيرة يوم السبت الشاعر الصيني يانك ليان، الذي نفي من الصين بعد مجزرة ساحة تياننمن عام 1989، ومترجمه إلى الإنجليزية براين هولتون. ويشترك معهما الروائي والشاعر، ومخرج الأفلام الوثائقية أيان سنكلير. وتقام الأمسية في «لندن ريفيو بوكشوب».

أما في اليوم الأخير، الأحد، فستشارك إيكترينا كوروتكوفا، ابنة فاسيلي غروسمان، الذي وصفته جريدة «لوموند» الفرنسية مرة بأنه «أهم روائي روسي في القرن العشرين». وستتحدث كوروتكوفا، ابنة الروائي من زوجته الثانية، عن المضايقات التي كان يتعرض لها في الاتحاد السوفياتي السابق، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة من حياته. وستركز الفعالية الأخيرة، التي تبدأ الساعة الربعة ظهرا في قاعة المتحف البريطاني، على كلاسيكيات الأدب في بلدان مثل بولندا، والتشيك، ورومانيا، بعد عشرين سنة من سقوط جدار برلين. وكانت دار «بنغوين» قد نشرت أخيرا عشرة كتب عن أدب هذه البلدان، ستكون محور الحديث الذي سيساهم فيه مايكل هوفمان، وجورج سيرتس، وستيفن فيزنكسي، وتوماس زمشكال.