«حرب غرناطة».. كتاب يرصد حرب الدفاع عن الهوية بالأندلس قبل 440 سنة

مؤلفه عاش في القرن السادس عشر وكان أديبا وشاعرا ومحاربا ودبلوماسيا

TT

يكتسب كتاب «حرب غرناطة» قيمته من موضوعيته ومعاصرة مؤلفه لحرب الدفاع عن الهوية في الأندلس قبل 440 سنة وهي معارك دارت بين عامي 1568 و1570 بين طرفين يريد كلاهما أن يقضي على الآخر ولكن المؤلف تخلى عن نهج المنتصر الذي يعمد إلى الانتقام من المهزوم بتشويه تاريخه.

ويرصد مؤلف الكتاب أورتادو دي مندوثا (1503 - 1575) الذي كان أديبا وشاعرا ومحاربا ودبلوماسيا وقائع المناورات والمواجهات في جنوب إسبانيا بين أقلية مسلمة تحارب بأسلحة بدائية وتنتظر عونا من الأتراك والمغرب والجزائر، وإمبراطورية صاعدة أعلنت عن نفسها عام 1492 بعد أن سقطت غرناطة وسلمها الملك أبو عبد الله محمد الصغير للملك فرديناند الخامس.

ويقول مندوثا إنه اختار «طريقا ضيقا وشاقا وعقيما بلا مجد لكنه ذو فائدة للأجيال القادمة» بالتأريخ لثورة «المتمردين من المسيحيين الجدد» من الذين أكرهوا على اعتناق المسيحية وخاضوا الحرب ضد الملك الكاثوليكي فيليبي الثاني.

ورغم شهادته أحيانا في حق الموريسكيين - وهم بقية العرب المسلمين الذين تظاهروا بأنهم كاثوليك هربا من البطش - فإنه يطلق عليهم اسم «الأعداء» الذين هزموا في نهاية الأمر «وتم إخراجهم من أراضيهم وطردهم من منازلهم وتم أسر الكثيرين من الرجال والنساء الذين تم تكبيلهم بالقيود وتم أسر الأطفال أيضا وبيعهم في المزادات أو حملهم إلى أراض بعيدة عن وطنهم الأصلي. لقد كان أسرا وتهجيرا لا يقل عما نقرؤه في قصص الحروب الأخرى».

ويشهد المؤلف، كما جاء في تقرير وكالة «رويترز» من القاهرة، بعزيمة المسلمين في حرب صعبة لم يكن الانتصار فيها مضمونا حتى أنه «في بعض الأحيان لم نكن نعرف إذا ما كنا نحن أو أعداؤنا هم من أراد الرب معاقبتهم».

وتقع الترجمة العربية للكتاب في 227 صفحة من القطع الكبير وأصدرها المركز القومي للترجمة في القاهرة وقامت بها إيمان عبد الحليم أستاذ الأدب الإسباني بجامعة القاهرة وسلوى محمود أستاذ الأدب الإسباني بجامعة حلوان. وراجع الكتاب جمال عبد الرحمن أستاذ الأدب الإسباني بجامعة الأزهر الذي يصف المؤلف مندوثا بأنه «كان متمردا على الأوضاع وأن كتابه تجاوز عدة خطوط حمراء» ولهذا لم ينشر قبل عام 1627.

ويقول إن المؤلف تميز بالحياد «فيثني على بطولات قام بها الثوار المسلمون وينتقد أخطاء أخلاقية وقع فيها الجيش المسيحي.. انتقد مندوثا كذلك قمع الموريسكيين وطمع الجنود وحرصهم على نهب ممتلكات الموريسكيين وفساد القادة» وأن الكتاب كان معروفا قبل طبعه ولكنه لم ينشر آنذاك لأسباب منها أن مندوثا الذي شاهد أخطاء الجيش وبعض انتصارات الأقلية المسلمة كتب «ما أملاه عليه ضميره.. وخرج عن الإجماع» وظل كتابه حبيس الأدراج إلى أن تمكن الورثة من نشره.

ويقول مندوثا إن ترتيبات اتخذت بعد عام 1492 منها محاولات «لإقناع المسلمين باعتناق المسيحية رغبة في أن تكون مملكة إسبانيا بأكملها مملكة مسيحية» ثم لجأ الملكان الكاثوليكيان فرديناند وإيزابيل إلى «تعميد المسلمين» قبل إنشاء محاكم التفتيش التي ضغطت على الموريسكيين «بشكل غير عادي» إذ حظر الزي الخاص بهم وكذلك لغتهم وموسيقاهم وغناؤهم وإقامة الأعياد واحتفالات الزواج وأن تظل أبواب بيوتهم مفتوحة.

ويسجل أن «المسيحيين القدامى» أدركوا أن هذه الممارسات يمكن أن تؤدي إلى تمرد أو مؤامرة حيث إن الموريسكيين سبق أن أرسلوا يطلبون المساعدة من عدة جهات مثل «أمراء البربر» و«إمبراطور الأتراك في القسطنطينية حتى يغيثهم وينقذهم من حياة الاستعباد التي يحيونها» إذ كانوا موضع احتقار حيث ينظر إليهم المسيحيون كمسلمين كما يعاملهم المسلمون كمسيحيين.

ويسجل مندوثا أن ثورة الموريسكيين في منطقة البشرات الواقعة بين مدينة غرناطة والبحر بدأت بقيام الموريسكيين «بمطاردة المسيحيين القدامى وقاموا بحرق الكنائس وتدنيس مقدساتها وتعذيب رجال الدين المسيحيين. فكانت كراهيتهم لهم شديدة إما بسبب مخالفتهم لهم في الدين وإما بسبب إجبارهم لهم على التنصر أو بسبب إساءتهم معاملتهم لهم» كما تفننوا في ابتداع أشكال لتعذيب المسيحيين.

ويقول إن معركة «مثلت حدثا كبيرا» دارت عند مطلع الجبل وتم فيها سحق «الأعداء» وقتل فيها كثير من رجال الموريسكيين ونسائهم.

ويسجل مندوثا أن المعارك استمرت حتى قتل الزعيم الموريسكي الأخير ابن عبو «ملك المسلمين» وسلمت جثته ليجرها الفتيان في الشوارع قبل حرقها وعلق رأسه فوق بوابة المدينة واستسلم بعض المسلمين ورحل آخرون «إلى بلاد البربر» وقضت فرق المطاردة وبرودة الجبال على الباقين وانتهت الثورة والحرب.