فيينا تحتفل بالصيف عبر شاشات سينما ضخمة في الهواء الطلق

في مهرجان يضم العروض الموسيقية والمعارض الفنية

شاشات السينما أمام المجلس البلدي (إ.ب.أ)
TT

ما أن يأتي الصيف، وتكون الأمسيات جافة دون مطر، حتى تتحول فيينا لما يشبه قاعة سينما عريضة ضخمة لا سقف لها تسمح للجمهور بالاستمتاع بالأفلام السينمائية تحت أضواء النجوم.

وبالنسبة للعاصمة النمساوية ففصل الصيف بدايته ممطرة ما تلبث أن تتلوها أيام حارة منعشة تسمح للسكان بالاستمتاع بالنشاطات الصيفية في الهواء الطلق وهو ما تستغله المدينة بإقامة نشاطات مختلفة تتنوع من معارض إلى مهرجانات. ومن أهم تلك النشاطات تبرز العروض السينمائية المفتوحة التي تنصب لها شاشات ضخمة تعرض أفلاما من مختلف الأنواع والتخصصات والأزمان وبمختلف اللغات ولمختلف الأعمار والثقافات.

تزخر تلك العروض بالأفلام الموسيقية والتاريخية والوثائقية وأفلام الأطفال. بعضها مجاني وبعضها برسوم رمزية، هناك عروض في ميادين عامة توفر مقاعد ثابتة وأخرى متحركة وهناك عروض يشاهدها المرء من داخل سيارته بل هناك عروض متحركة متجولة تتنقل شاشاتها من موقع لآخر.

ما أن تغرب شمس المدينة ويحلو الجو ويصفو دون أمطار حتى تدور المحركات لتبدأ العروض في سكون عام وصمت مطبق من قبل الجمهور الذي ينتظم في مقاعده قبل فترة من المواعيد المحددة.

أهم هذه الشاشات وأضخمها تلك التي دأب مجلس معتمدية المدينة على تشغيلها طيلة شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وحتى الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) أمام قاعة المجلس البلدي «الرات هاوس» تحيط بها حدائقه الجميلة ونوافيره التي تزيد الجو لطفا وبهاء.

تشتهر سينما الرات هاوس الصيفية المفتوحة والمجانية بالعروض الموسيقية سواء كان ذلك عروضا لحفلات موسيقية «كونسرت» أو راقصة للباليه والفالس بالإضافة لموسيقى الجاز وعروض أوبرالية وأخرى للأوبريت.

هذا العام هناك الكثير من العروض المخصصة للموسيقار البولندي فردريك شوبان الذي يحتفل العالم بمرور 200 عام على ميلاده والنمساوي غوستاف مالر وليونارد بيرن شتاين وبيير بولييز بجانب عروض أوبرالية حديثة لفنانة الأوبرا الصاعدة أنا نتربيكو، وهي روسية الأصل حصلت قبل فترة على الجنسية النمساوية، وتجيء عروضها بصحبة زميلها رولاندو فيلازون، ويعتبر كلاهما من أشهر فناني الأوبرا الشباب بفيينا ممن لهم نشاط ملحوظ ومقدر في مختلف المواسم والمهرجانات.

تتوقف عروض قاعة البلدية لمدة 5 أيام فقط في الفترة ما بين 13 إلى 18 يوليو وذلك لتفسح المجال أمام أكبر حفل خيري يخصص ريعه لمرضى الإيدز عالميا وهو الحفل المعروف باسم «اللايف بول» ويبدأ للعامة بساحة المجلس البلدي ليختتم بتذاكر داخل القاعة التاريخية الفخمة بالمجلس البلدي باعتباره الحفل الختامي لموسم الحفلات الراقصة بفيينا.

يشتهر حفل اللايف بول بأنه نوع حديث من تلك الحفلات الراقصة المعروفة في النمسا عموما بالتزامها بتقاليد تعود لعهد إمبراطورية الهابسبرغ في حين يخالفها اللايف بول بالمبالغة في الحداثة ضمن كل برنامج من برامجه بدءا بملابس الحضور الذين يتفنون في انتقاء الغريب والمثير بالإضافة للحديث من أنواع الموسيقى وفنون الرقص بالإضافة لطريقة عرض الأزياء الذي يعتبر فاصلا مفتوحا تشترك فيه أكبر دور الأزياء عالميا.

بالإضافة لشاشة وعروض المجلس البلدي الصيفية السينمائية تفيض المدينة بعروض أخرى منها شاشة عامة بميدان كارلس بلاتز وأخرى بحديقة الأوقارتن أما آخر إبداعات المدينة واهتماماتها بالسينما صيفا فتتمثل في معرض مبتكر باسم «مدينة في فيلم» الذي افتتح مؤخرا بفيينا وتتواصل عروضه بمنطقة كارلس بلاتز وسط المدينة حتى التاسع عشر من سبتمبر القادم.

يوفر المعرض أكثر من 80 لقطة ومشهد تم تصويرها بالعاصمة النمساوية في أكثر من فيلم سينمائي عالمي ونمساوي بعض هذه الأفلام حظي بشهرة أكسبته الأوسكار وبعضها رشحته للجائزة الأشهر سينمائيا وجوائز عالمية أخرى. وفيما لم تحظ بقية تلك الأفلام بجوائز إلا أنها بقيت حية خالدة في أذهان الكثيرين خاصة أذهان أهل فيينا.

داخل المعرض يجد الزائر نفسه محاطا بمناظر ومشاهد ولقطات بالأبيض والأسود وأخرى ملونة تنقله من غموض وسرية هتشكوك إلى مغامرات ونسائيات جيمس بوند ومن رقة ورومانسية أفلام الحب والغرام إلى عنف وسرعة أفلام الأكشن مرورا بأفلام تاريخية وأخرى توثيقية وثالثة موسيقية جميعها صورت بفيينا مما يوفر للزائر فرص الوقوف والتمعن والانتقال بين مواقع هامة بالمدينة حيث التقطت تلك اللقطات سواء في قلب المدينة وأزقتها القديمة أو مقاهيها ومواقعها الترفيهية الشهيرة.

مشاهد تم تسجيلها داخل مسارح فيينا وأخرى على ضفاف الدانوب وبحيرته بل هناك لقطات وصور لمشاهد تم تصويرها داخل مجاري المدينة وأنفاقها حيث تم تصوير فيلم «الرجل الثالث» الذي يعتبر من أشهر الأفلام العالمية التي صورت بالعاصمة النمساوية وتم تصويره عام 1948 فيما كانت فيينا تعيش تحت ركام وخراب الحرب العالمية الثانية ومن أكثر لقطات الفيلم جرأة وروعة تلك التي سجلت مطاردات تحت سطح الأرض داخل مجاري الشبكة الصحية للمدينة.

والمعروف أن هذا الفيلم الإنجليزي إنتاجا وتأليفا قد فاز عام 1950 بجائزة الأوسكار ولذاك فإن العاصمة النمساوية تخصه بمتحف له وحده يسجله في لقطات موسعة كما تم تنظيم جولات سياحية صيفية تقود الراغبين للتجوال في بعض المواقع التي شهدت تصويره تحت سطح الأرض وبين مجاري وأنفاق الصرف الصحي التي تم تزيينها بديكورات تماثل ديكورات الفيلم مصحوبة بموسيقى مستوحية من أجوائه.

من اللقطات الأخرى بمعرض «مدينة في فيلم» لقطات لأفلام منها «دماء فيينا» Wiener Blut وفيلم «الشارع الذي يفتقد المتعة»The Joyless Street بالإضافة إلى لقطات للفيلم الرومانسي «قبل شروق الشمس» Before Sunrise الذي يصور قصة شاب أميركي وشابة فرنسية التقيا في قطار متجه إلى فيينا التي تجولا فيها وعكست رؤيتهما لها الفروق في طريقة تفكير وثقافة كل منهما بصورة مرحة وفكهة.

ومن الأفلام التي دمجت بين الوثائقية والدراما الاجتماعية فيلم «أخبار جيدة» Good News الذي يصور لمحات من حياة الأجانب الذين هاجروا إلى فيينا ثم أصبحوا كأنهم متخصصون في بيع صحفها اليومية.

يركز هذا الفيلم على قطاع من الآسيويين خاصة الهنود ممن يعملون في هذا المجال الذي يعمل فيه كذلك بل يعتبر من وجوهه المعروفة عدد مقدر من شباب الجالية المصرية ممن يطلق عليهم، ملوك الثقافة، وذلك لمهارتهم في هذا المجال بالإضافة لبراعتهم في التعامل مع الجمهور مما جعل من بعضهم معلما من معالم المدينة كأن يقول فرد لأصدقائه «حانتظركم قرب المصري بتاع الجرايد بمحطة كاقران» أو «عندما تغادر المحطة اسأل المصري بتاع الجرايد وحيساعدك في معرفة الاتجاه».