الجمع بين الفن التشكيلي والرسم على الماء وفن الخط العربي

مدرسة جديدة في البلقان

في المعرض صحون وأطباق جمعت بين فن الخط العربي والابرو والرسم وتطريز الملابس والرسم والنقش على الخشب ومزهريات وأباريق من الغرافيك وقطع من السيراميك ورسوم للسجاد البوسني («الشرق الأوسط»)
TT

ظل فن الخط العربي، والفن التشكيلي، وفنون التصوير والرسم، لا سيما الرسم على الماء، والتطريز، والرسم على الخشب، والقماش، والسيراميك، والغرافيك، مستقلة بذاتها حتى وقت قريب. إلا أن ظهور مدرسة جديدة في البلقان، وبالأخص في تركيا والبوسنة وصربيا وألبانيا وبلغاريا وغيرها، يطلق عليها «الفن التجميعي»، أنهى تلك القطيعة، بل (الأحرى) أنهى تباعد واستقلال تلك الحقول الثقافية بعضها عن بعض. هذا دفع الكثير من المثقفين لاعتبار المجال الثقافي مختلفا عن غيره من المجالات المعرفية كالعلوم التطبيقية، مثل الطب والهندسة التي كلما تقدمت علومهما، كثرت تخصصاتها وتمايز بعضها عن بعض.

وقالت الفنانة، مرحمة شيشيتش لـ«الشرق الأوسط»: «الفن يتجمع من جهة، ويجمع في آن واحد، ولا يفرق، وظهور آية قرآنية على لوحة طبيعية أو لوحة من الفن التشكيلي، أو مع رسم على الماء (الابرو) أو على الخشب أو الغرافيك، يزيد اللوحة جمالا وإجلالا». وأشارت إلى مجموعة من الأعمال الفنية المخصصة للزينة، والإهداء، التي يمكن أن تستخدم أيضا لوضع الطعام «هذه الأعمال التي ترونها في المعرض جزء بسيط من إنتاجنا، فنحن 30 فنانا معظمنا نساء، أردنا أن نعمل معا، وجميعنا يجيد فن كتابة الحروف العربية، والرسم، والتصوير، والنقش، وما إلى ذلك لكن بمستويات مختلفة». وتابعت «في اللوحات الكبيرة التي نفدت بسرعة اشتركنا في أكثر من عمل وفقا للخبرة والتخصص، لكن يمكن لكل واحد منا أن ينجز مثل هذه الأعمال بمفرده». وعما يعبر عنه المعرض أكدت مرحمة شيشيتش أن «المعرض يؤكد على الثقافة الإنسانية من خلال وجود الكثير من المظاهر المشتركة، فالاعتراف بالآخر دليل قوة وثقة في النفس، ونفيه علامة ضعف وعدم ثقة في الذات». وذكرت أنها تعلمت كتابة الحروف العربية في 9 أيام فقط.

ويلاحظ المرء في المعرض صحونا وأطباقا جمعت بين فن الخط العربي، والابرو، والرسم، وتطريز الملابس، والرسم والنقش على الخشب، ومزهريات، وأباريق من الغرافيك، وقطع من السيراميك، ورسوم للسجاد البوسني، وغيرها. ونفت مرحمة شيشيتش في ردها على سؤال أن يكون هدف المعرض تجاريا «نحن نبيع اللوحة بسعر التكلفة فقط، همنا التعريف بهذا الفن، فاللوحة لا تزيد على 25 يورو». وكشفت عن نية لاقتحام معارض الكتاب، والملتقيات الثقافية والاقتصادية والسياسية «للفت نظر العالم إلى أنه توجد أشياء أخرى غير لغة الأرقام، وهي لغة الحب والفن والشعور والإحساس والعاطفة».

الفنان رجب هاييتش (55 سنة) متخصص في الحرف التراثية، وممن يجمعون بين مختلف الفنون الجميلة، شرح لـ«الشرق الأوسط» بدوره الطريقة التي كانت تجهز بها الفتاة عند انتقالها من بيت والدها إلى منزل زوجها، ومن ذلك صندوق ثيابها ومقتنياتها «الصندوق لم يعد له مكان اليوم في عملية تجهيز العروس، فقد أخذت مكانه الحقائب، أما في السابق فكان الصندوق الخشبي الذي يبدع في إعداده وزخرفته من الداخل والخارج، وكلما كانت الزخرفة أكثر والصندوق أكبر يكون ذلك دليلا على الغنى والجاه». وعن دور الصندوق اليوم، الذي لم يعد له مكان في عملية تجهيز العروس، أفاد بأن «الكثير من الفتيات يشترين صندوقا مزخرفا لوضعه في غرفة النوم، أو مدخل البيت، أو إحدى الزوايا، ما عدا زاوية النسيان، فقد أصبح رمزا للانتقال من مرحلة إلى أخرى بعد أن كان وسيلة وأداة، وتعبيرا عن مستوى اجتماعي معين، إضافة لكونه مظهرا للزينة، وأحد تقاسيم المنزل، كاعتزاز بالتقاليد، وهو يختلف لا محالة عن احتفاظ الأوروبيين بحزام العفة». ونوه الفنان رجب هاييتش بتحويل الكثير من البلقانيين بيوتهم إلى «متاحف صغيرة من خلال اقتناء الكثير من التحف التراثية التي تزيد البيت جمالا على جمال».

كان الصندوق المعروض للبيع في ردهات المعرض في مبنى عتيق (أدى دورا مهما في العهد العثماني في الجزء العريق من سراييفو كحاضنة تربوية)، وكان مزخرفا بالكثير من الصور والنقوش مثل زهور الزئبق، ومعلم السبيل في باش تشارشيا (حنفية في قلب المدينة العتيقة) وحلقات لأبواب المنازل القديمة، وصورة لمصنع للسجاد الذي كان قائما حتى القرن التاسع عشر، وهو اليوم مقر السفارة اليابانية في سراييفو.

وأوضحت الفنانة الأستاذة، نورس أهانوفيتش، التي تخرج على يديها الكثير من الفنانين، كيفية طلي اللوحات لتبدو بصورة مغايرة، فالكثير من اللوحات تبدو كما لو أنها نقشت على النحاس أو الفضة بينما هي غير ذلك، ولا علاقة لها بالمعدنين المذكورين، وإنما صنعت من الألوفوليا، وتبدو المواءمة ظاهرة بين الأصالة والمعاصرة «مما يجعل الإنسان يعيش مختلف العصور من دون أي تناقضات فلسفية، بل يتمتع الإنسان بالأشياء الجديدة كأداة ووسيلة، وبالقديمة كرموز وثقافة ونكهة للتميز والإثراء والتنوع، كزهور الربيع التي تلبي جميع الأذواق، ولا ينفي بعضها بعضا». وأردفت «نستخدم 5 فنون في آن واحد وهي الرسم على الماء، الابرو، والرسم على الورق، والرسم على القماش، والرسم على الخشب، ومن ذلك الرسم على الراحلة وهي المحمل الذي يوضع فوقه القرآن الكريم، ولا شك فإن التقنيات المتعلقة بهذه الأنواع مختلفة، فمثلا تتعرض الأواني المصنوعة من الغرافيك إلى درجة حرارة تصل إلى 1360 درجة، ولدينا فرن خاص بهذه التقنية العتيقة».

وفي إحدى ردهات المعرض التقت «الشرق الأوسط» أنيلا لاتيتش (17 سنة) أصغر فنانة مشاركة في المعرض، وهي تعبر كما قالت عن «تواصل الأجيال»، ولهذه الأسباب بقيت في بلادها بينما تعيش أسرتها في ليبيا، وشقيقها في دولة الإمارات العربية المتحدة «أعمل وأبيع إنتاجي ولا أعتبر نفسي أقل جودة من غيري، فلدي ما يميزني لا سيما الرسم على الخشب». وعما إذا كان الناس يشترون منها إنتاجها لتشجيعها قالت «هو مزيج من الإعجاب والتشجيع، فأحدهما متولد عن الآخر». وأعربت عن أملها في أن تصبح فنانة عالمية، وأن تجول العالم لتعرض إنتاجها «أمنيتي أن أصبح فنانة مشهورة، وأن تكون لدي معارض في الكثير من الدول، وأن يشتري الناس لوحاتي وإنتاجي، فإلى جانب تميزي في الرسم على الخشب أجيد فن الابرو، والرسم على القماش، والفن التشكيلي، وكل ما يتعلق بالفن التجميعي، كما أطلقنا عليه».