«حياة لا نراها» يرصد يوميات العاملات الأجنبيات في لبنان

بين الهجرة والعنف والانتحار والاحتفال في المناسبات السعيدة والحزينة

جانب من الحضور الذي قصد معرض «حياة لا نراها» يوم الافتتاح («الشرق الأوسط»)
TT

هي حياة.. بل حيوات لا نراها لنساء اخترن الهجرة إلى لبنان ليعملن عاملات في المنازل لتأمين لقمة عيش عائلاتهن، فإذا بهن يواجهن حياة أخرى غير تلك التي كن يحلمن بها. العنف هو العنوان الأبرز الذي يختصر ما تتعرض له العاملات في ظل غياب أي قوانين لبنانية أو عقوبات من شأنها أن تضع حدا لما يجري بين جدران المنازل في ظل تزايد عدد الوفيات في أوساطهن بعدما وصلت السنة الماضية إلى معدل حالة كل أسبوع صنفت في معظمها «انتحار».

«حياة لا نراها» هو المعرض الذي حاول من خلاله المصور والصحافي الأميركي ماثيو كاسيل، بالتعاون مع مؤسسة «كفى عنفا واستغلالا» و«المركز الدنماركي للاجئين»، أن يرصد بعدسته هذا الواقع ويوميات العاملات المتشابهة في تفاصيلها من حيث ساعات العمل الطويلة ومنعهن من الخروج وعدم الحصول على يوم عطلة، بالإضافة إلى مصادرة جوازات سفرهن من دون أن ننسى تعرضهن للعنف الجسدي والنفسي. وكان هذا المعرض كفيلا بأن يشكل محطة جذب واجتماع لهؤلاء العاملات لرؤية صور يومياتهن، فغصّت قاعة مسرح المدينة في بيروت في يوم الافتتاح بمن سمحت لهن «المدام»، على حد قولهن، أن يخرجن من المنزل ليحتفلن بهذا المعرض. فها هن يصلن مجموعات، ينظرن إلى الصور ويتكلمن معا بلغتهن، إنما تبقى ملامح الوجه من الابتسامة إلى الحزن هي المعبر الأساسي لما تتركه هذه الصور في نفوسهن.

تصر مالينيكا، رئيسة جمعية النساء السريلانكيات في لبنان أن تشرح لنا عن كل صورة من تلك المنتشرة على جدران المعرض، وتقول: «أنا سعيدة بما أراه اليوم، فهذا المعرض يعكس صورة واضحة عن حياة العاملات في لبنان وما يتعرضن له من ظلم. ورغم ذلك لا تخلو حيواتهن من السعادة، لا سيما أن بعضهن أيضا يعيش حياة مريحة وطبيعية بين أفراد العائلة التي يعملن عندها». وعن نسبة الانتحار العالية التي تسجل في لبنان في أوساط هؤلاء تقول: «لا يمكن لأحد أن يقدم على خطوة كهذه إلا إذا شعر بالأسى والظلم والوحدة، وهذه هي نتيجة طبيعية لهذا الشعور بعيدا عن العائلة والوطن».

ونجح كاسيل في أن ينقل بعدسته حيوات هؤلاء العاملات، فهذه تنظف، وهذه تطبخ، وتلك تهتم برعاية الأطفال أو تخرج من المنزل بثوب العمل لتحضر الأغراض... لكنه أيضا ألقى الضوء على الجانب الآخر من هذه الحيوات من خلال لحظات الألم والفرح التي يعشنها، لا سيما خلال تجمعاتهن واحتفالاتهن في بعض المناسبات. فكان لحادثة سقوط الطائرة الإثيوبية في بيروت في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، التي كان ضحيتها عدد من العاملات، حصّة من صور المعرض التي رصدت لحظات حزنهن وصلواتهن على من فقدن. كذلك لم يغفل كاسيل مناسبات الفرح التي تجمعهن، وإن كانت قليلة، فهنا الفتيات يتبرجن للمشاركة في مسابقة ملكة جمال إثيوبيا التي أقيمت هذه السنة للمرة الأولى في لبنان، وهناك أخريات يهتفن لتيدي آفرو، الموسيقي الأشهر في إثيوبيا الذي أتى إلى لبنان خصيصا لإحياء حفلة لمواطناته ومواطنيه، وفي صورة أخرى أيضا عائلات تغني وترقص رقصاتها التقليدية في حفلة رأس السنة التي جمعت جنسيات مختلفة.

لا ينكر كاسيل أن هذه الصور لا تمثل إلا نموذجا بسيطا عن حياة هؤلاء العاملات في لبنان، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم تكن المهمة سهلة، فبالتأكيد من الصعب أن يسمح لنا من يعنف امرأة تعمل عنده أن نلتقط صورا لها، كذلك فإن هؤلاء المعنفات لم يجرؤن على التجاوب معي. فكنت أترقبهن وألاحقهن في الطرقات، وكن في أحيان كثيرة يهربن مني». ويضيف: «لذا فإن واقع حياة بطلات هذه الصور هو أفضل بكثير من حياة أخريات مسجونات بين جدران المنازل وممنوع عليهن الخروج أو الإفصاح عما يجري معهن». وعن هدف هذا المعرض يقول: «كنت أسمع الكثير عن حالة هؤلاء العاملات في لبنان لكن رؤيتي لحادثة انتحار امرأة فلبينية تبلغ 28 سنة من العمر بعد شهرين من مجيئها إلى لبنان للعمل، كانت بمثابة الحافز الذي دفعني لأحمل آلة التصوير وأسلط الضوء على الاعتداءات التي تتعرض لها العاملات الآتيات من سريلانكا وإثيوبيا والفلبين ومدغشقر ونيجيريا ونيبال...».

من جهتها تقول منسقة مشروع «كفى عنفا واستغلالا» رلى أبي مرشد لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المعرض هو جزء من المشروع الذي نقوم به لحماية حقوق العاملات الأجنبيات، ونحن نحاول التواصل معهن بشكل دائم لتعريفهن على حقوقهن، بالإضافة إلى المطالبة بتعديل القانون اللبناني بما يتناسب مع الأوضاع الإنسانية ومعاقبة من يخالفه لا سيما لجهة تحديد ساعات العمل وإعطائهن يوم عطلة وعدم سجنهن في المنزل ومصادرة جوازات سفرهن». وفي حين تلفت أبي مرشد إلى أنه لا تزال العاملات المعنفات يفتقرن إلى الجرأة للإبلاغ عما يتعرضن له، لكن في معظم الأحيان التبليغ يتم عن طريق أشخاص علموا بأوضاعهن، وهنا يأتي دورنا مع المحامين والمعالجين النفسيين والأطباء في الجمعية لمساعدتهن قدر الإمكان وتقديم الإرشاد لهن. وعن الخطط المستقبلية المتعلقة بهذا المشروع تضيف أبي مرشد: «نحن بصدد الإعلان عن دراسة حول نظرة اللبنانيين، وتحديدا أرباب العمل، إلى العاملات في المنازل، ليتم بعد ذلك تنظيم ورش عمل مع الإعلاميين والقوى الأمنية، بالإضافة إلى توزيع كتيبات في المدارس والجامعات وفي المناطق اللبنانية للتعريف على أسس التعامل مع العاملات وحقوقهن».