«مهرجان فاس للموسيقى الروحية» انطلق بعرض باليه من كمبوديا وقدم عروضا من 5 قارات

الأمم المتحدة اعتبرت المهرجان تظاهرة تسهم في ترسيخ حوار الحضارات

من عرض الفرقة الملكية الكمبودية (تصوير: العلوي المراني)
TT

كانت ساحة باب المكينة في المدينة العتيقة، في فاس المغربية، على موعد طوال سبعة أيام مع عدد من العروض الموسيقية ذات الطابع الروحي، في إطار «مهرجان فاس للموسيقى الروحية» الذي تنظمه سنويا مؤسسة «روح فاس» تحت شعار «مدارج الكمال في تزكية النفس». وهو المهرجان الذي افتتح هذه السنة بعرض استثنائي لباليه كمبوديا الملكي، وهي فرقة تترأسها ابنة الأمير نوردوم سيهانوك، آخر حاكم ملكي لكمبوديا.

من خلال هذا المهرجان وطدت من جديد فاس، التي يطلق عليها المغاربة «العاصمة الروحية»، العلاقة التي تربطها بالثقافات العالمية والموسيقى الروحية، حيث عاشت المدينة في حالة من المتعة والسكينة. وشارك في المهرجان فنانون من جميع القارات. في العرض الافتتاحي قدمت فرقة الباليه الملكي الكمبودي حركات راقصة مستوحاة من التقاليد العريقة للهند البرهمانية وجنوب شرقي آسيا (برمانيا وتايلاند وكمبوديا ولاوس وإندونيسيا) حيث قربت المتتبعين إلى الثقافة الهندوسية وأعادتهم إلى فترة غنية كان يعبر فيها الإنسان عن معتقداته، عبر رقصات مهموسة تترجم معانيها الإيحاءات والألوان القوية واللباس الملكي لأبرز سكان آسيا القديمة. ورسمت راقصة الباليه الرئيسية في الفرقة حركات لمعاني الإغواء الأنثوي والحرب والارتقاء الروحي عبر صور منتقاة. وأطلت راقصة الباليه الرئيسية بأناقة أنثوية آسيوية نادرة فيها تجسد عصر الأمراء والأميرات، كما عبرت عنها من خلال لوحات إنسانية قديمة.

وكانت هيئة الأمم المتحدة اعتبرت عام 2001 مهرجان فاس من أهم التظاهرات التي أسهمت في ترسيخ حوار الحضارات بشكل ملحوظ، وشكلت لهذا الغرض شبكة دولية متخصصة في تقديم الدعم والقيام بدور الوسيط، وفي السياق نفسه تأسست في الولايات المتحدة الأميركية منظمة تحمل اسم «روح فاس» وهي تقدم في كل سنتين برنامج المهرجان وندوة فاس عبر 20 مدينة أميركية. وهذا العام احتضنت فاس عروض المهرجان في عدة مواقع رئيسية من المدينة مثل باب المكينة، ومتحف البطحاء، والقصر المسمى بدار التازي، ورياض المقري، ودار عديل، وبيعة بن دانان، وهو حي قديم لليهود، وباب بوجلود، وساحة آيت سقاطو.

وفي حديثه عن مهرجان هذه السنة قال عبد الحق عزوزي، المدير العام للمهرجان، إن عروض هذه الدورة أضحت ضرورية في عالم تهيمن عليه العولمة ويميزه الارتباط المتبادل بين الشعوب والثقافات المختلفة، وأضاف عزوزي قائلا إن «التنوع الثقافي يشكل مكسبا أساسيا وإرثا مشتركا للإنسانية جمعاء يجب الحفاظ عليه بقوة، ومهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة باب مفتوح على الحضارات والثقافات من خلال العروض الموسيقية التي أعتبرها مناسبة للتفكير والتحاور الثقافي والسمو بالنفس».

وكان يفترض أن يشارك في دورة هذه السنة الفنان الأميركي بن هاربر الذي يغني على إيقاعات موسيقى الروك والفولك والبلوز والكوسيل، لكن حفلته ألغيت بسبب تعرضه لحادثة أثناء أدائه تمارينه الرياضية، وعوضت بن هاربر فرقة من مالي اسمها «باماكو كوليكشن». عرضت هذه الفرقة مقطعين تميزا بالتنوع، حيث حشدت كلا من محبي الموسيقى الهادئة التي تلعب على الأوتار، وموسيقى الطبول الأفريقية الصاخبة القادمة من أدغال أفريقيا. وتجاوب الجمهور مع الأنغام المتنوعة التي قدمتها «باماكو كوليكشن»، حيث اشتملت على فقرات من موسيقى البلوز من أفريقيا.

وفي سهرة منفصلة أدى أحمد السيد، وهو موسيقي فرنسي من أصول مغربية، مقطوعة روحية طويلة بعنوان «أصوات ممنوعة» دامت نحو الساعة في متحف البطحاء، جمعت بين كلمات الشاعر الحلاج وبين سحر أوبرا فرنسية من جبال الالزاس. وقال السيد إن المقطوعة عرضت لأول مرة في مهرجان «ميزيكا» في استراسبورغ عام 2005 ثم عرضت بعدها في لندن ومناطق أخرى من العالم. مشيرا إلى أن «الروحانيات ليست هي ذاكرة الروحانيات، هذا لا يكفي، يمكننا أن نتذكر ما قيل وما عزف في أنحاء الدنيا وعلى مر التاريخ، لكن العمق هو التعبير عن هذا الشعور الداخلي الخفي».

ومن العالم العربي كان يفترض أن يشارك الفنان صباح فخري لكنه اعتذر لأسباب عائلية، كما قال المنظمون، وشاركت في المهرجان الفنانة اللبنانية جاهدة وهبي، وغنت هي أيضا للشاعر الصوفي الحلاج، وأدت بعض المقاطع دون موسيقى أو ميكروفون، حيث أشاعت وسط الحاضرين حالة سكينة روحية دامت أكثر من ساعة. وقالت وهبي بعد حفل حقق نجاحا: «الساحة الفنية تعرف صخبا كبيرا، لذلك هناك حاجة إلى العودة للأصول الإنسانية وإلى التفلت من كل هذه المظاهر الخداعة للعولمة ومن كل مظاهر التعصب وكره الآخر، كل ذلك بات ضروريا للعيش بسلام وفي صفاء روحي»، على حد قولها.