كأس العالم: آلة «فوفوزيلا» الموسيقية التقليدية بين مؤيد ومعارض

«بي بي سي» تريد تخفيف طنينها.. و«فيفا» تتهم البرازيل في البحث عن عذر لأدائها

TT

تختار مباريات كأس العالم لكرة القدم كل أربع سنوات «تيمة» موسيقية تميزها عن المنافسات السابقة، وقد تكون الموسيقى الأوبرالية التي قدمها الثلاثي، مطربو التينور، بلاسيدو دومينغو وخوسيه كاريرا والراحل لوتشيانو بافاروتي، من أفضل ما قدم في مباريات كأس العالم عام 1990 في إيطاليا، التي أعطت مسحة شعبية لموسيقى أوبرالية نخبوية كلاسيكية. قد لا تكون من محبي هذا النوع من الموسيقى، لكن اختيارها لم يثر أي اعتراض، على الأقل. فماذا نقول عن آلة الفوفوزيلا الموسيقية لهذه الدورة في جنوب أفريقيا؟

«فوفوزيلا» هي عبارة عن بوق صاخب يطلق أصواتا يتردد صداها في أرجاء الملعب، حيث تصل قوة الصوت إلى 127 ديسيبل، في حين أن صافرة الحكم تصدر صوتا بقوة 121.8 ديسيبل.

وتختلف الأذواق بشأن الصوت الصادر عن الآلة التي تنتشر في ملاعب كرة القدم في جنوب أفريقيا، فالبعض يحبها والبعض يعتبرها إزعاجا كبيرا. المسألة ليست مسألة ذوق في الموسيقى فقط. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستؤثر الأصوات الصادرة عنها سلبيا على أداء الفرق؟

آخر الانتقادات لهذه الأصوات جاءت من نجم منتخب البرتغال كريستيانو رونالدو الذي قال: «من الصعب على أي من كان على أرض الملعب أن يحافظ على تركيزه»، مضيفا: «الكثير من اللاعبين لا يحبون هذه الأبواق لكن عليهم الاعتياد عليها». وفي مقابل الانتقادات التي علت والدراسات الطبية التي تحدثت عن احتمال «فقدان حاسة السمع لدى اللاعبين» بسبب «فوفوزيلا»، فإن رئيس الاتحاد الدولي جوزيف بلاتر دافع عنها معتبرا أنها «جزء من الثقافة الكروية الأفريقية».

وقال بلاتر «(فوفوزيلا) هي ثقافة أفريقية ونحن في أفريقيا، وبالتالي يتوجب علينا أن نسمح لمستعملي هذه الآلة بممارسة ثقافتهم وقتما شاءوا ذلك. يعتبر العزف على آلة (فوفوزيلا) والغناء من ثقافة كرة القدم الأفريقية. إنها جزء من احتفالات هذه القارة ولذلك دعوهم يطلقون أبواق (فوفوزيلا)».

وأعربت رابطة مشجعي إنجلترا عن دعمهم لاستخدام الـ«فوفوزيلا»، مشيرين إلى أنه يجب احترام الثقافة المحلية. ويقول العازف جون هيمينغهام، ومقره شيفيلد، الذي يقود أوركسترا إنجليزية من 8 رجال لم تضيّع مباراة منذ 1996، إن هذه الأبواق شيء جيد. ويقول: «هذه هي الوسيلة التي يعبر بها مواطنو جنوب أفريقيا عن فرحهم ومتعتهم خلال البطولة».

وقال نيل فان سشالفيك، الشريك في الشركة الرياضية المصنعة لـ«فوفوزيلا»: «أجرينا تعديلا على الآلة، وهناك الآن فوفوزيلا جديدة ستخف معها قوة الصوت بعشرين ديسيبل».

وأشار سشالفيك إلى أن شركته قد باعت نحو 1.5 مليون نسخة من «فوفوزيلا» في أوروبا منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتوقع أن تبلغ العائدات من جرائها نحو مليوني يورو خلال المونديال.

وفي لقاء للخدمة الإخبارية لوكالة الأنباء الألمانية مع رئيس رابطة أطباء الأنف والأذن والحنجرة في ألمانيا، ديرك هاينريش، في برلين، حذر رئيس الرابطة من الاستماع لهذه الأبواق، مضيفا أنها يمكن أن تؤدي إلى مرض «طنين الأذن» بل والصمم أيضا. وقال هاينريش إن هذه الآلة يمكن أن تتسبب في أضرار للأذن يتعذر علاجها فيما بعد، إذ إنها تصدر أصواتا تصل قوتها حسب رأيه إلى 120 - 130 ديسيبل.

وأضاف هاينريش أنه عند اقتراب الـ«فوفوزيلا» من الأذن فإن «هذه القوة الصوتية تضارع ما تعانيه الأذن عند تشغيل المثقاب الكهربي (الشنيور) أو أزيز طائرة عند الإقلاع».

وحول سؤال عن الأضرار الصحية التي يمكن أن تنجم عن ذلك قال هاينريش إن الـ«فوفوزيلا» يمكن أن تؤدي إلى آلام حادة في الأذن، ثم يؤدي أثر الضوضاء بالتدريج إلى الصمم، كما يمكن أن ينشأ عن ذلك صفير متواصل في الأذن. وقال هاينريش إن هذه الأصوات المرتفعة لـ«فوفوزيلا» تؤدي إلى تمزيق الشعيرات السمعية في الأذن الوسطى، ما يستوجب علاجا عاجلا لإعادة حال الأذن إلى وضعها قبل الضرر. وأضاف أنه من الممكن أيضا أن لا تتعافى جميع الخلايا السمعية المتضررة لدرجة تجعل الصفير والضرر الذي يلحق بالأذن طويل المدى. لكن قريبا سيكون في استطاعة مشاهدي التلفزيون إلغاء صوت الـ«فوفوزيلا» «المزعج» خلال مشاهدتهم مباريات كأس العالم. وتدرس هيئة الإذاعة البريطانية في عرض تغطية للمباريات «من دون فوفوزيلا» بعد تلقيها مئات الشكاوى.

ويقول مشجعون إن صوت الأبواق البلاستيكية، الذي يشبه طنين الملايين من النحل الغاضب، تؤثر على التغطية وتجعلهم يشعرون بطنين في الأذن. ويمكن لـ«فوفوزيلا» إصدار صوت تصل قوته إلى 144 ديسيبل داخل الاستادات، وهي بذلك أعلى من الألعاب النارية أو صوت طائرة تقلع أو الصوت الصادر داخل حفل روك.

وفي الوقت الحالي تدرس هيئة الإذاعة البريطانية تقديم تغطية «نظيفة» يمكن من خلالها إلغاء معظم الضوضاء التي يتسبب فيها الجمهور. وقال متحدث باسم هيئة الإذاعة الليلة الماضية: «لقد اتخذنا بالفعل إجراءات من أجل تقليل الضوضاء وما زلنا نراقب الوضع. وإذا بقيت الـ(فوفوزيلا) تؤثر على متعة المشاهد، فسوف نبحث عن خيارات أخرى يمكن أن نتخذها من أجل تقليل الصوت بدرجة أكبر».

وظهرت خطط هيئة الإذاعة البريطانية بعدما قال مسؤولون في كأس العالم، أمس، إن الـ«فوفوزيلا» ستبقى خلال البطولة على الرغم من أقوال سابقة بأن هذه الأبواق ستحظر. وقال إن الضوضاء جزء من بنية كرة القدم داخل أفريقيا، وتأتي على غرار الألعاب النارية في إيطاليا وأبواق الهواء في هولندا.

وقد فوجئ الكثير من المشجعين بالضوضاء التي تتسبب فيها الأبواق البلاستكية التي يبلغ سعرها نحو جنيهين إسترلينيين، والتي يستخدمها آلاف المشجعين خلال المباريات، ويضطر البعض إلى وضع شيء على الأذن لتقليل الطنين.

وبالنسبة إلى مشاهدي التلفزيون فإن الأبواق تبدو مثل طنين مستمر خلال 90 دقيقة. وجاء تأكيد مكوندو بشأن استمرار السماح باستخدام الـ«فوفوزيلا» خلال مباريات كأس العالم بعد تقارير وردت نهاية الأسبوع قالت إن المسؤولين يدرسون حظر الأبواق. وأظهر مسح أخير أن الصوت الذي تصدره الـ«فوفوزيلا» يكافئ 127 ديسيبل، أي أعلى من قوة صوت الطبلة الذي يبلغ 122 ديسيبل وقوة صوت صافرة الحكم التي تبلغ 121.8 ديسيبل.

والـ«فوفوزيلا» عبارة عن إصدار جديد لأداة تقليدية كانت تصنع من قرن بقر الكود. ويقول فان شالكويك إنه قرر تقديم نموذج بلاستيكي بعدما رأى النماذج الأصلية في المباريات. ويبيع الـ«فوفوزيلا» بائعون خارج الملاعب مقابل 2.50 جنيه إسترليني. وتقول الشركة إنها باعت 1.5 مليون «فوفوزيلا» في أوروبا منذ أكتوبر (تشرين الثاني) بالإضافة إلى الملايين في جنوب أفريقيا. وتتوقع شركة «ماسينسيدين سبورت»، المصنعة لـ«فوفوزيلا»، إنه تحقق أثناء هذه البطولة مبيعات تصل إلى 20 مليون راند (نحو 3 ملايين دولار). كما أشار أصحاب المتاجر في جنوب أفريقيا إلى طفرة في مبيعات سدادات الأذن، حيث إن المشجعين من خارج البلاد يستخدمونها لتجنب الضجيج أثناء المباريات.

وكان البرتغالي كريستيانو رونالدو، آخر نجم من نجوم كأس العالم في الإعراب عن عدم ارتياحه بشأن هذه الأبواق، وصرح للصحافيين بأنها تؤثر على تركيز اللاعبين.

وقال الأرجنتيني ليونيل ميسي عقب فوز منتخب دولته بهدف مقابل لا شيء أمام نيجيريا: «من المستحيل التواصل. إن الأمر يشبه وكأنك أصم».

إنه سؤال مفتوح بشأن ما إذا كانت هناك أهمية لهذه الشكاوى، أم أن الأمر ببساطة حالة من الرياضيين المليونيرات الذي يركزون على كل ما هو مختلف بشأن أول بطولة كأس العالم تنظم في أفريقيا.

لكنها لازمة مألوفة من جانب اللاعب السابق أليكس لالاس، الذي لعب مع المنتخب الأميركي في كأس العالم عامي 1994 و1998، والذي يوجد في جنوب أفريقيا كعضو في فريق البث التابع لشبكة «إي إس بي إن».

وقال لالاس البالغ من العمر 40 عاما: «الأمر كله حالة من الشكوى والتذمر. يحدث ذلك في كل بطولة لكأس العالم بشأن الكرة. ويحدث ذلك في كل بطولة لكأس العالم بشأن الملاعب. فعندما تكون في كأس العالم، ويشاهدك مليار شخص - سواء كان الأمر متعلقا بخسارة أو عدم اللعب جيدا - إنها طبيعة بشرية. تحاول البحث عن أسباب أخرى غير الحقيقة التي تقول إنك أخطأت».

ولا تأتي الشكاوى فقط من لاعبي كرة القدم الدوليين.. فكان لاعبوا الرابطة الوطنية لكرة السلة يكرهون كرة السلة الجديدة المصنعة من الألياف المركبة عندما تم تقديمها للمرة الأولى عام 2006، وقالوا إنها تفلت من اليد وتجرح الأصابع، لذا عادت الرابطة بعد ذلك إلى النموذج التقليدي للكرة المصنوعة من الجلد. أضف إلى ذلك الكثير من الشكاوى في رياضات أخرى.

ووسط هذا الجدل بشأن الكرة، اتهم الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جيرومي فالكي اللاعبين البرازيليين المتذمرين باستخدام هذه القضية كذريعة، إذا ما احتاجوا إليها، إذا كان أداؤهم ضعيفا.

وسخر المدير الفني للمنتخب البرازيلي دونغا من ذلك، وقال إن فالكي لم يركل الكرة من قبل.

وعلى الجانب الآخر، يؤيد عدد متنام من مشاهدي التلفزيون اللاعبين الذين يشعرون بأن الـ«فوفوزيلا» تصرف انتباههم عن المباراة. وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، لم يستبعد داني غوردن، الرئيس التنفيذي للجنة المحلية المنظمة في جنوب أفريقيا، احتمالية حظر الأبواق. بيد أن بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، قال أول من أمس، الاثنين، إن الـ«فوفوزيلا» هنا لتتكلم. وصرح لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «لا أرى حظر التقاليد الموسيقية للمشجعين في دولتهم».