النظام الملكي المضيف لكأس العالم في فوكنغ يستثمر في رعاياه

تعد الرياضة جزءا من خطة أوسع لإقرار النظام وروح العمل الجماعي في المجتمع

أحد الفصول المدرسية التي تعتبر درة جهود فوكنغ لتخريج أجيال طموحة («نيويورك تايمز»)
TT

قام الملك الشاب الوسيم لشعب بافوكنغ بتشييد استاد يسع 39.000 مقعد على أمل أن يأتي يوم تشهد قريته فعاليات بطولة كأس العالم. ولا يزال جورج كونو، أحد مستشاريه، يتذكر قوله: «دعونا نبن هذا الصرح من أجل المستقبل».

وبعد عقد من افتتاح الاستاد على يد الملك مولون ليبون مولوتليغي الثاني، وصلت إلى القرية فعاليات كأس العالم وخاض المنتخبان الأميركي والإنجليزي أول لقاء بينهما على أرض هذا الملعب ووجد شعب بافوكنغ بتطلعاته نحو العظمة والتقدم اعتمادا على مخزونات البلوتونيوم التي تحظى بها أراضيه، نفسه في بؤرة الأضواء العالمية.

وعمد الأطفال الذين سيطر عليهم شعور بالفخر إزاء مكانة مجتمعهم إلى التجول بزهو في مواكب عبر شوارع القرية في الأيام الأخيرة.

تعد بافوكنغ واحدة من بقايا العهد الملكي في جنوب أفريقيا المعاصرة، وتحمل المملكة أهمية كبيرة بالنسبة إلى القارة الأفريقية برمتها. ويحاول الملك الحالي، ليرو تشيكيدي مولوتليغي، وهو مهندس معماري والشقيق الأصغر للملك ليبون الثاني، كسر ما يطلق عليه «لعنة الموارد» التي جلبت الفساد والمصاعب على الكثير من الدول الأفريقية الغنية بالذهب والنفط والماس والبلوتونيوم وموارد طبيعية أخرى.

وأعرب الملك ليرو، (42 عاما)، عن اعتقاده أن «القارة تناضل. وينبغي أن يظهر مكان تتخذ به الأمور منحى مختلفا. وتلك تحديدا الفكرة التي تلهمني. هل سنبقى قارة شحاذين إلى الأبد، حيث ينهار كل شيء؟ أين تجد كل هذه الموارد والأراضي؟ ليس هناك ما يدعو إلى الوضع الراهن».

وقال الملك ليرو إنه ظل يكافح من أجل إعادة صياغة مملكته الصغيرة التي تعادل مساحتها قرابة نصف مساحة جزيرة رود، وتقع على مسيرة ساعتين شمال غرب جوهانسبورغ ويبلغ عدد سكانها 300.000 نسمة. ويحاول جاهدا تحويلها إلى نظام جدارة، حيث تجري مكافئة العمل الجاد والموهبة. وتعد الرياضة جزءا من خطة أوسع لإقرار النظام وروح العمل الجماعي في مجتمع رعوي يخضع على نحو متزامن لحكم سلطة قبلية وراثية ودولة ديمقراطية ليبرالية هي جنوب أفريقيا.

تحت رعاية الملك، استثمر البافوكنغ قرابة 70 مليون دولار لتحديث قصر بافوكنغ الرياضي الملكي، الذي يستضيف حاليا لقاءات من بطولة كأس العالم، وبناء مجمع رياضي متطور يقيم به المنتخب الإنجليزي حاليا. وقد انضم غالبية طلاب المدارس هنا إلى برامج رياضية خارج المنهج الدراسي يتولى تكاليفها بافوكنغ وذلك على مدار السنوات القليلة الماضية، مع الاستعانة ببرازيليين لتدريب مئات مدربي كرة القدم المحليين العاملين غي قرى بافوكنغ البالغ عددها 92 قرية.

ورغم أن شعب بافوكنغ لا يزال يعاني الفقر، فإن الأرض التي يشاركون جميعا في ملكيتها تقع فوق 40% من احتياطيات البلوتونيوم في العالم، وهو معدن أعلى قيمة من الذهب. وقد بدأت معظم الأموال المتدفقة من وراء هذه المخزونات في التدفق على المنطقة خلال العقد الماضي فقط. إلا أن مسؤولين هنا أكدوا أن حقيبة بافوكنغ الاستثمارية المتنوعة على نحو متزايد ارتفعت قيمتها بمقدار أربعة أضعاف على امتداد السنوات الخمس الماضية، وتبلغ قيمتها الآن 4.3 مليار دولار.

من ناحيته، أوضح الملك ليرو أنه يرمي إلى ادخار ثروة تحسبا لليوم الذي ستنفد فيه احتياطيات البلوتونيوم. وعليه، يعتمد بصورة مكثفة على الحصص والأسهم في تمويل التنمية.

في هذا الصدد، أكد نيال كارول، المسؤول السابق بمجال الاستثمار المصرفي في «دويتش بنك» ويعمل حاليا رئيسا تنفيذيا لـ«رويال بافوكنغ هولدنغز»، أن الملك «ليس شعبويا. إنه لن يدمر إرث الأجيال الماضية».

الواضح أن ولع الملك الأكبر ينصب على التعليم. وقد استعان بإيان مكلشلان، أستاذ الرياضيات بمدرسته الثانوية، في رئاسة معهد بافوكنغ الذي يعمد إلى إعادة صياغة السياسة التعليمية هنا، حيث يتولى تدريب المدرسين والنظار وإدارة حصص إضافية للرياضيات والعلوم خلال العطلات وبناء مدارس وحث مديري المدارس على التأكد من أن المراحيض مناسبة.

أما درة هذه الجهود، فتتمثل في مدرسة خاصة جديدة ذات طراز معماري فريد أقيمت على جبال ماغاليزبيرغ، وتطل على قرى الفوكنغ ومزارع المريمية والزيتون. وبلغت تكلفة بناء المدرسة 72 مليون دولار وتهدف إلى تخريج أجيال طموحة من أبناء بافوكنغ.

وأعرب جورج هاريس، ناظر المدرسة، عن أمله الاستعانة بأفضل المدرسين في العالم الذين سيتولون بدورهم التدريس للمعلمين بنظام المدارس العامة داخل فصول فسيحة، تضم كل منها حديقة داخلية ومراحيض خاصة بها.

ومن المقرر أن تفتح المدرسة أبوابها قريبا، وتضم في نهاية الأمر 800 طالب من مرحلة الحضانة حتى التعليم الثانوي، معظمهم أطفال محليون حاصلون على منح يتولى بافوكنغ سداد تكاليفها. وتعرض المدرسة دروسا في الموسيقى والدراما والرياضة، وكذلك المواد الأكاديمية.

من جهته، قال الملك ليرو: «إنها ليست مدرسة للأثرياء، وإنما للموهوبين، سواء من أبناء الأسر الميسورة أو المتواضعة اجتماعيا».

ويتسم الملك، وهو رياضي يمارس رفع الأثقال في صالة ألعاب رياضية في رستنبرغ المجاورة ويتحدث عن النظرية التعليمية مع مكلشلان، بعزلة شديدة ويقول مستشاروه إنه يبعث لهم برسائل إلكترونية ورسائل نصية عبر الهاتف الجوال خاصة بالعمل في الساعات الأولى من الصباح.

وقال أحدهم، وهي سوزان إي. كوك، عالمة أنثروبولجي أميركية التقاها أثناء قيامها بنشاط ميداني هنا في تسعينات القرن الماضي، وتعامل معها بأسلوب مهذب حسبما تقضي قواعد الإتيكيت أثناء توجهه إلى قاعة مؤتمرات، وعن الأسلوب اللائق للتعامل معه: «عليك النهوض عندما يدخل عليك ولا تمد يدك للمصافحة إلا إذا فعل هو ذلك أولا. وغالبا سيفعل ذلك».

في القرن التاسع عشر، منحت الأراضي إلى المستوطنين البيض، وحرم شعب بافوكنغ من أراضيهم هنا. وعليه، قرر الملك موكغاتل، الذي تميز بالحكمة وينظر إليه باعتباره الأب الروحي لأمة بافوكنغ، أن يشتري أبناء بافوكنغ أراضيهم الزراعية من خلال أسماء يعترف بها البيض. وبالفعل، عمل المئات من أبناء بافوكنغ - بل ولقي بعضهم حتفه في مناجم الماس على بعد مئات الأميال في كيمبرلي - ليسهموا بجزء من دخلهم في تسديد ثمن الأرض. وكان محظورا على أصحاب البشرة السمراء شراء أراض في ذلك الوقت. لذا، قاموا بشراء الأرض باسم مبشر أبيض من أتباع المذهب اللوثري، قام بشراء الأراضي نيابة عنهم.

وبعد أجيال، تم اكتشاف البلوتونيوم تحت الأرض ذاتها. خلال حقبة التمييز العنصري وما بعدها، خاض بافوكنغ معركة قانونية مع «إيمبالا بلوتونيوم» للحفاظ على حقوقهم بمجال التعدين وفازوا بتسوية مرضية.

وقال الملك ليرو إنه يأمل أن يتخذ قرارات الآن تضمن مستقبل شعبه، مثلما فعل الملك موكغاتل منذ أكثر من قرن مضى.

وقال: «أفكر حول ما يمكنني عمله الآن بحيث عندما أرحل عن الحياة، بعد 200 عام من الآن، يقول الناس: كان لدينا حاكم ذو بصيرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»