ريهام السعدني وأيمن لطفي: اخترنا الصعب.. وفننا لا يخدش الحياء

حصدا جوائز عالمية وحققا تجربة فريدة في فن «البادي آرت»

ريهام السعدني وأيمن لطفي «أخذنا ما يناسبنا من فن (البادي آرت) وعملنا فنا لا يخدش الحياء» («الشرق الأوسط»)
TT

الرسم على الجسد، أو «البادي آرت» فن منتشر بكل أنحاء العالم، يدرس بكليات الفنون وله معاييره ورواده، إلا أن عاداتنا وتقاليدنا الشرقية تضعه دوما في دائرة التحفظ، مما دفع فنانة تشكيلية ومصورا فوتوغرافيا إلى ابتداع فكرة وتجربة جديدة تم وصفها من قبل القائمين على المعارض العالمية - وخاصة في النمسا - بأنها الأولى من نوعها في العالم.

التجربة كما وصفتها صاحبتها الفنانة التشكيلية المصرية ريهام السعدني تنطوي على استخدام الوجه البشري والأكتاف والذراعين لرسم بورتريه كامل بألوان الأكريلك، مع إمكانية استخدام أسلوب الكولاج في بعض الأحيان من خلال الاستعانة بقصاصات من الورق أو الزجاج وغيره من الإكسسوارات الأخرى لاكتمال الفكرة، ليتم بعد ذلك تصويرها كبورتريه بعد أن يتم اللعب عليها من خلال الظل والنور لتخرج في النهاية بشكل مبهر يعبر عن فكرة ما.

لكن البعض قد يظن أن الفكرة ليست بجديدة، حيث ينتابك دائما إحساس بأن هناك الكثيرين من الأشخاص قاموا بالرسم على وجوههم.. توضح ريهام هذه النقطة قائلة: «إن ما كنا نراه هو مجرد رسوم وألوان يتم التعامل معها بشكل تجاري جدا، كالتي نراها في الاحتفالات وفي المهرجانات، أما التعامل مع ذلك على أنه فن تشكيلي يتم إشراكه في المعارض المحلية والعالمية بعد تصويره من قبل فنان ومصور فوتوغرافي محترف للخروج بفكرة بورتريه، فهذا لم يحدث من قبل».

وعن فرادة التجربة يقول المصور الفوتوغرافي أيمن لطفي: «قبل الاشتراك بهذه التجربة في المعارض العالمية، نصحنا الكثير من الفنانين التشكيلين العالميين بعدم خوض التجربة لصعوبتها، لأن الوجه بعد الرسم عليه يصبح من الصعب الخروج منه ببورتريه معبر له دلالة وإيحاءات فنية. فأغلب الوجوه الأوروبية صماء وغير معبرة وليست مليئة بالتعبيرات كالوجه العربي، كما أنهم نصحونا بالاكتفاء بالتعامل مع الجسد للرسم عليه، ورغم سهولة الرسم على الجسد إلا أننا تمردنا على ذلك بسبب تمسكنا بتقاليدنا وعاداتنا التي تلفظ مثل هذا الفن وقررنا خوض الصعب والرسم على الوجه حتى تم إدراجنا ضمن أحسن الأعمال الفنية التشـــــــكيلية في التصوير الفوتوغرافي والزيتي عالميا خلال 2009، التي تضمنها الكتاب الصادر عن أشهر المعارض التشكيلية في العالم المقام في النمسا ليس فقط لجمالها بل لفرادتها أيضا».

وعن بداية التجربة، تقول ريهام «تعرفت على أيمن في عام 2005، عندما كنت أحضر لنيل الماجستير في فن الأداء، وهذا ما جعلني أدرس بعض ملامح فن «البادي آرت».. وفكرنا في التجربة معا وكانت تعتبر وهمية حتى إننا لم نستطع حتى أن نتخيلها، فبدأت بالرسم على وجهي أمام المرايا بالأكريلك ثم قام أيمن بتصويري، ومن هنا بدأنا بالعمل على الفكرة، فأنا وأيمن جمعنا حب البورتريه هو يعشق تصويره، وأنا أعشق رسمه».

وتصف ريهام الفكرة بأنها عملية إبداعية مركبة، تبدأ باختيار الألوان لتعبر عن مدلول رمزي ما ثم تبدأ بالتعامل مع الوجه على أنه قطعة حجرية، آخذة في الاعتبار أن التعبير سيكمن في الإيماءات والعين فقط، حتى إنها تستعين في بعض الأحيان بلصق الورق كقصاصات من مجلات وزجاج ومواد وخامات أخرى (كولاج)، ليأتي بعدها دور أيمن ليلعب بالظل والنور قبل التقاط الصورة مع توفير أجواء من الموسيقي والإضاءة للموديل تمنح خيالها الانطلاق والتقاط التعبيرات الخاصة التي تؤكد على الفكرة التي تعمل عليها، فهي تقول دائما «نحن مثل القائمين على صناعة الأفلام كل واحد له دور ما، ثم يأتي دور الآخر ليقوم بدوره وفي النهاية النتيجة هي عمل واحد ناجح ومبهر».

وعن المعارض التي قاما بها، كان أولها تحت عنوان «الوجه الآخر للوجوه»، وكان مغزاه فلسفيا يدور حول تعدد الوجوه التي يرتديها الشخص في الواقع للحصول على مكاسب ومصالح شخصية مهما كانت التضحيات ومن ثم بعدها يتوه الوجه الحقيقي لهذا الشخص.

أما مشروعهما الآخر، فقاما به في مطار القاهرة بمناسبة التوسعة الجديدة للمطار وبدعوة من وزير الثقافة الفنان فاروق حسني لعمل مثل هذه التجربة لكن بمفهوم جديد من خلال تصوير 14 بورتريها تمثل وجوها لجنسيات العالم، وهنا تقول ريهام بالفعل أحضرنا 14 موديلا تمثل جميع جنسيات العالم واشتغلنا على الوجوه، ليخرج المشروع بعد 5 أشهر، وكان مكلفا ماديا ومرهقا، حيث تطلب منا ذلك دراسة ثقافات كثيرة للخروج بأفضل الوجوه والتعبيرات والألوان والتشكيلات التي تعبر بالفعل عن جميع هذه الجنسيات.

وتذكر ريهام أنها وأيمن وقعا في مأزق عندما تطلب منهم أحد المشاريع أن يتم الرسم على الجسد ككل، إلا أنهما تغلبا على هذه المشكلة عندما قامت بالرسم على بدلة استرتش قبل أن ترتديها الموديل ثم ألبستها وبدأت تكمل رسمها على الوجه ثم الأكتاف ثم الذراعين، حيث كان يتطلب العمل رسم عروسة بحر مما يتطلب رسم الجسد ككل، ثم فصلت لها ذيلا من الجلد ومن ثم تم تصويرها على «كوروما» لتظهر وكأنها عروسة بحر تعوم تحت مكتبة الإسكندرية وتم عمل لوحتين منه في المكتبة.

ريهام وأيمن حصلا على جوائز كثيرة في أوروبا وبالأخص في النمسا، وفي مسابقة الجمعية الأميركية (KSA) للفنون حصلا على جائزة في التصوير الفوتوغرافي، وتم وضع العمل على غلاف كتاب المسابقة، الذي يطبع منه 60 ألف نسخة في سابقة هي الأولى من نوعها لم تحدث لأي فنان عربي، كما تم استضافتهما في مالطا بسبب مشـــــــــروع المطار لإعطــــــــاء كورسات في هذا الفن.

وتستغرق ريهام ساعتين في رسم الوجه ثم يتم تصويره في 3 ساعات أخرى، أي إن العمل الواحد يستغرق 5 ســــــــــــــاعات للوجه الواحد، ودائما ما ينشـــــــــف اللون على الوجه أثناء التصوير فتتســــــــــــــــاقط الألوان من على الوجه فتـــــــــــبدأ في علاجها من جديد حتى يتم الانتهاء من عملية التصوير.

تم اختيار ريهام كقومسير للجناح المصري في بينالي أمستردام المقبل وستشترك بأحد أعمال مجموعة المطار، كما اختارت أيمن لطفي للمشاركة بمجموعة من أعماله كمصور فوتوغرافي.

وقد قاما مؤخرا بالانتهاء من تجربة تحت اسم (ليه لأ)، كما يعكفان في الفترة المقبلة على دراسة موضوع جديد ليقوما به معا خلال عامي 2010 و2011.

في النهاية تؤكد ريهام: «أخذنا ما يناسبنا من فن (البادي آرت) وعملنا فنا لا يخدش الحياء، وكان سهلا أن نأخذ الجســـــــــــــد ككل مثل الفنانين الأجانب، إنما اخترنا الصعب وغير الموجود، واعتمدنا فقط على إيماءات الرقبة والعين لوجه موديل دائما ما تقول بعد التجربة كنت أعيش رحلة لكوني مختفية وراء وجه آخر فمنحتني حريتي ولو لبضع ساعات».