الجزائر تضخ الحياة في المشهد الثقافي

عبر إنجاز عدد من المشاريع الثقافية

حرفية تعمل على تصنيع آلات الكمان في ورشة أقيمت داخل المعهد العالي للموسيقى بالجزائر (رويترز)
TT

كان الهادي رجب أيقونة عالم الفن في الجزائر، فاحتفت به النخبة الحاكمة في البلاد واستمع إليه الملايين ووجهت إليه الدعوات للغناء في موسكو وبكين.. والآن، يعيش رجب وهو في سن التاسعة والستين مريضا عاطلا منسيا.

الفنان الذي عاش تألق النجوم لفترة يعاني الإهمال ويطالب بقليل من الاهتمام.. خلال حديثه مع وكالة «رويترز»، قال الهادي: «كفنان أنا مهمل... لا أحتاج الكثير. فقط بعض التقدير».

وحالة رجب هي تجسيد لمصير الثقافة الشعبية في الجزائر خلال العشرين عاما الأخيرة، فقد أسكتت سنوات الصراع المسلح بين الحكومة والمتمردين الإسلاميين صوت ثقافة كانت تنبض يوما بالحياة، فخلال هذه السنوات حرم المتشددون الموسيقى وكف الناس عن الذهاب للمسارح خشية أن تقطع رؤوسهم.

ولكن الجزائر تشهد تغييرا واضحا الآن، فالحكومة صبت جانبا من اهتمامها على إحياء الثقافة.. على الأقل.. لتقدم لملايين العاطلين في البلاد شيئا يفعلونه.وتستثمر الحكومة جزءا من مليارات الدولارات التي تجنيها من عائدات النفط والغاز في مشاريع ثقافية، من بينها بناء مسارح ومتاحف ومكتبات جديدة. يقول بن حمادي زواوي المدير العام للوكالة الوطنية لتسيير المشاريع الثقافية الكبرى: «الجزائر تستحق هذا بعد سنوات من الدم والدموع». وتظهر إلى الوجود خمسة مشاريع كبرى قبل عام 2014، هي مركز للترفيه والثقافة، ومكتبة للثقافة العربية والأميركية الجنوبية، ومركز للآثار العربية، ومتحف لأفريقيا، ودار للأوبرا. كما سيتم افتتاح قاعة للموسيقى في غضون الخمسة أشهر المقبلة.

كل ذلك كان سيعتبر إثما أو ترفا لا يمكن تصوره خلال الصراع الذي يعرف في الجزائر «بالسنين السوداء» التي حصدت أرواح نحو 200 ألف شخص. وفي ذروة العنف خلال التسعينات، قتلت الجماعة الإسلامية المسلحة الكثير من الفنانين، من بينهم الشاب حسني نجم موسيقى الراي الجزائرية، والكاتب المسرحي عبد القادر علولة، وهو ما كان رسالة واضحة إلى باقي الفنانين. فغادر الشاب خالد المعروف بلقب «ملك الراي» الجزائر إلى فرنسا إلى جانب الكثير من الفنانين الآخرين. وأغلقت دور السينما والمسرح أبوابها لعدة أسباب من بينها خطورة الخروج ليلا.

لكن، بعد سنوات بدأ الناس المغامرة بالخروج مساء، لكنهم لم يجدوا الكثير ليفعلوه. فالحفلات الكبرى نادرة وعندما تنظم تجتذب أعدادا غفيرة من المتحمسين خاصة من الشبان الذين يسعدهم العثور على بعض أشكال الترفيه الحي.

وأحيانا قد تتحول طاقة الشبان إلى غضب، وتحدث أعمال شغب متفرقة في الجزائر بسبب البطالة وارتفاع الأسعار والظروف السكنية السيئة. ويقر المسؤولون بالحاجة إلى شغل أوقات فراغ الشباب المحبط.

وقال زواوي لـ«رويترز» في قصر عثماني سابق تتخذ وكالته منه مقرا لها «الأماكن التي بوسع الشبان الالتقاء فيها للاستماع إلى الموسيقى وقراءة الكتب والحصول على بعض الترفيه نادرة في الجزائر. ينبغي لنا أن نهتم ذلك».

كما أن إحياء الثقافة يتعلق كذلك بإعادة اكتشاف الجزائر ثقتها بنفسها. ويقول زواوي إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة «يبذل ما بوسعه كي تحصل الجزائر على المكانة التي تستحقها ثقافيا». لكن، من المرجح أن يأتي التركيز الجديد على الثقافة متأخرا كثيرا بالنسبة إلى رجب الذي اعتزل الغناء منذ فترة طويلة. ويقول محمد بغالي، رئيس القسم الثقافي في جريدة «الشروق»، إنه بوسعه تقديم قائمة طويلة بفنانين كانوا ملء السمع والبصر في السبعينات والثمانينات يكابدون الآن الفقر والإهمال. ويضيف: «قطاع الثقافة حصل على نصيب صغير من أموال النفط لا يكفي، لأن الاحتياجات ضخمة»، لكنه يستطرد قائلا: «الأمور تسير في الاتجاه الصحيح».