الكريكيت هوس باكستاني بلا حدود

مشاهدتها تصيب المشجعين بنوبات إثارة وتوتر يزداد أكثر عند ملاقاة فريق الهند

شعبية اللعبة أتاحت الفرصة لكابتن منتخب الكريكيت السابق عمران خان الذي حصل على كأس العالم عام 1993 دخول الساحة السياسية الباكستانية وانتخابه عضوا في البرلمان بعد أن هزم ساسة بارزين (رويترز)
TT

عقدت مباراة في الدور شبه النهائي بين منتخب الكريكيت الباكستاني ونظيره الأسترالي في إطار بطولة كأس العالم العشرين للكريكيت، واستحوذ ذلك الحدث المواطنين في كافة أنحاء المدن الباكستانية الكبرى. وبقي الازدحام المروري على أشده في الطرقات والشوارع مساء الجمعة يوم المباراة، فيما ساد الهدوء الكثير من الطرق الأخرى التي تزدحم عادة بالمرور، وعجزت الفنادق أيضا عن جذب عملائها الذين يأتون إليها ليلا.

وتجمع المشجعون بفنادق صغيرة وداخل المقاهي حيث كانت أجهزة التلفزيون تعرض بثا مباشرا للمباراة التي كانت مقامة بجزر الهند الغربية. ووضع بعض المشجعين المهووسين برياضة الكريكيت أجهزة التلفزيون في الشوارع وجلسوا لمشاهدة المباراة.

وكان الهوس بالكريكيت واضحا حيث كان الجميع يراقبون كل ضربة خلال المباراة بتأهب بالغ. ويقول عدنان خان، الذي يقيم في القطاع «ج - 6» داخل العاصمة الباكستانية إسلام آباد: «تأتي هذه المناسبات مرة واحدة في العام، ولذا نأخذ أعلى استعدادات لهذه الاحتفالات». ووضع خان شاشة تلفزيونية كبيرة أمام منزله كي يستطيع شباب المنطقة مشاهدة مباراة الدور قبل النهائي.

ويتجمع الناس من مختلف الأعمار أمام شاشات التلفزيون ليشاهدوا المباراة، وقد كان الحشد كبيرا لدرجة أن الطريق الرئيسي في القطاع «ج - 6» بقي مغلقا منذ بدء المباراة في المساء داخل ترينيداد بجزر الهند الغربية.

وأخذ الشباب داخل كل قطاع سكني تقريبا في إسلام آباد استعداداتهم للاحتفال بالفوز، وكان في حوزتهم مفرقعات نارية وسجلوا طلبات لدى محلات الحلوى. ولكن لسوء طالع هؤلاء المشجعين، خسرت باكستان مباراة الدور قبل النهائي وخرجت من البطولة. وبدأ المواطنون يتفرقون بعد أن أعربوا عن شعورهم بعدم رضاهم. ولكن، لم يتصرف الجميع بهذا القدر من الهدوء، ففي تلك الليلة استقبل المعهد الباكستاني للعلوم الطبية، وهو أكبر مستشفى داخل إسلام آباد، 6 مرضى يعانون من التوتر الزائد من أماكن مختلفة بالمدينة.

كان هؤلاء المرضى في حالة غضب شديد، وكانوا يهاجمون منتخب الكريكيت وأعضاء لجنة وطنية تضم لاعبي كريكيت سابقين يشرفون على اختيار الفريق القومي، وذلك بسبب الأداء الضعيف في مباراة الدور قبل النهائي ضد المنتخب الأسترالي.

ويقول الدكتور وسيم أحمد، وهو طبيب بالمعهد الباكستاني للعلوم الطبية كان مشرفا على علاج هؤلاء المرضى وأعطاهم أدوية مهدئة: «في الواقع، كان هؤلاء يشعرون بالإثارة الشديدة خلال مشاهدتهم المباراة، ولذا فقد كانوا يعانون من التوتر الزائد».

وقال أطباء من المعهد الباكستاني في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن أعداد المرضى الذين يعانون من نوبات إثارة أو توتر زائد كان سيزداد أكثر لو كانت هذه المباراة بين الهند وباكستان.

ويطلق على هذه الحالة داخل باكستان جنون رياضة الكريكيت، ويعاني معظم الشباب داخل المجتمع الباكستاني من هذا الأمر. وبالنسبة إلى عدد كبير من العائلات تحول جنون الكريكيت إلى مشكلة اجتماعية. ويقول محمد مسكين، وهو بائع فاكهة داخل إسلام آباد: «قبل أعوام قليلة كان أخي الأصغر ينفعل بدرجة كبيرة وكان يصرخ عندما يشاهد المنتخب الباكستاني يخسر مباراة. وفي الوقت الحالي أصبح أكبر سنا، ولكن أصبحت أختي الأصغر تمثل مشكلة بالنسبة لي».

ولا تخسر باكستان دوما مباريات الكريكيت الدولية، فقبل عام حققت باكستان لقب بطل العالم بعد أن فاز المنتخب في بطولة كأس العالم العشرين للكريكيت.

وتبع هذا الفوز احتفالات على مدار ليلة كاملة بكافة المراكز الحضرية الكبرى في باكستان. وجاء الفوز وسط أزمة تسلح ونشاط إرهابي في الجزء الشمال الغربي من البلاد، ولذا وصفت قيادات حكومية الفوز بأنه شيء يظهر أن باكستان دولة معتدلة. وقال وزير حكومي: «على الأقل لدينا شيء نحتفل به، وهذا الفوز في كأس العالم منحنا سببا للاحتفال».

وقد جاءت لعبة الكريكيت إلى شبه القارة الهندية - الباكستانية إبان الحكومة البريطانية الاستعمارية. وعلى مدى قرابة 3 عقود بعد الاستقلال، استمر الباكستانيون يمارسون رياضة الكريكيت على المستوى الدولي، ولكن لم يكن هناك هذا النوع من الهوس الجماعي بتلك الرياضة. وشهدت السبعينات من القرن الماضي ظهور لاعبي كريكيت باكستانيين تميزوا بالأداء الجيد على الساحة الدولية. وتزامن الهوس بالكريكيت في المجتمع الباكستاني مع ظهور لاعبين باكستانيين على المشهد الدولي.

وفي السبعينات، عندما أطلق القطب الإعلامي الأسترالي ومالك القناة التاسعة كيري باكر عاصفة في عالم الكريكيت عن طريق تدشين بطولة كريكيت دولية منفصلة في الفترة من عام 1977 حتى 1979، كان لذلك تبعات غير مقصودة في مختلف الأنحاء. وشهدت شوارع المراكز الحضرية داخل باكستان انتشار ممارسة رياضة الكريكيت ليلا وكان الشباب يستخدمون كرة التنس. ويقول سيد انتخاب علي، وهو مؤرخ كريكيت داخل باكستان: «عزز من هذه العاطفة مشاركة نجوم باكستان مثل عمران خان وآصف إقبال وزاهر عباس في البطولة العالمية غير الرسمية التي ضمت لاعبي كريكيت بارزين آخرين من مختلف أنحاء العالم».

وبعد تأثرهم بالأضواء الباهرة في البطولة غير الرسمية، أخذ الشباب الباكستانيون يمسكون الخيزران في الشوارع ويشعلون أعمدة الإنارة في الشوارع نهاية كل أسبوع ليمارسوا الرياضة. ويتذكر أحد لاعبي الكريكيت الكبار: «في بعض المناطق كان في كل شارع تقريبا تقام مباراة»، وخلال العقدين التاليين، ظهر منتخب الكريكيت الباكستاني كأحد أفضل المنتخبات في العالم. ويقول مؤرخ كريكيت «عزز ذلك من الهوس بالكريكيت داخل المجتمع الباكستاني».

وزاد الهوس باللعبة داخل المجتمع، لدرجة أن كابتن منتخب الكريكيت عمران خان، الذي حصل على كأس العالم عام 1993، دخل إلى الساحة السياسية وانتخب عضوا في البرلمان بعد أن هزم ساسة بارزين.

وبسبب الهوس برياضة الكريكيت ظهرت بعض الشخصيات المثيرة على الساحة الوطنية في باكستان، ومن بين هذه الشخصيات صوفي عبد الجليل. ولا يلعب عبد الجليل الكريكيت ولم يمارس الرياضة من قبل. ولكن بلحيته البيضاء وثيابه التي تجمع بين اللونين الأخضر والأبيض (وهما لونا علم باكستان)، استطاع أن يكون من الوجوه الشهيرة في رياضة الكريكيت داخل باكستان.

ربما لم يسمع اسمه الكثيرون داخل باكستان، ولكن يعرف الجميع لقبه العاطفي «العم كريكيت». ويعد صوفي عبد الجليل زعيما غير رسمي لمشجعي منتخب الكريكيت الباكستاني، سواء كان الفريق يلعب في داخل باكستان أو في الخارج. وقال عبد الجليل في حديث مع «الشرق الأوسط»: «نعم، لقد شاهدت 400 مباراة للمنتخب الباكستاني داخل وخارج باكستان». ويسافر عبد الجليل مع منتخب الكريكيت في أي مكان يذهب إليه، ويحاول المصورون والقنوات التلفزيونية الدولية والمحلية تصويره وهو يرقص ويغني بينما يشجع منتخب الكريكيت الباكستاني. ويقول عبد الجليل: «خلال كأس العالم عام 1999 قدت حشدا يضم 70 ألف باكستاني في شارع لندن غرين. وفي وقت سابق لم يستطع النجم السينمائي أميتاب باتشان سوى جذب حشد يضم 20 ألفا في نفس الشارع».

ويقول معلق الكريكيت محمد نومان: «إذا كانت المباراة بين الهند وباكستان يترك الشعب الباكستاني بأسره كل شيء آخر ويركز على هذه المباراة». وفي هذه المباريات يواجه لاعبو الكريكيت الباكستانيون الضغوط الأشد من نوعها. ويقول عمر أكمل، وهو لاعب بارز في المنتخب الباكستاني: «يمكن أن تحولك مباراة مع باكستان إما إلى بطل وإما إلى لا شيء». ولكن منذ الهجوم على منتخب الكريكيت السريلانكي داخل لاهور قبل عامين من قبل جماعة مسلحة، ترفض الدول لعب الكريكيت داخل باكستان، مما أدى إلى حرمان البلاد من أحد مصادر المتعة.