صوماليات: التحقنا بالشرطة رغبة في الخدمة وخوفا من الشارع

استقطبت أعدادا كبيرة من النساء اللاتي عملن فيها قبل 20 عاما

صوماليات يعملن في الشرطة خلال استعراض عسكري (أ.ب)
TT

لم تكن المرأة الصومالية تعاني أي نوع من القيود الاجتماعية السائدة في كثير من البلدان العربية قبل 20 عاما، فهي في البادية عماد الأسرة وتقوم برعي المواشي وفلاحة الأرض وجلب المياه، وفي الحضر تمارس التجارة وتشغل الوظائف الحكومية وتنخرط في سلك الجيش والشرطة والتدريس وتسافر لغرض التعليم والسياحة من دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من الزوج أو الأقارب. وشغلت منصب وزيرة وسفيرة وبرلمانية. ويرجع الفضل في كل تلك التطورات إلى الحكومة الصومالية ذات التوجهات الاشتراكية التي ركزت على إعطاء المرأة دورا يكاد يساوي الذكور في المجتمع، لكن معظم ذلك أصبح تاريخا الآن.

ولكن يلحظ الآن عودة وظائف نسائية كانت قد اختفت منذ 20 عاما، ومنها وظيفة «الشرطي» التي ليست جديدة على النساء في الصومال، ولكنها جديدة بالنسبة إلى الأجيال الجديدة من المجتمع. فقد فتح جهاز الشرطة الصومالي الذي تمت إعادة إنشائه، أبوابه للسيدات الصوماليات للانخراط فيه وتلقي التدريبات اللازمة لممارسة مهنة الشرطة.

وقد استقطبت هذه المهنة أعدادا كبيرة من النساء الصوماليات سبق لبعضهن العمل في الشرطة قبل عشرين عاما، وتم أيضا استقطاب الفئات الشابة للانخراط في جهاز الشرطة، ويقارب عدد المنضمات حتى الآن للعمل في هذه الوظيفة (الشرطي) 1000 من النساء الصوماليات، من بينهن من يعمل كـ«ضابط» برتب عالية.

تقول زهرة (46 عاما)، وهي ضابط برتبة «ملازم ثاني» إن العمل كـ«شرطي» كان يستهويها منذ فترة طويلة، كما أن مكانة «الشرطي» الرفيعة في المجتمع الصومالي قبل الحرب أغرتها بالالتحاق بسلك الشرطة. وكانت الشرطة الصومالية التي أنشئت أيام الاحتلال الإيطالي والبريطاني تتمتع بسمعة جيدة في الشارع الصومالي، وتفرع عنها الجيش الصومالي قبل 60 عاما.

وتضيف «الضابط» زهرة أنها لا ترى مشكلة في استخدام السلاح الذي تحمله الشرطة عادة وهو المسدس والكلاشنيكوف، وأنها قد تغلبت على الخوف من إطلاق النار تدريجيا «فالشرطي عنصر أمن في الأساس والسلاح جزء من حياته العملية»، وتضيف: «لكن السلاح الآن في كل مكان، فالشرطي في حالة حرب، ولم يعد عنصرا ساهرا على أمن المواطنين فقط».

ويعاني من يعمل في وظيفة «الشرطي» من النساء الصوماليات من بعض المشكلات أثناء تأديتهن العمل، كما تشرح حليمة (31 عاما) التي التحقت بالشرطة الصومالية قبل 5 أعوام وتلقت تدريباتها في أكاديمية الشرطة الصومالية بمقديشو المعروفة أيضا بـ«إسكولا بوليسيو»، وورثت حليمة حب مهنة الشرطة من والدتها التي كانت تعمل كـ«ضابط» سابق في الشرطة الصومالية.

وتقوم حليمة كزميلاتها في الشرطة في مقديشو بارتداء زي الشرطة في مكان العمل فقط، وتخلع هذا الزي عند مغادرتها مقر الشرطة، حيث تستبدل به لباسا مدنيا. تقول حليمة: «في الصباح عندما نتوجه إلى أماكن عملنا نضع زي الشرطة في حقيبة ونلبسه في مقر الشرطة ثم عند انتهاء العمل نعيده إلى حقائبنا ونذهب إلى المنزل.. وهكذا». وتضيف زميلتها فاطمة (29 عاما) التي تعمل في الشرطة أيضا: «إن الشارع الصومالي تغير كثيرا في السنوات الماضية، فلم يعد يتحمل فتاة ببنطلون وقميص وحذاء وقبعة مائلة!.. هناك أفكار متشددة بعض الشيء في الشارع، والجيل الجديد تعود فقط على رؤية المرأة وهي ترتدي (الجلابيب الثقيلة أو النقاب أيضا)»، وتضيف أن «الزميلات العاملات في الجيش الصومالي يفعلن الشيء نفسه خارج معسكرات الجيش وأماكن العمل خوفا على سلامتهن».

وهناك خطر أمني أيضا يتهدد من يعمل في الشرطة من النساء الصوماليات كما تقول فاطمة (شرطي جديد)، حيث إن المقاتلين الإسلاميين المعارضين للحكومة يستهدفون كل العاملين في القطاع الحكومي والأجهزة الأمنية «خاصة إذا عرفوا أنك تعمل شرطيا فإن الاغتيال هو النتيجة، ولذلك نحرص على كتم هويتنا والمكان الذي نعمل فيه وكثيرات منا اضطررن إلى التخفي وارتداء النقاب عندما يصرن خارج مقر الشرطة». ويتركز عمل من يعمل في الشرطة من الصوماليات في التناوب على الحراسات النهارية لمقار الشرطة ويتم توزيعهن على المقار الحكومية الأخرى، ويقمن أيضا بتفتيش النساء اللائي يدخلن إلى الأماكن الحكومية التي يعملن فيها.

وبعض من يعمل في الشرطة من النساء الصوماليات يذهبن إلى الالتحاق بالشرطة رغبة منهن، وبعضهن وجدن أنفسهن في سلك الشرطة بالمصادفة، فقد حللن محل أمهاتهن أو أخواتهن اللائي توفين أو تقاعدن عن العمل، والبعض الآخر التحق بالشرطة عن طريق الفن، فالأجهزة الأمنية الصومالية تملك فرقا غنائية والملتحقات بهذه الفرق يصبحن تلقائيا من سلك الشرطة. ومن هؤلاء سعدية (37 عاما) التي تقول: «التحقت بفرقة (انكود) (الرعد) التابعة للشرطة الصومالية التي اشتهرت بعزف وإنشاد الأغاني الوطنية الحماسية، وبعد انهيار الفرقة احتفظت بعملي في الشرطة وأشارك أيضا بالعزف في بعض المناسبات كاليوم الوطني للشرطة والمناسبات الوطنية الأخرى».

وخرج من فرقة «انكود» عازفون ومطربون أصبحوا فيما بعد من أشهر المطربين في الصومال، ولا تزال أغانيهم تتربع على عرش الطرب لأجيال صومالية عدة.

وتتقاضى المرأة العادية التي تعمل في الشرطة ما يساوي 100 دولار شهريا وبعض العلاوات غير المحددة، لكن عددا من اللائي التقت بهن «الشرق الأوسط» تحدثن عن تأخر دفع المرتبات لعدة أشهر، وهو حال الموظفين الحكوميين، فالحكومة الصومالية ليست لديها مصادر دخل ثابتة وإنما تعتمد على المعونات الخارجية.

وتحلم حليمة التي تعمل «ضابطا» بأن يعود العصر الذهبي للشرطي الصومالي ومن يعمل في الشرطة من النساء، حيث كان يحييها الأطفال عندما تعود إلى الحي، وكانت الأسر تحرص على إلحاق أبنائها بكلية الشرطة ليصبحوا ضباطا محترمين يقف الناس لتحيتهم. وتضيف قائلة: «أما هذه الأيام فسمعة الشرطة والعسكريين عموما غير جيدة، لأنهم لا يلتزمون بالأصول وتقاليد الانضباط ورعاية الناس التي اشتهروا بها على مر العقود الماضية».