جامعة نيويورك في أبوظبي تجوب العالم بحثا عن طلاب متفوقين

يرى الخبراء أنها أول جامعة دولية حقيقية

اجتذبت المؤسسة الجديدة أكثر من 9000 متقدم، وقبلت أقل من 200 متقدم منهم. ويشكل هذا العدد مجموعة الصفوة
TT

يقول ليث عقل، الطالب الذي شارك في إلقاء خطبة الوداع لدى تخرجه في المدرسة العليا في واين، بولاية نيوجيرسي، والمشارك في الكثير من الأنشطة، إنه تصور نفسه دوما في حرم جامعي كلاسيكي بجامعة نيو إنغلاند يحتوي على «فنون العمارة القوطية ومروج واسعة من النجيل». ويقول إنه فكر مليا في عروض للدراسة من جامعة توفتس، وبرنامج المنح الدراسية بجامعة بوسطن، وجامعة نيويورك.

بيد أنه عندما يغادر إلى الجامعة في الخريف المقبل، سيسافر 6900 ميل متجها إلى أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة على الخليج العربي. وهذا هو المكان الذي ستفتتح فيه جامعة نيويورك حرما جامعيا في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل بمجموعة من الطلاب الجدد مؤلفة من 150 طالبا تم اختيارهم من 39 دولة، وهو ما يعد بعيدا كل البعد عن التصور الخيالي القديم له.

وقال: «لقد جاءت جامعة نيويورك في أبوظبي وأفسدت كل شيء. أعتقد أنهم يحاولون إنشاء نموذج جديد، لم أره قط في تعليمي».

في الواقع، يعد عقل، الذي هاجر والداه من الأردن عندما كان طفلا صغيرا، جزءا من تجربة عالية المخاطر في التعليم العالي، وهو ما يطلق عليه الخبراء أول جامعة دولية حقيقية، يدرس فيها طلاب من جميع أنحاء العالم.

ومنذ فترة طويلة أنشأت الجامعة الأميركية فروعا وأقامت برامج دولية، يقضي فيها الطلاب فصلا دراسيا أو فصلين في الخارج. لكن بعد سنوات من التخطيط، يقترب جون سيكستون، رئيس جامعة نيويورك، من بدء مشروع أكثر طموحا: جامعة بحثية للعلوم الإنسانية مدة الدراسة بها أربع سنوات في أبوظبي، وسيدرس بها في نهاية المطاف ألفا طالب وستقتسم جزيرة جنبا إلى جنب مع مراكز مستقبلية لمتاحف اللوفر وغوغنهايم.

وستكون هذه الجامعة مدرسة شقيقة متكاملة لجامعة نيويورك وستصدر الشهادات الخاصة بها.

واجتذبت المؤسسة الجديدة أكثر من 9000 متقدم، وقبلت أقل من 200 متقدم منهم. ويشكل هذا العدد مجموعة الصفوة. ويحصل الطلاب في جامعة نيويورك في أبوظبي على متوسط نقاط قدره 715 نقطة في القراءة في اختبار «سات» للقبول، ومتوسط 730 نقطة في الرياضيات، وهي نفس نقاط القبول في جامعات «مجموعة اللبلاب» (وهي تضم 8 من أشهر وأقدم جامعات أميركا). ويتحدث ما يقرب من 90 في المائة من الطلبة لغتين.

وبذلت الكثير من الجامعات الأميركية الأخرى التي تحاول إقامة برامج دراسية في دول الخليج العربي جهودا كبيرة لجذب الطلاب والتمويل، بيد أنه بعد نجاح المسؤولين في جامعة نيويورك في جذب الطلاب، يقولون إنهم يتحدثون إلى الحكومة الصينية بشأن فتح فرع في شنغهاي على غرار مشروعها في منطقة الشرق الأوسط.

واهتم آخرون بهذا الأمر. قال روبرت بيردال، رئيس رابطة الجامعات الأميركية، وهي مجموعة من المؤسسات البحثية الرائدة، «لدينا الكثير من الجامعات الأميركية المشتركة في أنواع متعددة من الأنشطة الدولية. بيد أن نموذج جامعة نيويورك يعكس نهجا فكريا مختلفا للغاية لما ينظر إليه جون سيكستون وآخرون على أنه العولمة المتنامية للتعليم العالي واختفاء الحدود التقليدية».

وبدعم من التمويل المفتوح الذي تقدمه حكومة أبوظبي، وهي أغنى إمارة في الإمارات السبع في دولة الإمارات العربية المتحدة، جابت جامعة نيويورك في أبوظبي جميع أنحاء العالم بحثا عن مرشحين. وطلبت من معهد التعليم الدولي، الذي يدير المنح الدراسية التي تقدمها مؤسسة «فولبرايت»، مساعدتها في تحديد 900 من أفضل المدارس الثانوية في العالم، ثم طالبت المدارس بترشيح أفضل الطلاب لديها.

وعلى الرغم من إقامتهم في أبوظبي، سيتم تشجيع الطلاب على قضاء وقت في بعض المواقع الأخرى لجامعة نيويورك، التي يبلغ عددها 16 موقعا في خمس قارات، لحضور برامج ذات تركيز محدود وقصيرة المدى. وفي إحدى النشرات الترويجية، رسمت الجامعة خطة افتراضية للطلاب المتخصصين في مجال السينما والإعلام، مع إقامة في برلين وبيونس آيرس وبراغ ونيويورك.

إلا أن هذا المشروع ينطوي على مخاطر. ففي حين تعد أبوظبي إمارة مسلمة تم إنشاؤها منذ فترة قريبة نسبيا وتحتوي على ثقافات متعددة، فإن هناك بعض المحاذير الاجتماعية. كما أنه لا يوجد ضمان على أن الموارد غير المحدودة لحكومة هذه الإمارة الغنية بالنفط ستظل كذلك، عند الأخذ في الاعتبار عدم استقرار الاقتصاد العالمي والسياسة في الشرق الأوسط.

بيد أن الحكومة وافقت على الإنفاق على مشروع جامعة نيويورك بالكامل، على الرغم من أنها لم تذكر لا هي ولا الجامعة أي تفصيلات عن الأسعار. وقبلت الإمارة رؤية جامعة نيويورك لمؤسسة للعلوم الإنسانية مع نفاذ كامل للأفكار والكتب والإنترنت.

وقال ألفريد بلوم، نائب رئيس جامعة نيويورك في أبوظبي والرئيس السابق لجامعة سوارثمور: «إنهم يعتقدون أن أبوظبي تستطيع أن تصبح، وستصبح، واحدة من عواصم الأفكار في العالم، أي مدينة عالمية».

واستخدم بعض الطلاب الجدد في الجامعة، ومن بينهم عقل، بالفعل موقع «فيس بوك» لمناقشة إمكانية إنشاء ناد للحقوق المدنية. وقال عقل: «إلى حد ما، يعد ذلك أحد التحديات، لأننا لا نستطيع تنظيم احتجاجات. لكنني أعتقد أننا سنكون قادرين على العثور على وسائل ابتكارية للالتفاف على القيود وفي الوقت ذاته نحافظ على احترام الدولة المضيفة».

وقال إنه تم إقناعه لجعل أبوظبي اختياره الأول بعد الزيارة التي قام بها في شهر فبراير (شباط). وأضاف: «لم أر من قبل الأساتذة مهتمين للغاية لتعليم طلابهم والتعلم منهم. العنصر الأكثر جذبا هو مجموعة الطلاب. لم تكن هناك قط مجموعة أكثر تنوعا».

لكن لا يزال الكثير في مرحلة التخطيط. فليس من المقرر فتح الحرم الجامعي لهذه الجامعة قبل عام 2014، وحتى ذلك التاريخ، ستستخدم الجامعة موقعا مؤقتا في وسط مدينة أبوظبي. وعلى الرغم من أن الجامعة ستضيف في نهاية المطاف برنامجا للدراسات العليا، فإنها لم تعلن عن المواد التي ستقدمها.

بيد أن الإنفاق يجري على قدم وساق. فبعد تحديد أفضل المدارس الثانوية في العالم، عقد المديرون بجامعة نيويورك فعاليات في أكثر من عشرة مواقع، بما في ذلك شنغهاي، وبيونس آيرس وجوهانسبورغ وفيينا وسيدني، بأستراليا. وأحضروا مستشارين ومديرين من هذه المدارس، وأقنعوهم بفكرة جامعة عالمية تبلغ نسبة الطلاب فيها إلى الكليات 8 إلى 1. وطالبوا من كل مدرسة ترشيح اثنين من الطلاب للتقدم.

وفي الخريف الماضي، بعد تقليص عدد المتقدمين إلى نحو 275 متقدما، بدأت الجامعة إحضار مجموعات مؤلفة من 50 فردا إلى أبوظبي لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، وأخذوهم إلى أحد المساجد والصحراء وفندق «الإمارات بالاس» لحضور حفل عشاء متألق. وبالنسبة إلى جامعة نيويورك، كان ذلك بمثابة فرصة للانتقاء. وقدم الأساتذة عينات للدروس، وقدموا ردود فعل للمسؤولين عن القبول حول أداء الطلاب في النقاشات داخل المجموعة.

وقال بلوم، الذي حضر مع سيكستون جميع رحلات القبول، «كانت هذه الرحلات مهمة للغاية، وبالنسبة إلى الطلاب، أعتقد أنها كانت تجارب تقويمية».

واستذكر بلوم إحدى المجموعات التي زارت الصحراء، واستمتعوا بركوب الجمال ومشاهدة غروب الشمس. وفي رحلة العودة إلى الفندق في الحافلة، قرر المرشحون ترجمة إحدى الأغاني التي وردت في فيلم «مدغشقر» إلى 18 لغة يتحدث بها أعضاء المجموعة.

وأضاف: «كان ذلك بمثابة استعارة عظيمة لما أراه يحدث».

وفي تقديرها للبراعة الأكاديمية، تقول جامعة نيويورك إنها أيضا بحثت عن طلاب يبدو أنهم عازمون على تطوير المجتمع. لذا، فإن الأفراد الذين أجروا أبحاثا طبية أو شجعوا العدالة الاجتماعية كان لهم ميزة وأفضلية.

وقال سيكستون، الذي يعتزم تدريس مادة حول الدين والحكومة في الخريف، «إحدى السمات الرئيسية لمجموعة الطلاب هي القدرة الفكرية القوية. لكن ما هو غير مألوف على نحو خاص هو أنه لا يوجد مركز ثقل وطني حقيقي في المجموعة، حيث إن الأفراد الذي يهتمون بالأفكار يهتمون باختبار الأفكار الأساسية لنقاط الأفضلية، ولا توجد طريقة لاختبار ذلك أفضل من وضع الفرد نفسه في مناقشة مدنية صارمة».

وعلى الرغم من أن الطلاب يأتون من 39 دولة، وبـ43 لغة، فإن نحو الثلث منهم يأتي من الولايات المتحدة. وكانت الإمارات العربية المتحدة والصين والمجر وروسيا أكبر أربع دول بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الطلاب في الجامعة. وبالإضافة إلى نحو 50 أستاذا، سيعيش الطلاب في وسط المدينة في مبنى جديد متعدد الطوابق، يحتوي على غرف للموسيقى والفن ومركز للياقة البدنية وصالة لتناول الطعام.

وقال ميت بيد فازيكاس، طالب مجري فاز في الآونة الأخيرة بمسابقة وطنية في العزف على البيانو ويأمل أن يكون مخرجا سينمائيا، إنه لم يتردد عندما رشحته المدرسة الثانوية التي كان يدرس بها. وقال في رسالة إلكترونية: «لا أتصور أن هناك مكانا أفضل لكي أصبح طالبا عالميا، أعتقد أن ذلك طريق المستقبل. وبالنسبة إلى شاب مثلي من المجر، يعد ذلك أمرا وهميا إلى حد ما».

وقدمت طالبة أخرى تدعى إيرين ميكوف، من وودبريدج بولاية فيرجينيا، للحصول على قرار مبكر. إنها مهتمة بالعلاقات الدولية، ولم تكن أثناء زيارتها إلى أبوظبي مهتمة فقط بغيرها من المرشحين، لكن كانت مهتمة أيضا بأفق المدينة.

وقالت ميكوف: «هناك مآذن ومساجد مختلفة، وهناك في الأفق ناطحات سحاب. إنها جميلة للغاية».

وفيما يتعلق بابتعادها عن والديها، لم تبد ميكوف قلقة. وقالت: «إذا ذهبت إلى أي جامعة في فيرجينيا، سأتصل بهم، وأتحدث إليهم عبر الإنترنت وأرسل لهم رسائل بريد إلكتروني، وسيرونني بهذه الطريقة أيضا. سيكون ذلك أبعد قليلا».

* خدمة «نيويورك تايمز»