معامل الترميم بـ«متحف مصر الكبير».. صيانة تراث الأجداد بأنامل الأحفاد

يضم 9 أقسام متخصصة تتنوع في ترميم آثار الفراعنة

خبير يقوم بترميم تمثال خشبي لإيزيس (إ.ب.أ)
TT

بأناملهم الدقيقة يقضي خبراء الترميم المصريون ساعات طويلة داخل معامل الترميم المختلفة بمشروع المتحف المصري الكبير لاستعادة تراث أجدادهم.. تسعة معامل للترميم يضمها المتحف المصري الجديد الذي يوصف بأنه «الأكبر في العالم».. هذه المعامل وغيرها من المشروعات الفنية تمثل المرحلة الأولى والثانية من مشروع المتحف الذي يشغل بعد اكتمال إنشائه مساحة 117 فدانا (نحو 500 ألف متر).

في داخل هذه المعامل يعكف فريق من المختصين على صيانة القطع الأثرية المختلفة التي سيضمها المتحف وتبلغ 100 ألف قطعة أثرية ترجع إلى عصور فرعونية متفاوتة، وتبرز تأثير الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية) في الحضارات الأخرى المختلفة.

ووضعت عملية تدشين المتحف والإعلان عن موعد افتتاحه منتصف عام 2012، مسؤولي وزارة الثقافة المصرية في سباق مع الزمن..

«الشرق الأوسط» قامت بزيارة لمعامل الترميم والتقت فاروق حسني وزير الثقافة الذي أكد أن تجهيزات ما قبل الإنشاء كان لا بد منها قبل الشروع في المرحلة الثالثة والأخيرة من المشروع لإنشاء المبنى الرئيس للمتحف، بحيث يمكن الانتهاء من ترميم وصيانة جميع الآثار التي سيضمها المتحف، قبل بناء المبنى الأساسي ليتم وضع الآثار فيه قبل الافتتاح.

وفي هذا السياق يلفت الوزير حسني إلى أن الافتتاح سيكون بمثابة احتفالية ثقافية كبرى، «سيدعى إليها شخصيات دولية مرموقة، تليق بهذا الحدث الثقافي والأثري الكبير، حيث يعتبر المتحف الأكبر من نوعه في العالم، مما يجعله مشروع القرن الثقافي لمصر».

وكانت أول قطعة أثرية تصل إلى المتحف تمثال «رمسيس الثاني» الذي تم نقله من موقعه بالميدان المعروف باسمه قبل أربعة أعوام، في مشهد مهيب نقلته شاشات التلفزيون في كل أنحاء العالم والتف حوله جموع المصريين، الذين سهروا حتى الصباح، لمتابعة عملية النقل المثيرة.

والزائر لمعامل الترميم بالمتحف، التي تمثل مع محطتي الطاقة الكهربائية وإطفاء الحريق المرحلة الثانية من المشروع، بينما شملت المرحلة الأولى تأهيل وإعداد موقع المشروع، يلاحظ نشاطا دؤوبا من المرممين والأثريين الذين يعكفون على صيانة وترميم هذه القطع، في سكون لا يقطعه إلا التكامل بين المرممين، عندما يستفسر أحدهم من الآخر عن وسيلة جديدة في عمليات الصيانة، فضلا عن الهدوء الذي يلف المكان، بما يعكس أهمية تركيز أحفاد القدماء لاستعادة تراث الأجداد.

كما أن الزائر لهذه المعامل، سرعان ما يواجه بإجراءات أمنية مشددة، اتخذتها إدارة المتحف لتأمين القطع الأثرية المقدرة بالآلاف، سواء التي تمت صيانتها، أو الأخرى التي تنتظر دورها في علميات الترميم.

هذه الإجراءات التي تحيط بالمعامل الواقعة في الجانب الغربي من المتحف.. بقدر ما تستهدف تعزيز وتأمين ما هو معروض، فإنها في الوقت نفسه ترافقت مع إجراءات أخرى فنية تلازمت مع إنشاء هذه المعامل، عندما عمد مهندسوها إلى أن تكون هي والمخازن المتحفية تحت مستوى سطح الأرض، إمعانا في توفير التأمين اللازم لها من ناحية، وبما يتناسب مع طبيعة الموقع ذاته من ناحية أخرى.

والمعامل سيتم ربطها بموقع المتحف عبر أنفاق تحت الأرض، حيث تقع هذه المعامل بطريق القاهرة - الفيوم الصحراوي، بينما يقع مبنى المتحف الرئيس في الضفة الأخرى المقابلة لهذا الطريق حيث طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي.

مهمة هذه الأنفاق.. كما يقول فاروق حسني هي تسهيل عملية التواصل بين المعامل والمخازن والمبنى الرئيسي، والذي ستعرض فيه القطع الأثرية، إلا أن السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الزائرين لهذه المعامل لأول وهلة، يكون عن مدى خطورة التأثيرات البيئية والعوامل المناخية على القطع الأثرية داخل هذه المعامل، وهي واقعة تحت الأرض.

وهنا يجيب محمد غنيم، المستشار الفني المشرف على الشؤون الفنية لمشروع المتحف لـ«الشرق الأوسط» بأنه تم تأمين هذه المعامل بالوسائل اللازمة، فضلا عن توفير مختلف الوسائل اللازمة للتكيف مع التأثيرات المناخية، بحيث لا تؤثر فيها أي أجواء، ويحفظ لها في الوقت نفسه بيئة مستقرة، وظروفا محكمة ومعزولة عن البيئة الخارجية، لحفظ وحماية ما تضمه من قطع أثرية.

ومع الهدوء الذي تتسم به هذه المعامل، فإنه لا يمكن بحال أن يقطعه ضجيج الزائرين للمتحف، أو الراغبين في قضاء أوقات ترفيه بالمتحف حيث تقام منطقة ترفيهية بداخله.

وتضم هذه المعامل أشكالا شتى من القطع الأثرية، وأحجاما متباينة منها، تعود إلى عصور تاريخية، تكاد تنطق بها هذه الآثار، فجميعها إما قيد الانتظار لتوديع حالة من جور الزمان، وتعديات الإنسان، أو في انتظار الانتقال إلى موقع آخر، للعرض على جموع الزائرين، للتعبير عن حضارة شعب وتاريخ أمة.

ويلاحظ الزائر لهذه المعامل، أن عمليات الإنقاذ للقطع الأثرية تجرى بأيدي المصريين، دون الاستعانة بأي من الخبراء الأجانب في عملية الترميم، حتى باتت هناك مدرسة يعتبرها الأثريون تخص المصريين في أعمال الترميم.

تنقسم معامل الترميم إلى مواقع لعمليات الصيانة، يجرى فيها توثيق لما يتم ترميمه، وتتضمن تاريخ الأثر، واكتشافه، والموقع الذي تم العثور عليه فيه، بالإضافة إلى تسجيل عملية الترميم ذاتها وتواريخها، وبيانات من قاموا بها.

وذلك كله في إطار من توثيق القطع الأثرية، حتى إذا ما أصابها مكروه يمكن هذا التوثيق الأثريين من التعرف على القطع، على خلفية اكتشاف العديد من القطع الأثرية مسروقة أو معروضة للبيع بدور مزدادات عالمية مختلفة.

وتضم المعامل متخصصين في الخزف والزجاج والمعادن، وآخرين متخصصين في ترميم الأواني والتماثيل المصنوعة من المواد غير العضوية، بالإضافة إلى ترميم القطع الأثرية المصنوعة من الأخشاب مثل التوابيت والتماثيل بأنواعها والأثاث الجنائزي والنماذج الخشبية والمراكب والأدوات والنواويس الخشبية.

ومن بين هذه المعامل، معمل الميكروسكوب الإلكتروني، والذي يضم نوعا متميزا من الميكروسكوبات فائقة الدقة في تحليل العينات وتطويرها عن طريق نفاذ الضوء خلال ذراتها لمعرفة تركيبها الداخلي.

وفي معمل الميكروبيولوجي، يقوم المختصون بتحديد أنواع الكائنات الحية المسببة لتلف القطع الأثرية، بالشكل الذي يسهل معه تحضير المواد الكيميائية اللازمة لوقف نمو هذه الكائنات، فيما يعمل معمل الميكروسكوب الإلكتروني الماسح على تهيئة العينات والمكونات الكيميائية قبل إرسالها لمعمل الميكروبيولوجي. ويعكف المرممون في معمل المومياوات على فحص المومياوات، وترميمها بالشكل الذي يساهم في حمايتها، ويؤهلها للعرض المتحفي، فيما يقوم المرممون في معمل الأحجار على إخضاع القطع الأثرية الحجرية الكبيرة لعمليات الصيانة المطلوبة.

وأخيرا.. تبقى الإشارة إلى أن كلفة مشروع المتحف تبلغ نحو 600 مليون دولار منها 300 مليون دولار قرض ياباني ميسر يتم تسديده على عشر سنوات بفائدة لا تتجاوز 1.5%، و300 مليون دولار تمويل ذاتي من المجلس الأعلى للآثار، بينما تعتمد وزارة الثقافة في المبالغ المتبقية على التبرعات من المصريين ورجال الأعمال، حيث وصلت التبرعات حتى اللحظة إلى 27 مليون دولار. ومع انتهاء المرحلتين الأولى والثانية، شرعت وزارة الثقافة المصرية في المرحلة الثالثة والأخيرة، وتشمل المبنى الرئيس للمتحف بمساحة 801 ألف متر مربع، وفيها يتم تشييد مباني المتحف وصالات للعرض المتحفي وقاعة للاجتماعات، بالإضافة إلى إنشاء متحفين نوعيين، أحدهما للأطفال، والآخر لذوي الاحتياجات الخاصة، بجانب مراكز أخرى تعليمية وثقافية متخصصة.