إبراز وجه المرأة الأفغانية.. في «واحة الحرية»

حديقة مسيجة في كابل تعود لأيام الملك الغازي بابور الذي حكم البلاد عام 1500

مجموعة من النساء الأفغانيات لدى حضورهن درسا في المهارات الشخصية التي تنظم في الحديقة («نيويورك تايمز»)
TT

في هذه المدينة كانت هناك حديقة قديمة تكثر بها الأشجار الوارفة. كانت النساء يجلسن تحت ظلالها، وكن يحظين بنوع من التحرر داخل الحديقة فلم تكن هناك حاجة إلى ارتداء أغطية الرأس في حديقة النساء القديمة في كابل. كان ذلك حدثا فريدا فيما سبق، كما هو الحال الآن، حيث تستطيع النساء اللاتي يتوارين عن الرجال تحت غطاء من أشجار اللوز والخوخ، الخروج كما شئن والجرأة على غمر أقدامهن في ماء النافورة أو تبادل الأحاديث من دون ارتداء النقاب.

هذه الواحة من الحرية المحاطة بصحراء تضمر الكراهية للنساء في عاصمة المدينة تعيش مرحلة مخاض جديد. كما هو الحادث الآن في جميع أنحاء أفغانستان، حيث القابلات من الأجانب، والأبوان يعيشان حالة من الترقب.

يقول البعض إن هذه الحديقة المسيجة في حي شهرارا في كابل تعود إلى أيام الملك الغازي بابور الذي حكم عام 1500. لكن الأكثر موثوقية هو أن الحديقة تعود إلى أربعينات أو خمسينات القرن الماضي، هدية الملك زهير شاه للدولة.

وتحكي كريمة ساليك قصة حديقة النساء في كابل، فتتذكر نفسها طفلة في السبعينات، مرحلة السلام في أفغانستان قبل أن تشهد البلاد 32 عاما متصلة من الحروب، ومشهد الأشجار وقد غطت كل شيء، وكانت الضحكات والغناء والموسيقى.

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية أدارت ساليك الحديقة، التي تخضع الآن لعملية ترميم بقيمة 500000 دولار مقدمة من وكالة المعونة الأميركية ومنظمة كير الدولية. غالبية الأموال تدفع للعمال الذين يعملون على تسوية الأرض وغرس الأشجار وإعادة بناء الممرات وبناء الحوائط. دخول النساء إلى عالم الإنشاءات غير معروف تقريبا لكن برنامج وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية يستهدف إلحاق 25 في المائة من الأفغانيات بسوق العمل في أفغانستان.

شهدت طفولة ساليك أحد أكثر الفترات تحررا بالنسبة إلى المرأة في التاريخ الأفغاني، إبان حقبة الحكومة الشيوعية حيث فرضت المساواة وحظرت البرقع وأمرت بتعليم الفتيات. لكن ثورة المجاهدين التي قادها المحافظون، وأمراء الحرب القرويون محت كل ذلك في غضون سنوات قليلة.

شهدت الحديقة في تلك المرحلة من الحب دمارا شديدا، فقام الأهالي الباحثون عن الوقود باستخدام أشجار الحديقة في الوقود. كما أقام رجال الميليشيات مباريات صراع الديكة بين أسوار الحديقة. ولم تجرأ النساء على ارتيادها مرة أخرى.

في عهد «طالبان»، كانت المدينة أكثر سلاما لكن النساء كن مقيدات بمنازلهن. وألحق الطرف الشمالي الشرقي من الحديقة بالمسجد المجاور لها، وتم منح أحد أمراء الحرب الذين انضموا إلى «طالبان» الجزء الجنوبي الغربي لمشروع إنشائي، أما الجزء الباقي الذي يسمى حديقة الربيع فقد تحول إلى مكان للنفايات.

وعندما تولت ساليك ووزارة شؤون المرأة أمور الحديقة قبل ثلاث سنوات أخرجت منها 45 شاحنة من القمامة.

والآن يقف رجال الشرطة أمام أسوار الحديقة الطويلة يفتحونها فقط للنساء، أو الذكور من الأطفال الأقل من تسع سنوات. وداخل الحديقة يوجد موظفون عامون لكن من نوع آخر، فتوجد شرطيتان، يدعمهما خمس ضابطات من الاستخبارات وظيفتهم الأساسية البحث عن المتفجرات للانتحاريات اللائي قد يختبئن وراء البرقع.

عادة ما تخلع النساء البراقع ما إن يتجاوزن أسوار الحديقة، حيث توجد غرف لتبديل الملابس لتغير النساء ملابسهن التقليدية ويضعن مساحيق التجميل ويرتدين الأحذية عالية الكعب.

قامت النساء بجمع الأموال من بعضهن لبناء مسجد صغير حيث تقدم فيه الدروس للنساء، وهو واحد من الأماكن القليلة المخصصة للنساء في هذه المدينة التي يقطنها 1.5 مليون سيدة مسلمة.

قامت مجموعة من منظمات المساعدات التابعة للاتحاد الأوروبي ببناء صالة ألعاب رياضية، حيث تحضرها النساء البدينات لممارسة الرياضة أو لعب تنس الريشة، وأنشأ الإيطاليون مطعم ألويز سبرينغ الذي يحمل سمة غير معروفة في مكان آخر في كابل، حيث تعمل به سيدات يقمن بتجهيز البيتزا.

ما بين الحوائط الداخلية والخارجية للمجمع يوجد ممر من المحلات الصغيرة التي تديرها النساء والكثير منها مولت عبر المنح الصغيرة مثل تصفيف الشعر والتطريز وملابس الأطفال والملابس الداخلية للرجال.

هناك الكثير من الأعمال الأخرى الشبيهة في كابل، لكنها لا تدار من قبل النساء، كما هو الحال في الأسواق المزدحمة التي تحظر على النساء لا بحكم القانون بل التقاليد الجافة.

يأتي البعض إلى هنا سعيا وراء فرصة فيما تلجأ الكثيرات منهن إلى المجمع هربا من زوج قاس أو آباء يهددون بارتكاب ما يسمى بجرائم الشرف، ليستقر بهن الحال هنا في هذا المكان، ويحاول العاملون في المكان إيجاد مكان لهن في أحد الملاجئ السرية المخصصة للنساء في المدينة.

أريزو غفوري (22 عاما) تمتلك موهبة في تصفيف الشعر وتعيل عائلة مكونة من ثمانية أفراد، لكن الرجال في العائلة رفضوا السماح لها بالعمل، حتى وإن تضوروا جوعا، حتى افتتحت صالونا خاصا بها داخل الحديقة.

ليلى حسيني، أفغانية تبلغ من العمر 25 عاما بطلت آسيا في التايكوندو في فئة تحت 95 رطلا، أتت إلى هنا لتتدرب وتقوم بتدريب النساء الأخريات.

لم يحدث كل هذا من دون قتال، فقد استدعت ساليك الشرطة لمنع تعدي المسجد على الحديقة. حيث قاد إمام المسجد مظاهرة صاخبة من الرجال احتجاجا على وجود الحديقة. وتقول ساليك: «اعتدت على مجادلته في القضايا الدينية، وأوضحت له أنه لا يجوز الصلاة في الأراضي المغصوبة».

وتوصلا إلى اتفاق على بناء سور جديد، لكن الملا عبد الرحيم لا يزال غاضبا، وأشار إلى أن أحد أفراد الشرطة ضبط في وضع مخل بالحديقة مع امرأة لكن ذلك الحادث تم التستر عليه. وقال: «أنا لا أكترث لما يفعلنه، لكنهن في داخل الحديقة يرتدين ملابس غير محتشمة ويضعن مساحيق التجميل ولديهن نيات أخرى».

التعدي الآخر على الحديقة كان من جانب أمان الله غوزار، أمير الحرب السابق الذي يحظى بمعارف قوية، عندما جاء على موقع البناء الذي كان تبعا لأمير الحرب الموالي لـ«طالبان» وتم إنشاء بناية مكونة من 13 طابقا تطل على أسوار الحديقة، والأسوأ أنها تطل على شباك صالة الألعاب الرياضية. كان عمال البناء يختلسون النظرات على البناء وهو ما دفع ساليك إلى اللجوء إلى القضاء لوقف البناء الذي تزعم أنه مقام على أرض مخصصة للحديقة.

وقالت: «النساء بحاجة إلى خصوصية هنا وإلا لن ينجح المشروع. لكن بما أن النساء اصطدمت بالرجال فلن تنجح مساعينا».

بعد أسابيع استعادت الأمل مرة ثانية. ووجدت حلفاء أقوياء وعدوها بالتدخل، إذ توقف البناء واستأنفت دروس الإيروبكس من جديد.

من المتوقع أن تنتهي أعمال التحديث في الحديقة في الخامس من يوليو (تموز)، ستقام دورات تدريبية على مدار 40 يوما حيث يتم استقبال مجموعات من العاملات لمنحهن فرصا للتعلم وربح أموال وتعلم مهارات.

بعض العاطلات عن العمل من أمثال زاهية وحسينة، فتاتان تبلغان من العمر 19 عاما تدفعان عربتين وترتديان قبعات بيسبول على أغطية رؤوسهن والبراقع على وجوههن، خجلا لا تواضعا.

وقالت زاهيا: «نحن نعمل كالرجال هنا، فمن المحرج بالنسبة إلينا أن نعمل نحن المتعلمات في هذه الأعمال في الخارج».

كلتا الفتاتين متخرجتان من المدارس الثانوية وتتحدثان اللغة الإنجليزية وقد رفضتا كل عروض الزواج أملا في الدخول إلى الجامعة.

وتساءلت زاهية: «وماذا أفعل بزوج أمي؟».

نجاح حديقة النساء في كابل اعتراف بالفشل. فالنساء غير قادرات على التجوال في كابل ما لم يكن في صحبة أحد من أقاربهن الرجال.

وقالت ساليك: «لا يمكنك تغيير أفكار الأفراد بين عشية وضحاها، لذا فنحن بحاجة إلى التعامل مع هذه الحاجات العاجلة».

تحمل ساليك في رأسها الكثير من المشروعات الأخرى لإقامتها في حديقة كابل للنساء.

هناك قطعة أرض مخصصة لمكان انتظار السيارات بجانب الحديقة يمكن استغلالها لتعليم النساء قيادة السيارات، لكن هذا أمر لم يسمع به أحد هنا من قبل، ليس لأنه أمر غير قانوني بل لأنه لم يحدث من قبل.

تود ساليك بوجه عام أن ترى برنامجا يأخذ النساء في رحلة قصيرة إلى الدول الأخرى وربما للتدرب على العمل، لكن كم من النساء يعشن هنا في أماكن لا توجد بها حدائق للنساء.

* خدمة «نيويورك تايمز»