بيروت تحيي مهرجان «لغة الضاد»

تحت عنوان «نحن لغتنا» اجتمع اللبنانيون كبارا وصغارا لنصرة العربية

TT

كانت لغة الضاد هي الحدث في شارع الحمرا ببيروت يوم أمس، في مهرجان «نحن لغتنا» الذي استحق إغلاق الشارع أمام السيارات، من الصباح حتى منتصف الليل. الحروف تدلت من الجسور، وسُيِّج الشارع بشرائط صفراء كتب عليها «لا تقتل لغتك»، في حين رسمت الكلمات العربية على الجدران وعلى الأرض مطلقة العنان للفن العربي ليصدح في الأرجاء، معلنا الثورة لنصرة اللغة العربية. ثورة اختار مؤسسو جمعية «فعل أمر» الشباب الذين أطلقوا حملة «بحكيك من الشرق بترد من الغرب» أن يسيروا في مشروعهم حتى النهاية. الهدف الأساسي هو إعادة قيمة هذه اللغة بين أبنائها الذين صاروا يخجلون من النطق بها، أما الجمهور المستهدف فهو بالدرجة الأولى الأطفال والشباب الذين كانوا أبطال هذا النهار، وكان لهم الدور الأهم في نجاح هذا المهرجان. كذلك، وإيمانا منها بأهمية اللغة العربية دخلت مؤسسة الفكر العربي على خط «الثورة العربية» من باب الدعم المادي والمعنوي، بعدما التقت مشروعاتها، التي تهدف إلى دعم اللغة الأم، مع مشروع الجمعية.

منذ الصباح الباكر كان شارع الحمرا قد تزين بحروف اللغة العربية جاهزا لاستقبال محبيها، الذين توافدوا بالمئات للتأكيد على دعمهم للغتهم. تقول دانا دبوق من جمعية «فعل أمر»: «إن تجاوب الأطفال مع اللغة العربية هو أفضل بكثير من تجاوب الكبار الذين صاروا يهزأون من لغتهم، ويفضلون التكلم باللغة الأجنبية. والمشاركة الكبيرة للأطفال في هذا اليوم، أظهرت لنا أنه بإمكاننا العمل على إعادة الأمور إلى نصابها، لتقويم واقع اللغة مع هذا الجيل من الأطفال، وهذا ما بدا واضحا من خلال مشاركتهم بحماسة في السباقات والنشاطات التي نظمتها دور النشر». وكان يوم اللغة الطويل قد بدأ بسباق للأحرف، فحمل كل ولد «حرفه» الذي علق على صدره وانطلق، فكان سباقا بين أحرف اللغة العربية على مسافة 2 كلم. وتميزت دور النشر في مشاركتها من خلال تقديم نشاطات متنوعة، تتمحور حول اللغة العربية، إذ عمدت كل منها إلى ابتكار أفكار خاصة بها موجهة إلى الأطفال من قراءة القصص إلى إعطائهم الحرية للتعبير عن أنفسهم بكتابات أو رسومات معينة وغيرها من الابتكارات التي جذبت الأطفال من كل الأعمار، بعدما كانت الدعوة موجهة فقط إلى من يتراوح سنهم بين الـ6 و16 عاما، إذ لم يكن غريبا مثلا أن نرى أطفالا لا يزالون يتعلمون النطق، ينصتون إلى هذا «الحكواتي» الذي يسرد الحكايات، أو أمهات يحملن أطفالهن بين أذرعهن، ويتجولن بهم في الشارع. وفي الزاوية المخصصة للمعرض أيضا كان محترف النشاطات الإبداعية يغص بزائريه الصغار الذين يتسابقون ليحظوا بفرصة الرسم على قمصانهم، أو يتعلمون تنفيذ بعض الأشغال اليدوية، وصنع شخصيات كاريكاتورية مستوحاة من الحروف الأبجدية، إضافة إلى عروض للفنون البصرية والتصوير الفوتوغرافي، والفن التشكيلي واستعراض موسيقي.

كذلك كان من ضمن لائحة النشاطات التي تواصلت على امتداد ساعات النهار عرض راقص لجمال كريم حمل عنوان «جنكوز» عن اللغة العربية وجمالها، الذي كان له «وقع جنوني» في نفوس الأطفال الذين شاركوه بعض تفاصيل العرض، ثم قدم كريم دكروب مسرحية الدمى «يللا ينام مرجان». ورغم أن توقيت المهرجان صادف نهاية العام الدراسي، وأدى ذلك إلى عدم مشاركة عدد كبير من المدارس اللبنانية في هذا اليوم، فإنه كان لحضور بعض المدارس دور فاعل من خلال المسرحيات التي قدمها التلاميذ، أو من خلال تحفيزهم على التواجد في هذا الشارع والمشاركة في النشاطات.

ولأن جمهور «نحن لغتنا» لا يقتصر فقط على الأطفال، فكان للشباب حصتهم أيضا، ولا سيما في الفترة المسائية، فقد قدم الشاعر والمخرج علي زراقط فيديو «كلام من ضوء»، وأحمد غصين فيديو «يملي ويضحك». وفي جلسة شعرية اجتمعت رئيسة جمعية «فعل أمر» سوزان تلحوق، وغسان جواد، ومازن معروف قارئين من أشعارهم. أما الاحتفالات الغنائية فتولى مهمتها كل من غازي عبد الباقي ومنير الخولي وتانيا صالح، إضافة إلى «كورال الفيحاء». كما استقبل مسرح المدينة في الحمرا عروضا مسرحية أخرى، منها «مجموعة برندا»، و«كلمة ورد غطاها»، و«عربي بالمشبرح«، ومع انتهاء «يوم اللغة العربية» الأول، تكون الخطوة الأولى قد انتهت بنجاح، على أن تبقى الأنظار موجهة إلى ما سيليها من «مشاريع لغوية»، على أمل أن يكون لمفعولها وقع اجتماعي بين اللبنانيين بشكل عام، والشباب بشكل خاص، بعدما صارت لغتهم العربية تحتل المرتبة الثانية أو الثالثة في لائحة لغاتهم. وفي هذا الإطار تقول دبوق: «لم يتجاوز عمر جمعيتنا السنة ونصف السنة، ورغم ذلك مشروعاتنا كبيرة، ولكنها تعتمد على توفير التمويل والدعم المادي الذي سيكون له الدور الأهم في السير بمخططاتنا والنجاح بها».