«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» في الصويرة المغربية.. دون ربطات عنق

المدينة أصبحت مدينة للموسيقى العالمية

أندري أزولاي مستشار العاهل المغربي ورئيس جمعية الصويرة موغادور وإلى جانبه صامويل كابلان سفير الولايات المتحدة في الرباط وضيوف المهرجان يتأملون قفزة فنان من إحدى فرق كناوة («الشرق الأوسط»)
TT

دورة بعد أخرى، يتقوى الاقتناع لدى متتبعي «مهرجان كناوة وموسيقى العالم» الذي تحتضنه الصويرة المغربية منذ عام 1998، بأن هذه التظاهرة الفنية استطاعت أن تتكرس كموعد سنوي ببعد عالمي، بعد أن انطلقت كخيار يهدف إلى تطوير المدينة عبر الثقافة. ومع الدورة الـ13، التي انطلقت فعالياتها، أول من أمس، هيمن الفرح على «مدينة الرياح» والموسيقى كما يسميها المغاربة.

انطلقت الدورة بموكب للفروسية التقليدية، على شاطئ مدينة الصويرة، حيث جمع هذا الفن القديم، الذي يرجع إلى القرن الـ15، ويحاكي الهجومات العسكرية للفرسان، مزيجا من الإيقاعات المختلفة، مع زخم الفرسان ومعلمي «كناوة»، المشاركين في هذه الدورة.

ولم تؤثر فعاليات المونديال الكروي في حجم الإقبال الجماهيري على الدورة، حيث تدفق الآلاف، على الساحة القريبة من منصة مولاي الحسن، لمتابعة الحفل الذي افتتحته فرقة الأخوين محمد كويو وسعيد كويو وفرقة «سكوكيشفيلي ناشونال بالي» الجورجية، في مزج رائع بين الرقصات البلقانية، رقصات كناوة.

وينتظر أن يتواصل برنامج السهرات بعروض يقدمها فنانون مغاربة وأجانب، أمثال المعلم مصطفى باقبو ومجموعة «ستيب أفريكا»، والمغني الجزائري أمازيغ كاتب، والمعلم عبد السلام عليكان، والفنان باتريس، الذي يعتبر أحد الوجوه الرئيسية لهذه الدورة، والذي تتميز موسيقاه بتأثره بموسيقى «الريغي» و«السول» و«البلوز» و«الجاز»، فضلا عن تخصيص منصة للموسيقى الإلكترونية الممزوجة، وإقامة الفنانين، فيما تبرمج على هامش المهرجان عروض لبعض الفرق التقليدية المغربية مثل «حمادشة» و«عيساوة» و«أحواش».

وليست سهرات المهرجان الموسيقية وحدها ما يميز أيام التظاهرة. فهناك، أيضا، برمجة لخمس ورشات، بينها ورشة للرقص وورشة للرسم الجسدي وورشة للقفز بالبالونات، فضلا عن منتدى «شجرة الكلمات»، الذي يفتح نافذة للحوار بين الجمهور والفنانين.

وبالقدر الذي يشكل مهرجان كناوة فرصة لعشاق هذا الفن للاستمتاع والفرجة، فإنه يتحول، على مستوى المدينة، إلى لحظة للرواج والانتعاش الاقتصادي.

غير بعيد عن المنصات التي تحتضن السهرات الفنية، تعرض المحلات المنتشرة، على طول أزقة المدينة القديمة، الملابس، وأقراص وأشرطة موسيقى كناوة، والمأكولات ومنحوتات شجر العرعار. والجميل أن لكل معروضات محلات الصويرة نفس وطابع وروح هذه المدينة النائمة في هدوء على المحيط الأطلسي، التي تشتهر بخشب العرعار، الذي ينتهي تحفا فنية بين أيدي صناع وحرفيين مهرة، كما تعرف بشجرة وزيت الأركان، علاوة على مهرجان كناوة، الذي لا يفعل أكثر من التلخيص لروحها وتاريخها.

أغلب زوار المهرجان هم من الشباب الحالم، الذي يتميز بلباسه وتسريحة شعره الخاصة، وفي أغلب الأحيان بضفائر طويلة وحقائب صغيرة، كما لو أنها بيوت متنقلة، يضعونها على ظهورهم، معطين الانطباع، وهم يذرعون الأزقة والساحات، كما لو أنهم في رحلة لا تنتهي للبحث عن شيء ما في مكان ما.

أصحاب المقاهي والمطاعم تجدهم سعداء، وهم يلبون طلبات الزبائن. وبين الحين والآخر، يتطلع الجالسون والمتجولون بين دروب وأزقة المدينة نحو وجه مألوف لديهم، ربما كان فنانا معروفا أو وزيرا في الحكومة المغربية. لكن، وعلى غير عادة أضواء شاشات التلفزيون وبريق إدارات الرباط، فالكل، هنا، يتخلى عن الرسميات وربطات العنق، ليلبس «سبور»، وزيرا كان أو مديرا أو موظفا بسيطا أو طالبا في الجامعة، أو عاطلا عن العمل.

زوار وعشاق الصويرة، من المغاربة والأجانب، يقولون إنها أرض التاريخ والرياح والنوارس والموسيقى، وصورة للمغرب السعيد القوي بعمقه الحضاري وبعمله المتواصل من أجل نصرة قيم التسامح والتعايش بين الديانات والثقافات، ويرون أن المهرجان صار ملتقى دوليا للشباب والموسيقى والفرح، مثلما صار رافعة حقيقية للتنمية في بعدها السياحي والثقافي وعنوانا لمغرب جديد شاب وديمقراطي ومفتوح على لغات العالم.

هكذا، للسنة الثالثة عشرة، على التوالي، وفي نفس التوقيت، تقريبا، غير أهل الصويرة، عادة التوجه، مساء، نحو شاطئ المدينة ليتأملوا زرقة البحر ومشهد غروب الشمس، فيما أبصارهم تحدق في ظلمات المحيط، كما لو أنهم يستعيدون حكاية السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله، الذي رسم مدينتهم، قبل أكثر من 3 قرون، متجهة نحو البحر والغرب، لكن بأسوار وأبواب متجدرة في يابسة المغرب وتربة أفريقيا، ليختلطوا بزوار المدينة وجمهور «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، متقاسمين معهم لحظات الاستمتاع بموسيقى أصيلة وروحانية، تذكر بالعمق الأفريقي للمدينة والبلد.

ولعل ما يميز مهرجان الصويرة أن موسيقى كناوة ليست مجرد موسيقى عادية، من جهة أنها تتميز بإيقاعات قوية، محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، ومشحونة بالإرث الحضاري الأفريقي والأمازيغي والعربي، تناجي الأرواح الخفية وتغازلها، وتتوسل بالإيقاعات والألوان، وخاصة اللونين الأحمر والأزرق، وإحراق البخور، وكل الوسائط الخفية الأخرى، كما تتوسل بآلات خاصة، مثل «الكنبري» أو «السنتير» (آلة وترية من 3 حبال)، و«الكنكة» (الطبلة)، ثم «القراقش» (صنوج حديدية). وكانت علاقة الصويرة بموسيقى كناوة، التي تعود إلى أصول أفريقية، قد انطلقت منذ القرن الـ17، مع تحول المدينة إلى مركز تجاري مهم ونقطة تبادل تجاري مع «تمبكوتو»، ولذلك تتباين الآراء بخصوص أصل تسمية «كناوة»، فهناك من يجعلها تحريفا لـ«غينيا»، وهناك من يجد لها أصولا أمازيغية، من خلال كلمة «أكالن إكناون»، وتعني الشخص الغريب الذي لا يفهم كلامه، أو من يربطها بمعان ترتبط بمفردة «قن» القدحية.