اللبناني يوسف ضاهر يحول عيدان الكبريت إلى «مجسمات عالمية»

بعد دخول اسمه كتاب «غينيس» مرتين.. اختار أن يجمع أعماله في معرض ببيروت

يوسف ضاهر بجانب «سفينة تايتانك»
TT

من عيدان الكبريت التي لم تكن لأيام طويلة في متناول يديه، استطاع اللبناني يوسف ضاهر أن يحول الإعاقة إلى طاقة بل إلى إبداع فني أوصل اسمه إلى العالمية من خلال دخول المجسمات التي صنعتها أنامل يديه «كتاب غينيس للأرقام القياسية»، إلى أن حقق حلمه في جمع أعماله في معرض خاص له في قصر «اليونيسكو» في بيروت. رحلة حياة ضاهر المظلمة التي حولته إلى معاق على كرسي متحرك هي التي جعلت منه فنانا أطلق العنان لطاقته كي تبدع وتثبت لمن شكك بإمكاناته أنه وهو على هذا «الكرسي الثابت» يستطيع أن يجول العالم، فكانت البداية مع سفينة «تايتانك» ثم مع «برج إيفل» مرورا بآثار لبنانية عدة وهو اليوم في طريقه لصنع مجسم المسجد الأقصى. حلم لن يكون صعب التحقيق وإن كان ينتظر التمويل الذي يصل إلى 25 ألف دولار أميركي.

هذا المعرض الأول من نوعه نظرا إلى احتوائه على مجسمات مصنوعة من عيدان الكبريت يمثل الحلم الذي لطالما راود ضاهر الذي يقول: «عود الكبريت يشبه حياتي. ينتهي دوره بمجرد أن تشعل فيه النار لمرة واحدة، أما حياتي فتوقفت في سن الـ28 عاما عندما أطلق أحدهم النار علي».

يشرح ضاهر عن «منحوتاته» بشغف وحماسة. لكل منها قيمة في نفسه، يرفض بيعها بآلاف الدولارات، فهي الثروة التي يعمل لجمعها متحديا كل الظروف والعوائق، ويقول: «لكن في كل مرة أصنع فيها مجسما أجد من يعرف قيمته، ويدعمني ماليا بأكثر من تكلفته بمرات عدة» لكن يبقى عتب ضاهر على معظم المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، باستثناء القليل منهم، الذين لم يتكرموا عليه حتى باستقباله من دون أن ينسى الدعم الذي قدمه له وزير الثقافة الحالي سليم وردة الذي رعى المعرض وحضر افتتاحه.

ملايين عيدان الكبريت تلتصق كل واحد بمثيله لترتفع وتشكل هذه المجسمات المرصوفة في قاعة قصر «اليونيسكو»، حيث يتنقل على كرسيه، يشير إلى هذه ويشرح عن تلك. بعد الحادثة التي أوقعته أسير الكرسي من دون أن يلقى المجرم جزاءه اختار أن ينتقم بنفسه وكانت النتيجة دخوله السجن في حكم مؤبد، لكن وكما كان متأكدا من أنه لن يموت في السجن عاد وخرج بعفو خاص من رئيس الجمهورية اللبنانية ليعود وينطلق في حياته من جديد واضعا نصب عينيه عدم الاستسلام للقدر. الفكرة بدأت حين كان لا يزال بين القضبان، كان يجمع عيدان الكبريت ويصنع منها مجسمات ثم يرسلها مع والدته إلى المنزل. وبعد 4 سنوات أفرج عنه وخرج إلى «النور» ليجد بيته خاليا، حتى من كرسيه المتحرك أو من عود الكبريت الذي كان الوسيلة الوحيدة التي يعتمد عليها لتفريغ ما في نفسه من آلام. ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلة الألف ميل بصنعه مجسمات صغيرة شارك من خلالها بمعارض لبنانية عدة وكان يبيعها ليمول المجسمات الكبيرة التي حصل على إحداها رئيس الجمهورية اللبنانية السابق إميل لحود ويقول: «الله لا يترك أحدا، بالإيمان والصبر نستطيع تحقيق كل شيء». وكرت مسبحة النجاحات من تمثال سيدة حاريصا إلى قلعة بعلبك وغيرها من الآثار اللبنانية والعالمية إلى أن دخل يوسف ضاهر باب كتاب «غينيس» من بابه العريض في عام 2002 من خلال سفينة «تايتانك» التي بلغت تكلفتها 7600 دولار أميركي واستغرق العمل على تفاصيلها 6000 ساعة إلى أن بلغ طولها 3 أمتار وعرضها 60 سنتيمترا وارتفاعها 180 سنتيمترا تطلب صنعها 18 مليونا و400 ألف عود كبريت و2100 لمبة، وهي مؤلفة من 6 طوابق تفكك إلى 6 قطع.

ولأن النجاح يحفز على النجاح أتى «برج إيفل» الذي يرفع عليه علم لبنان الموقع من رئيس الجمهورية السابق إميل لحود ليكرس إبداع ضاهر عالميا مرة جديدة بدخوله كتاب «غينيس» للمرة الثانية في عام 2009، بعدما كرسه لبنانيا من خلال حصوله على جائزة لبنان للفنون الحرفية ووسام الأرز برتبة «فارس». ولم تكن رؤية هذا البرج منتصبا أمام عيني ضاهر بالأمر السهل، بل تطلب 2116 ساعة خلال أربع سنوات من العمل المضني إلى أن بلغ طوله 6 أمتار و53 سنتيمترا وأضيء بـ6240 لمبة وثبت على قاعدة بـ4 أمتار، ويتم تركيبه من خلال 8 قطع.

ثماني مجسمات أساسية إضافة إلى مجسمات صغيرة أخرى وبراويز لصور ضاهر حاملا شهادات التقدير التي نالها تملأ جدران قصر «اليونيسكو» بجانب المقالات الصحافية التي كتبت عن أعماله منذ عشرات السنوات والتي حرص على قصها وجمعها لتكون شاهدا على مسيرة نجاح رجل لبناني شاء القدر أن يكون مقعدا إلا أنه واجه كل المعوقات ليثبت أن الإرادة تتفوق على كل ما عداها من حواجز.