«سليمى» مسرحية تحمل دعوة للحب والأمل في زمن الأزمات والحروب

حوارية صوفية مع الموت ودعوة للتمسك بالأمل

من عروض مسرحية «سليمى» («الشرق الأوسط»)
TT

تحاول أسماء مصطفى أن تبرز على خشبة مسرح المركز الثقافي الملكي بعمان من خلال عرض مسرحية «سليمى»، التي هي من إخراجها وتمثيلها، ثلاثة نماذج إنسانية لها تأثيراتها الفكرية والإبداعية في مراحل تاريخية مختلفة، حيث تبدأ من حكاية «أنتيغون» التي صاغها المسرحي الإغريقي سوفكليس، وأعاد كتابتها المسرحي الألماني برتولد بريخت، وهي قصة الفتاة التي ضحت بروحها وذهبت للموت لإنقاذ حياة أخيها.

ثم تنتقل إلى المرحلة الثانية حيث تأخذ من كتاب «نسيم الريح» الذي تتعايش فيه مع الحلاج، شهيد التصوف وصاحب الفلسفة الخاصة في الحياة والموت، وتمر، تاليا، في المرحلة الثالثة لتنهل من حياة الشاعر الراحل محمود درويش وأشعاره، خصوصا من كتابه «حضرة الغياب» وقصيدته «لاعب النرد».

المسرحية نفسها تعتبر عرضا بصريا وشعريا بعيدا عن أي خط درامي تقليدي، كما أن فيه الكثير من الأشعار ذات المنحى الصوفي، التي تعبر عن حياة الشخصيات المطروحة، لا سيما في الفترة التي سبقت موتها، والزهد الذي عبّرت عنه تلك الشخصيات تجاه الحياة، لا سيما الحلاج، الذي تنبأ بنهايته المأساوية في أشعاره، وكذلك محمود درويش، الذي ناجى الموت في نتاجه الأخير، خصوصا في «لاعب النرد» و«حضرة الغياب».

وتؤكد أسماء أنها استفادت من نصوص «أنتيغون» ودرويش والحلاج في توليفة بين ثنائيات إنسانية متعددة، أبرزها الحب والكره والموت والحياة. مؤكدة جهدا مبذولا في القراءة والربط والإحساس، مخالفة توظيف المخرجين الهيّن السريع للشعراء أو الفلاسفة، أو لتيمات الحرب والسلام ومجموعة التيمات الأخرى المعاشة، مبيّنة أن العمل الذي يشارك فيه ياسر المصري يعتمد على أفكار متعددة يدخل فيها الظلم شريكا، مستفيدة من خيط ظاهر بين النصوص الثلاثة.

وتضيف أنها تتناول بـ«سليمى» حياة المرء منذ خروجه من رحم الموت حتى رجوعه إليه مرة أخرى، بما في ذلك من محاكمات للشخصيات، جعلتها تحيل إلى «سليمى» الشخصية النسائية الرافضة للتيمة المهمة (الظلم) كما يشير إليه القول: «ولدتُ لأحب لا لأبغض».

وتقرأ أسماء مناجاة الحلاج للذات الإلهية في:«اقتلوني يا ثقاتي، إن في قتلي حياتي، ومماتي في حياتي، وحياتي في مماتي»... إلخ. كما تقرأ للحلاج: «يا نسيم الريح قل للرشا: لن يزيدني البرد إلا عطشا، لي حبيب حبه وسط الحشا، إن يشأ يمشي على خدي مشى»...إلخ.

وفي ذلك تغيير لأسماء الشخصيات، وهو ما تراه أكثر قربى للواقع، كما تقرأ لدرويش: «يقول هذا البحر لي، هذا الهواء الرطب لي»، محمّلةً «سليمى» ذلك في طريقها إلى القبر. وانطلاقا من أن «الموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة»، كما تحمل ذلك أشعار درويش.

تضيف أسماء مصطفى أن عملها «متعوب عليه»، لدرجة أن نقادا شهدوا للنصوص الثلاثة بالنص الواحد، الذي لا يحس متلقيه غير الدارس لمراحل هذه النصوص بانقطاع مرحلي (زمني)، بل يقف على توليفة مدروسة ينسجم معها بكلّيته.

وتقول إن العمل اعتمد على أبعاده الثلاثة: الكلمة المنطوقة، والموسيقى الغنائية، والجسد الراقص. مضيفة أن الفنان رامي شفيق سيؤدي مقطوعات لحنها، كما أن أشعار درويش تم تحميلها لسان الفنان ياسر المصري.

ويشارك في «سليمى» طاقم العمل المكون من: بلال الرنتيسي، وحنين العوالي، وأسامة المصري، وحنين طوالبة، وريما دعيبس، وعلاء السمان، وعبد الله العلان، وجوزيف دمرجيان (تأليف موسيقي)، ومحمد مراشدة (إضاءة)، ومي حجارة (غناء)، ومحمد طه (إيقاعات)، وسليمان الزواهرة.

وما يميز العمل تناوب الغناء تارة، الذي أدته مي حجارة ورامي شفيق الذي قام بالتلحين أيضا في العرض مع التمثيل والرقص، وبين رقص الدراويش تارة أخرى.

واتسم ديكور المسرحية بنسق مريح بصريا وبسيط في تكوينه، غلب عليه اللون الأبيض، فضلا عن استخدام الإضاءة الملونة، التي أضافت بُعدا آخر للديكور، وكذلك ملابس الممثلين والراقصين التي جاءت بيضاء اللون.

يشار إلى أن الفنانة أسماء مصطفى حصلت على عدة جوائز، منها جائزة أفضل ممثلة في مهرجان الرقة الأول 2006 عن دورها في مسرحية «يا مسافر وحدك»، وجائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الأردني السادس عشر 2009. وتم تكريمها في أكثر من مناسبة لأعمالها، سواء المسرحية أو الدرامية.