نجوى كرم مع وائل كفوري كرما الحنجرة الجبلية

وديع الصافي يصدح راقصا احتفالا بـ90 عاما في «مهرجانات بيبلوس»

وديع الصافي يتوسط نجوى كرم ووائل كفوري في حفل تكريمه، أول من أمس، في جبيل «برس فوتو» (أ. ف. ب)
TT

ثلاثة نجوم دفعة واحدة، قررت «مهرجانات بيبلوس الدولية» أن تفتتح معهم موسمها الصيفي لهذا العام، في تحية خاصة لوديع الصافي، الذي أقيم الحفل على شرفه، وبمشاركته، وهو يصل إلى أعتاب التسعين. نجوى كرم مع وائل كفوري حضرا لإحياء هذا الحفل الكبير، والاحتفال مع وديع الصافي بسبعين سنة من العطاء المتواصل.

الحضور غفير، والازدحام كان شديدا، مساء أول من أمس، زاده الحضور الرسمي الكثيف، لا سيما وجود رئيس الجمهورية ميشال سليمان وزوجته، اضطرابا، مما أخر ابتداء الحفل إلى العاشرة إلا الربع بدلا من الثامنة والنصف.

إطلالة وديع الصافي كانت مؤثرة، إذ نادى الحضور بـ«الأحبة» وطلب من المغتربين الحاضرين أن يعودوا إلى بلادهم، ورحب بالجميع في «جبليت»، أي «جبيل»، مفتتحا أداءه بأغنية له من كلمات ميشال جحا، هي «مهد الحرف ومدينة الأرجوان»، ثم أدى وديع الصافي مجموعة من أغنياته، بحنجرته التي ما تزال تصدح ماسية، ترنم الكلمات بصفائها المعهود. وبينما كان وديع الصافي يسترجع مع جمهوره الذي ملأ المدرجات جزءا من ريبرتواره الجميل، كانت شاشة خلفه تعرض صورا له وعناوين لمانشيتات في صحف قديمة تذكر بتاريخه: «عبد الناصر قال: لعيون وديع الصافي»، «وديع الصافي: الفنان الأصيل لا يعتزل». هكذا قال الصافي ذات يوم، وها هو يؤكد أنه لم يرم كلماته جزافا في ذلك الوقت، فهو لا يغني فقط، وإن بدا واهنا، لكنه مصرّ على أن ينفعل ويرقص ما استطاع، ويقدم للجمهور الفنانة نجوى كرم التي جاءت لتحييه بصوتها.

انتظر غالبية الحاضرين أن تحتل أغنيات وديع الصافي البديعة كامل المساحة الزمنية، ما دام تكريم الرجل هو موضوع المناسبة، لكن نجوى كرم أخذت في أداء أغنيات لها برفقة الأوركسترا التي يقودها إيلي العليا، وبعد عدة أغنيات، نفد صبر البعض، وتساءلوا بصوت عال: «من قال لها إننا أتينا لنسمع أغنياتها؟».

ورغم ما بدا أنه خروج على موضوع الحفل، كانت الريبورتاجات الصغيرة التي تعرض على الشاشة بين الوصلات، عن حياة وديع الصافي وإنجازاته تعيدنا إلى ذلك الزمن الجميل الذي تربع على عرشه صاحب الصوت الجبلي مع فيروز وصباح، ليوصلوا صوت لبنان إلى كل العالم العربي. مقاطع من أفلام ومسرحيات ومهرجانات، من عصر ما يزال يعني الكثير لمسنين حضروا الحفل بشكل لافت، حتى قال أحد سائقي الباصات الذين ينقلون الزوار إلى مكان المسرح: «هذا جيل وديع جاءه من كل لبنان».

تكفلت الريبورتاجات السريعة بالتعريف بوديع، منذ ولادته عام 1921 في بلدة نيحا، وغنائه وهو في السابعة عشرة، ومن ثم فوزه على 40 من منافسيه في مسابقة أجرتها الإذاعة في التلحين والغناء.

«اسمي الأصلي وديع فرنسيس، متزوج، ولي ستة أولاد» هذا ما يقوله وديع الصافي وهو يظهر على الشاشة في مقتطف من إحدى مقابلاته القديمة. ثم نعرف أنه سافر شابا صغيرا إلى مصر ليقيم هناك مدة سنة، وهاجر بعدها إلى البرازيل ثلاث سنوات ليرجع إلى لبنان، ويغني للعودة من المغتربات، وحب الوطن والأرض والقرية. ونعرف أيضا أن وديع الصافي تأثر كثيرا بعبد الوهاب وأثر فيه، وأنه رجل يعرف كيف يتعلم من أخطائه. «ولولا أنني عرفت كيف أتعلم من هذه الأخطاء التي وقعت بها، كما كل الناس، لما كنت أصبحت وديع الصافي»، يقول في إحدى المقابلات.

هذه الوقفات التي تعيدنا إلى محطات عمر وديع كانت تسمح بدخول وخروج الفنانين، ومعاونة وديع الصافي لاتخاذ مكانه، بمساعدة نجوى كرم مرة ووائل كفوري مرة أخرى.

أمسية تميزت بالمواويل وتراث الضيعة، الذي جسدته فرقة راقصة أدت الدبكة على أنغام أغنيات وديع الصافي، التي بدت كم هي أصيلة، وباقية، وكم هو ملحن باهر، ومؤلف لكلمات تستحق أن تعبر الزمن بقوة. استعاد الحفل أغنيات، مثل «يا ابني بلادك روحك عطيها، وغير فكرك ما بيغنيها»، «بالساحة تلاقينا بالساحة، عليها جوز عيون شو دباحة»، «يا ام الضفاير حلوة». ووقف وديع الصافي مع نجوى كرم ليؤديا معا أغنيتهما المشتركة، التي يقول فيها وديع الصافي لابنته التي كبرت وخذلها الحب: «ضميري مش مرتاح، وقلبي مش مرتاح، حاسس إني ضايع ومضيع المفتاح». لترد نجوى كرم: «إحساسك بمحلو يا بيي، إحساسك بجلو، وعن إذنك بدي قلو بنتك صارت صبيه».

إطلالة وائل كفوري مع وديع الصافي ليغنيا معا: «قتلوني عيونا السود» و«يا عصفور»، لاقت استحسانا من الجمهور الذي ردد معهما وترنم، ثم أدى وائل كفوري أغنيات خاصة به منفردا، قبل أن يعتلي الفنانون الثلاثة المسرح، في وصلة مشتركة برفقة فرقة الدبكة لينتهي اللقاء الساهر بأغنيتي «زرعنا تلالك يا بلادي»، و«سيّجنا لبنان».

حفل قُدِّر له أن يكون بديعا واستثنائيا، لو تم اختيار الأغنيات ببراعة أكبر، فخلال سبعين سنة غنى وديع الصافي روائع فاتت المنظمين، أول من أمس، وبدا أن اختلاط أغنيات نجوى كرم مع وائل كفوري ووديع الصافي، كأنه يدخل المتفرجين في أمزجة مختلفة، وأنماط من الأغنيات ليست بالضرورة تلك التي كان الحضور يتوقعها. ومع ذلك يسجل لمهرجانات بيبلوس، تكريمها لرجل قدم الكثير، ويستحق أكثر من تكريم في بلاده التي غناها بحنجرة صداحة، وقلب فياض بالمحبة.