فنان مسلم يثير جدلا ساخنا في سيينا الإيطالية

قام بتصميم راية سباق الخيول التي تحمل صورة مريم العذراء

سباق باليو للخيول من إيطاليا (رويترز)
TT

لا يوجد سباق للخيول أكثر قدسية في إيطاليا من سباق باليو الذي يعود إلى 700 عام، بيد أن العام الحالي شهد انعطافة غير متوقعة. فهذا العام وللمرة الأولى طلب من فنان مسلم تصميم «الباليو» أو الراية الذي يحملها الفائز في نهاية السباق، الذي يستمر على مدى يومين كل عام حول ميدان سيينا البارز الذي يشبه القوقعة. لم يبد الجميع سعادة بالاختيار، على الرغم من أن ذلك لم يكن باديا مساء الجمعة عندما قفز سكان الحي الفائز في مدينة سيينا، 17 حيا مشهورا، عبر السياج الذي أحاط بالميدان لخطف الباليو وهم يصيحون فرحا، عندما فاز الحصان الذي يمثل حيهم بالسباق، ولم يبدوا انزعاجا من أن تثير الراية الجدل في وسائل الإعلام المحلية والوطنية خلال الأسابيع التالية حول ما سماه البعض تدنيسا لتقاليد سيينا. ما أثار الانتقادات هو قيام الفنان علي حسون، (46 عاما)، المولود في لبنان والذي سافر إلى إيطاليا عام 1982 حيث حصل على الجنسية، برسم القديس جورج كفارس يرتدي كوفية سوداء وبيضاء. وأعلى وجه العذراء مريم كتب اسم صورة مريم. وفي تاجها وضع الهلال العربي رمز الإسلام على أحد جانبي الصليب ونجمة داود رمز اليهودية على الجانب الآخر. وقال حسون في مقابلة هاتفية: «أردت من الشعار الذي صممته أن أتحدث عن الروحية بشكل عام، وعن الأديان وعن الالتقاء المحتمل بين الأديان الثلاثة التي تسمح لنا بتجاوز أدياننا». وقال العمدة ماوريتسيو تشيني عمدة سيينا في مؤتمر إخباري، قبل ساعات قليلة من سباق الجمعة، إن الإدارة المحلية المكلفة اختيار فنان لرسم راية السباق، اختارت حسون، لأن فنه تقليدي ورمزي بصورة كبيرة وممتع إلى حد بعيد. من ناحية تقليدية، تخصص الراية لتمجيد السيدة مريم، وتنص قواعد الباليو التي أقرتها الإدارة المحلية على ضرورة وجود صورة السيدة مريم في أعلى الراية وتاريخ السباق ودرع سيينا الأبيض والأسود وربما رمز المناطق العشر التي تم اختيارها لإقامة كل سباق. بدأ تقليد رسم راية السباق من قبل فنان من غير أهالي سيينا في السبعينات. ومنذ ذلك الحين، قام فنانون محليون ودوليون، مثل الفنان الإيطالي ريناتو غوتوسو، والكولومبي فيناندو بوتيرو، بتولي هذا الشرف. وقد تعرضت بعض تلك الرايات للانتقاد بأنها علمانية للغاية. عندما قدمت الراية لمجلس المدينة في 26 يونيو (حزيران) بعد أكثر من ستة أشهر من تكليف الإدارة المحلية له بالعمل عليها، أشار كبير أساقفة سيينا وكولي فال دالسا أنطونيو بونكريستياني إلى أن الرسم يشبه وجه العذراء مريم الذي أقيم السباق احتفاء بها، وأنه يقدر جهود حسون، لكنه طلب أن يعرض على مكتبه في المستقبل الرسوم الأولية حتى يستطيع تقديم الرأي حول ملامحه الدينية، لأنها مباركة وتعرض في الكنيسة.

في أعقاب ذلك، بدأت الصحف انتقاد الراية، حيث بدأ ذلك بصحيفة «لابادانيا» اليومية الناطقة باسم حزب نورثرن ليغو الذي يعارض الهجرة إلى إيطاليا. كان أحد عناوين مقالاتها «أيادي إسلامية على راية سيينا». ونشرت صحيفة «لا ناتزيوني»، الصحيفة المحلية الأوسع انتشار، رسالة من مواطنين يطالبان فيها رئيس الأساقفة بعدم السماح لصورة ليست مسيحية بأن تبارك في كنيسة مريم العذراء، الذي يشكل جزءا من تقاليد عشية السباق. وكتب أنطونيو سوتشي خبير الفاتيكان في صحيفة «ليبرو» المحافظة «أمر خطير يحدث في سيينا، وجهة النظر الروحية والرمزية».

رد مكتب رئيس الأساقفة على هذا النقاش المحتدم ببيان قال فيه إن وضع رموز الأديان الثلاثة على تاج العذراء كان معضلا وأن استخدام عبارات القرآن «يفسح المجال للنقاش». وقال البيان إن رئيس الأساقفة سيدلي بتصريح شخصي حول القضية بعد السباق وربما يوم الثلاثاء أو الأربعاء. شمال إيطاليا وتوسكانيا التي تميل إلى اليسار تاريخيا ليست جديدة على مثل هذه الصدامات الدينية، التي غالبا ما تنظمها الأحزاب السياسية. فعلى مدار سنوات، تعرض بناء مسجد في كول فال دي إلسا، شمال غرب سيينا، لمعارضة من إدارة المدينة اليسارية، حيث شكل مجموعة من المواطنين، لجنة لمعارضة بناء مسجد وساعدت في انتخاب عضوين في المجلس المحلي، اللذين مارسا ضغوطا لتعطيل بنائه. كما وجدت رأس خنزير في موقع البناء أكثر من مرة. لكن بناء المسجد لا يزال ينتظر التشطيبات الداخلية والتصاريح لاستخدامه للصلاة. وفي مايو (أيار)، أعلن حزب نورثرن ليغو أنه يكرم ذكرى الشاعر التوسكاني أوريانا فالاتشي الذي عارض الإسلام بشدة في الأيام الأخيرة من حياته، وبدأ الحزب حملة ضد بناء مسجد في غريفي غي تشيانتي. لكن عمدة غريفي ألبرتو بنتشيستا قال إن الحزب بالغ في رد فعله. وقد عرض الاتحاد المحلي غرفة على المسلمين المحليين للالتقاء فيها، وأنه لا توجد خطط لبناء مسجد. على الرغم من ذلك، أقام الحزب استفتاء غير رسمي ضد بناء مسجد في مدينة صغيرة. سباق الباليو احتفال يعود إلى القرون الوسطى للاحتفاء بالعذراء. لكن الملاحظ أنه يسمح فيه بانتهاك قواعد الكنيسة، حيث تجلب الخيول وفرسانها إلى الكنيسة لمباركتهم من قبل القساوسة. وتكون الراية محل تبجيل ليس فقط خلال يومي السباق، 2 يوليو (تموز) و16 أغسطس (آب)، بل طوال العام.

وقال فرانشيسكو بارتالي، (25 عاما): «نحن لا نكترث حقا بشأن الرسم، بالنسبة إلى قاطن الحي لا يهمه سوى الفوز بالراية حتى وإن كانت خالية، وسنظل نتصارع من أجلها».

* خدمة «نيويورك تايمز»