مدارس خاصة في الهند لتعليم الإتيكيت في أماكن العمل

تعد «واريك» جزءا من اتجاه متنامي السرعة لتحقيق الأهداف الاقتصادية العالمية للهند

بريا واريك، التي أصبحت المعلم الروحي للآداب والسلوك بالنسبة إلى جيل جديد من العاملين بمراكز الاتصالات
TT

يطلقون عليها ملكة جمال الآداب في الهند، وتعد في قلب صناعة تكلف ملايين الدولارات لجعل الشركات الهندية أكثر تنافسية على الصعيد العالمي عن طريق تحسين المهارات الاجتماعية للعاملين لديها.

إنها بريا واريك، التي أصبحت المعلم الروحي للآداب والسلوك بالنسبة إلى جيل جديد من العاملين بمراكز الاتصالات، والمسؤولين التنفيذيين والفنانين المتخصصين في الرسوم المتحركة، والحاصلين على ماجستير في إدارة الأعمال ونجوم الأفلام في بوليوود، وجميعهم يلعب دورا في توجيه صعود الهند كقوة اقتصادية عالمية، لكن في بعض الأحيان من دون تهذيب معين للسلوك.

«الظهر مستقيم، المناديل على الطاولة. عظيم. قطعوا البورغر بدقة»، هكذا قالت واريك أمام مجموعة من المهنيين الهنود الشباب وهي تؤدي بصورة منهجية ما يشبه عملية جراحية تستخدم فيها الشوكة والسكين على أحد ساندويتشات مطاعم «ماكدونالدز»، وهي الممارسة المتبعة في تناول الطعام في أوروبا والولايات المتحدة.

وتعد مدرسة واريك جزءا من اتجاه متنامي السرعة في الهند لمعالجة ما يطلق عليه المحللون والمسؤولون بشركات التوظيف عقبة خطيرة أمام تحقيق الأهداف الاقتصادية العالمية للهند. وعلى الرغم من أن الكثير من العاملين الهنود الماهرين حصلوا على درجات علمية من أفضل الجامعات، قال المحللون إنهم على نحو مفاجئ ينقصهم أساسيات الإتيكيت في أماكن العمل الدولية، كارتداء الملابس بصورة لائقة، واستضافة الاجتماعات، والتحدث بصورة لطيفة، وحتى استخدام السكاكين.

وتنفق الشركات، التي تخشى أن تتسبب أوجه القصور تلك في الإضرار بالإمكانيات القيادية للهند، ملايين الدولارات على المدارس المتخصصة في تهذيب السلوك وأساسيات الإتيكيت لعشرات الآلاف من العمال. وفي كثير من الحالات ينتمي هؤلاء العمال إلى الطبقات المتوسطة المزدهرة في الهند، الذين يمثلون أول جيل في أسرهم يدخل الاقتصاد المزدهر والمتجه نحو العالمية في البلاد.

وشيدت شركة «إنفوسيس» الضخمة المتخصصة في مجال التعهيد مركزا للتعليم العالمي في مدينة ميسور جنوب البلاد، وتعلم أكثر من 50 ألف متخرج آداب القيادة وآداب العمل في الشركات، أو ما يسمى «المهارات الناعمة». كما عقدت هذه الشركة شراكة مع 400 كلية من كليات الهندسة من أجل تدريب 4400 من أعضاء التدريس في الكليات لتعليم أكثر من 80 ألف طالب كيف يكونون «جاهزين للتعامل مع السوق» عندما يتخرجون من كلياتهم.

وقال سريكانتان مورتي، نائب رئيس شركة «إنفوسيس» للأبحاث والتعليم، والذي ساعد على تصميم الحلقات الدراسية حول المهارات الناعمة في الشركة: «قبل تدريبي، فقدت في الواقع أحد العملاء لأنني لم أكن أتحدث كثيرا أثناء عرض أحد التقارير. كان التقرير سليما من الناحية الفنية، لكنني كنت خجولا للغاية لدرجة أنه كان من الصعب أن أكون مقنعا».

ولشركة «تاتا» للخدمات الاستشارية، وهي أكبر شركة في مجال تكنولوجيا المعلومات في البلاد، مركز تدريب داخلي إلى جانب برنامج للتمييز الإيجابي. وتعاونت مع الحكومة في مساعدة الطلاب المحرومين اقتصاديا على تحسين مهارات العمل والقيادة لديهم.

كما أن هناك آلاف المعاهد البارزة المتخصصة في الآداب والسلوكيات في الشركات، التي تجري دورات تدريبية في عطلات نهاية الأسبوع في المدن في جميع أنحاء الهند. وفي المكاتب الصغيرة تقدم هذه المعاهد «المحادثة باللغة الإنجليزية» و«إعداد الشخصية». ولا تخضع هذه المعاهد إلى أي نظم أو لوائح، وتتفاوت جودة البرامج التي تقدمها. ويدير الكثير من هذه المعاهد وكلاء الإعلانات الذين يفترسون الطموحين والسذج.

ومع ذلك أشارت تقديرات المحللين إلى أن أكثر من نصف الخريجين في الهند، وعددهم ثلاثة ملايين، يذهبون إلى هذه المدارس المتخصصة في الإتيكيت والمهارات الناعمة، مما يجعل هذا النشاط نشاطا متناميا وتبلغ الاستثمارات به نحو 60 مليون دولار سنويا.

وقالت بالافي جا، العضو المنتدب في مدرسة «والتشاند ديل كارنيغي»، التي تدرس فن كسب الأصدقاء والتأثير في الناس في الاقتصاد الهندي الناشئ: «الجميع يرى أن هناك فرصة الآن في هذه المدارس، بداية من الشركات الكبرى وحتى المدرسين المتقاعدين الذين يعتقدون أن لديهم المعرفة التي يمكنهم المشاركة بها».

وفي مدينة فاراناسي، شمال البلاد، تعلن لافتات في الأزقة المتعرجة عن دورات تدريبية لتعليم كيفية «تنمية الشخصية». وفي أحد الأيام في الآونة الأخيرة، وفي زقاق ضيق، لا تزال السيدات فيه يقمن بطهي الطعام على المواقد القديمة المكشوفة، ملأ الحضور والمتدربون في مجال خدمة العملاء غرفة دراسة مكيفة الهواء في مدرسة ««أرورا» لتحدث اللغة الإنجليزية ولغة الجسد والتدريب على اللكنة.

وقال أحد الطلاب، ويدعى ريحان أحمد خان، ويبلغ من العمر 22 عاما، إن أسرته كانت تعمل في حياكة ثياب الساري لسنوات كثيرة. وقال إنه دفع 200 دولار لحضور دورة تدريبية مدتها أربعة شهور لمساعدته على أن يصبح «أحد أقطاب صناعة حياكة الساري في العالم».

وأضاف خان: «في هذه المدرسة أشعر أنني أستطيع الذهاب إلى أي مكان وتوسيع نشاطي التجاري في باقي أنحاء آسيا وأميركا. أتعلم الآن كيف أبدو منتعشا دوما، وأن لا أصل متأخرا في أي اجتماعات مع العملاء الدوليين، وأن أنظر في أعين الناس. أضف إلى ذلك أن هذه المهارات تجعلني هادئا».

وتقول شركات التوظيف إن الهند لديها بعض أفضل المهندسين والحاصلين على ماجستير الأعمال والبارعين في مجال التكنولوجيا في العالم. بيد أن افتقارهم إلى التهذيب الاجتماعي ومهارات الاتصال يضعهم في مكانة خلف منافسيهم مثل الصين، حيث تكون فيها مدارس تهذيب السلوك الاجتماعي في الغالب إجبارية.

وقال غاري سارانغ، نائب رئيس شركة التمويل الصناعي في الهند، والذي تم إرساله إلى مدرسة واريك عندما بدأ العمل في «سيتي بنك» في الهند قبل بضعة أعوام: «عندما لا يؤدي أي من المسؤولين التنفيذيين أداء جيدا في أحد الاجتماعات الدولية المهمة، فإن ذلك لا يعد انعكاسا على الفرد فحسب، بل يضر بصالح الشركة نفسها ويضر بصورة الهند ككل».

وقال سارانغ، الذي كان يعمل في عالم المال في سان فرانسيسكو قبل أن يعود إلى الهند عام 2007 نظرا لتوافر عدد أكبر من الوظائف في بانغالور بالمقارنة بالخارج: «إننا في الهند نتعامل مع عملاء في الشرق الأقصى وأوروبا. لقد أتيت من كاليفورنيا، لذا لم أكن في حاجة إلى تعلم كيفية ارتداء الخف أو الحذاء لحضور الاجتماعات».

وتكمن المشكلة الكبرى في نظام التعليم في الهند المثقل بالأعباء، والذي يعد صارما من الناحية الأكاديمية، لكنه يركز على الحفظ أكثر من التفكير النقدي، حسبما ذكر راجا سوبرامانيان، الرئيس التنفيذي لمدرسة «راديكس ليرنينغ»، إحدى مدارس تعليم الإتيكيت والمهارات الناعمة لمهندسي البرمجيات، التي تتقاضى من الشركات نحو 150 دولارا مقابل تدريب هؤلاء المهندسين على المهارات الاجتماعية والتفكير والثقة بالنفس.

وقال سوبرامانيان، وهو أستاذ جامعي سابق: «دعنا نواجه الأمر. يتجاوز الطلب على التعليم في الهند المعروض، حيث إن عدد المدرسين المؤهلين منخفض للغاية. فهناك مدرسون لا يخبرونك سوى بحفظ ما هو موجود في الكتب. هناك الكثير من التعليم المبني على الحفظ عن ظهر قلب، لذا فإننا ننتج الكثير من الأفراد عديمي القيمة في المجتمع. لكن ذلك ليس خطأهم».

وفي نيودلهي تعمل واريك في منزل أنيق مكون من طابق واحد، وتحتوي النوافذ به على الزجاج الملون ويوجد به حديقة خضراء جميلة. فهي تشبه أحد مدرسي الإتيكيت: يبلغ طولها 5.9 قدم، ولديها طريقة مثالية في الوقوف والجلوس، وترتدي ثلاثة فروع من اللؤلؤ وفستانا أسود بسيطا. ودرست واريك ذات الأصول السويسرية والهندية علم النفس السريري بجامعة كورنيل، وكانت ملكة جمال الهند في تسعينات القرن الماضي.

وتعد نجمة برنامج تلفزيون الواقع الذي تقدمه في بريطانيا، والذي أخذت خلاله أربعة بريطانيين غير مهذبين ومفرطين في الشرب إلى الهند لتساعدهم على تعلم الاتزان والاحترام.

وتغطي الدورات التي تقدمها كل شيء، بداية من إتيكيت تناول الطعام إلى تجنب طرح الأسئلة التي تعد مقبولة في الهند لكنها غير ملائمة في أي مكان آخر، مثل السؤال عن مرتب الفرد ووزنه.

وتقوم واريك بتعليم الأفراد أنه من الجيد الحفاظ على العادات الهندية الشائعة مثل احترام الكبير والوقوف عندما يدخل عليك رئيسك في العمل. بيد أنها تنصح بأن عادات أخرى مثل توصية بعض الزملاء باستخدام كريم لتفتيح البشرة قد تسبب بعض المشكلات.

وقال كبير نيار، مسؤول تنفيذي في مجال التكنولوجيا ويبلغ من العمر 30 عاما، أرسلته الشركة التي يعمل بها، «بهارتي إيرتل»، إلى مدرسة واريك لإعداده للقيام برحلة إلى لندن: «لقد تعلمت كيف أكون منمقا في ملابسي، وكيف أرتدي رابطة العنق، وأن لا أرفع السروال عاليا، وأن أجعله في مستوى الوسط».

وقالت واريك إن النشاط الذي تقوم به كان موجها في الماضي «إلى الفتيات اللاتي يتزوجن رجالا أثرياء»، لكن بمجرد صعود الهند كقوة اقتصادية، أصبحت تهتم بالأفراد في الشركات. وأضافت: «لدينا عقول في الهند، لكن عندما يتعلق الأمر بالمهارات الناعمة فإننا متأخرون».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»