ملوك موسيقى الروك يستعيدون عروشهم

في معرض استرجاعي للمصور العالمي بارون وولمان

الصور لميك جاغر، جيمي هندريكس، فرقة بنك فلويد إضافة إلى صورة لوولمان أمام مجموعة من صوره
TT

لاحق المصور العالمي ريتشار أفيدون، الذي قضى حياته يصور لمجلة «لايف»، مشاهير الممثلين والمخرجين والفنانين، وصورهم سنة بعد سنة في الاستوديو الخاص به، ليظهر ما رسمته السنون الطويلة من أخاديد على وجوههم، وليصور مجرى حياتهم العامة حتى مماتهم. وكذلك المصور الآخر بارون وولمان اشتهر هو الآخر ببورتريهاته للفنانين، وخصوصا مشاهير موسيقى الروك، لكنه اختلف عن أفيدون في نظرته للحياة وموقفه من الأحداث الاجتماعية والسياسية التي رافقت حياة هؤلاء المشاهير. وإذا كان أفيدون يهتم بتصوير مشاهيره في صالته، وبكاميرته الثابتة، يرتب الإضاءة والخلفية وبقية الرتوش بدقة، فقد عرف عن وولمان اهتمامه الدائم بالتقاط صوره حية، أثناء أداء المغنين، في حياتهم اليومية ونشاطاتهم، وفي بيوتهم، وكان يبتعد دائما عن الماكياج والرتوش. فصور شخصياته حقيقية، فاعلة، طبيعية، وتعكس بالتالي جانبا مهما من صراع هذا الجيل مع مجتمعه، وتمرده على المجتمع الاستهلاكي، وتجاوبه من مواضيع السياسة التي كانت تقلق بال الشباب في الستينات والسبعينات.

بدأ غاليري «لوما» الألماني في مدينة دسلدورف، عاصمة ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، معرضه الاسترجاعي الهام عن أعمال بارون وولمان يوم 2 يوليو (تموز) الحالي وينتظر أن يستمر لفترة طويلة نسبيا حتى نهاية العام. هي رحلة بين أهم أعمال وولمان في الستينات والسبعينات بين فرق الروك الشهيرة،و ملوك موسيقى البوب والروك، بين القاعات المغلقة الكبيرة، مهرجان موسيقى «وودستوك» الشهير وشخصيات فيلم «هير» (شعر)، من إخراج ميلوش فورمان، الذي جسد ثورة الشباب والهيبيز على التقاليد إبان فترة الحرب على فيتنام وثورة الطلبة.

يقول وولمان إن موسيقى الروك في الستينات والسبعينات تركت أثرا كبيرا وذكريات لا تنسى في عقول أبناء ذلك الجيل، ولعب ملوك الروك في تلك الحقبة دورا اجتماعيا وسياسيا كبيرا في نشوء «جيل التمرد»، لكن صور ذلك الجيل وأغانيه لا تقل شأنا عن الموسيقى نفسها. فهي صور تستعيد الذاكرة، تحرض على نبش الماضي، وتبرز جماليات «أزياء» و«تسريحات» ومزاج جيل بأكمله. فالمعرض عبارة عن أرشيف خالد عن حقبة ثورة الطلبة وتمرد جيل بأكمله على الحروب والعنف. ولا ننسى هنا دور أغان خالدة مثل «أبناء الثورة» لـ«تي ريكس» و«سكولز أوت» لأليس كوبر و«الجدار» لبنك فلويد وغيرها.

البورتريهات الـ21 التي جلبها وولمان (عمره الآن 73 سنة) معه من لوس أنجليس إلى ضفاف الراين في دسلدورف تصور ملوك الروك الكبار، وبعضهم ما يزال ناجحا، مثل ميك جاغر (رولنغ ستونز) وجوني كاش، يانيس يابولين، جيمي هيندريكس، جو كوكر، جورج هاريسون..إلخ. وهي صور لم تلتقط في استوديو وإنما في الخارج، وتظهر الفنانين أثناء الغناء، في قمة انفعالاتهم، في أوج اندماجهم، وهم في آخر «دوخة» بحكم ارتباط ذلك الجيل بالمخدرات والكحول. وتشكل الصور مجتمعة عرضا استرجاعيا يعيد هؤلاء الملوك إلى عروشهم، يذكر المشاهد، سواء كان من ذلك الجيل أو من جيل اليوم، بعالم ومشكلات الطلبة والشباب في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، يثير الأسئلة حول رغبة الموسيقيين آنذاك في تغيير العالم من خلال موسيقاهم ونصوص أشعارهم، ومكامن اهتمامات الموسيقيين في عصر كان يستيقظ الإنسان فيه على أخبار قنابل النابالم في فيتنام وأخبار العمليات الفدائية التي كان الفلسطينيون ينفذونها ضد المحتل الصهيوني. هو جيل كان يبحث عن هوية جديدة ويعتقد أن بمقدوره أن يحقق هذه الهوية من خلال التمرد على كل القيم السائدة.

في إحدى الصور نشاهد فرانك زابا جالسا على تراكتور، ينظر في عدسة الكاميرا بنظرة شك، تعكس كامل خيبته من عالم الستينات، وكأنه يود لو يسوّي العالم مع الأرض بتراكتوره. نشاهد جيمي هيندريكس، الذي قتلته المخدرات وهو شاب، وهو يعانق غيتاره في قمة انفعاله مع الموسيقى، نرى جوني كاش وغيتاره وقد ترك السهر والمخدرات آثارهما على عينيه، ميلاني وهي تداعب أوتار غيتارها الإسباني، أليس كوبر باسمه النسائي وماكياجه المرعب الذي يذكر بمخلوقات أفلام الرعب، لقطة للبيتل الشاب جورج هاريسون، يضطجع على الأريكة، ويقرأ كتابا للشاعر والمغني الأميركي بوب ديلان الذي ترك أثرا لا ينكر في ذلك الجيل وفي كامل الجيل الذي يحبذ أن يطلق على نفسه جيل الحداثة أو ما بعد الحداثة.

تعود الصور إلى نهاية الستينات وبداية السبعينات، أي إلى فترة تألق بارون وولمان كمصور ومصمم أزياء متمرد قرر الاندماج في عالم الموسيقى والفن واختار التمرد والهيبيز على أروقة هوليوود والمجلات المشهورة.

ولد وولمان يوم 25 يونيو (حزيران) 1937 في كولمبوس (أوهايو)، انتقل في الستينات إلى ألمانيا وبدأ حياته الفنية كمصور ومصمم أزياء هاو ببرلين الغربية في الستينات. وربما أن هذا سبب اهتمام الألمان بمعرضه، وسر اهتمامه بالعرض بدسلدورف، ومن ثم نقل المعرض إلى العاصمة الألمانية. وكان منذ البداية وفيا لطبيعته المتمردة فابتعد عن مشاهير برلين ليصور حياة الناس العاديين خلف جدار برلين (القسم الغربي). انتقل بعد ذلك إلى لوس أنجليس، ثم سان فرنسيس، أريزونا، ليستقر حاليا في سناتافي في نيو مكسيكو.

اشتهر في الستينات في الولايات المتحدة من خلال كتابه Vans A Book of Rolling Stones ثم عمله في مجلة عن الموسيقى تحمل اسما مشابها. ويعتبر، إلى جانب الصحافيين الموسيقيين جان وينر ورالف جيلسون (رئيس تحرير مجلة «سان فرانسيسكو ميوزك كرونكل»)، من مؤسسي مجلة «رولينغ ستونز» التي اشتهرت في نهاية الستينات بمتابعتها للموسيقى والموسيقيين في مجال الروك، وملاحقتها أخبار الفرق الموسيقية ومشاهير الموسيقيين، ونشر كلمات الأغاني.

ورغم عمله في «رولينغ ستونز»، عمل عام 1970، وبجهد فردي، على إصدار مجلة خاصة به للأزياء وهو بسن 30 سنة. ونشر منها 31 عددا قبل أن يوقفها في نهاية السبعينات، وكان يصور، ويتابع ويصمم، الملابس والأزياء للناس العاديين في الشارع وليس للطبقات الراقية ومشاهير النجوم. كانت عدسة كاميرته تلاحق «أزياء» الناس في الشارع، ابتكاراتهم في حدود إمكاناتهم المحدودة، وترسم لهم آخر صيحات الموضة في هذا المجال الشعبي «البديل» لدور الأزياء الباريسية والأميركية الراقية.

كما هو معروف، فإن حركة تمرد الشباب والطلبة في الستينات أفرزت لاحقا حركات اليسار المتطرف في أوروبا كما كانت المنبع الذي طفحت منه حركة أنصار البيئة وحزب الخضر. وعلى هذا الأساس أيضا تحول وولمان في الثمانينات والتسعينات لتصوير الطبيعة بعيدا عن صخب الهارد روك والفرق الرائدة في هذا المجال مثل «بلاك سابات» و«ديب بربل». وأصدر خلال هذه الفترة العديد من الكتب المصورة عن الطبيعة بينها «كاليفورنيا من الجو» و«الساحل الذهبي» و«الأرض المقدسة».

ما لم يعرضه وولمان حتى الآن هو الصور التي التقطها ملوك الروك له أثناء عمله وفي فترة استراحته «كمحارب» لا يملك سلاحا غير الكاميرا. بورتريهات تصوره خلف كواليس رولنغ ستونز، على المسرح مع جيمي هيندريكس، وأمام المسرح مع جيم موريسون وغيره.